راصد
الحوار والكباب
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢
جمال زويد
الفيلم المصري الكوميدي المشهور، اسمه «الإرهاب والكباب» تم إنتاجه في عام 1992 وهو من بطولة الفنانين عادل إمام ويسرا، وقام بإخراجه شريف عرفة حيث قدم سيناريو اجتماعيا وسياسيا في قالب من الكوميديا ساهمت في زيادة شهرة هذا الفيلم الذي تدور أحداثه في مجمع التحرير بالقاهرة، وهو عبارة عن ديوان حكومي كبير يحتوي على مكاتب لعدد من وزارات الدولة وخاصة الخدمية منها.
الحكاية تبدأ من موظف بسيط اسمه أحمد فتح الباب، يعمل في الصباح في مصلحة حكومية وفي المساء بكفتيريا ليزيد من دخله في مواجهة الصعاب المعيشية المتزايدة. أراد هذا الموظف نقل ابنه من مدرسته البعيدة عن سكنه إلى مدرسة أخرى قريبة، وقيل له إن العملية بسيطة وممكنة، وما عليه إلاّ أن يتقدّم بطلب إلى مديرية التعليم الواقعة بمجمع التحرير. لكنه يفاجأ في هذا المجمع بعدد من الصعوبات والعوائق الناتجة عن انصراف الموظفين وتقاعسهم عن خدمة المواطنين وتفاقم الروتين والبيروقراطية الباعثة على الإحباط، رحلة المعاناة أدّت إلى خروج هذا الموظف - أحمد فتح الباب - عن طوره واشتباكه مع أحد الموظفين بمجمع التحرير الذي يستدعي بدوره رجال الأمن بالمجمع، ويشتبكون مع أحمد، إلى أن يتمكن من الاستيلاء على سلاح أحدهم، وتنطلق رصاصة بطريق الخطأ، ليهرع الجميع في حالة من الذعر الشديد، ويتسرّب الخبر إلى مرافق المجمع الأخرى، بأن المجمع تم اقتحامه من قبل عناصر إرهابية، وأن هناك العديد من الرهائن.
فجأة يتغير المشهد العام في مجمع التحرير الحكومي ويجد هذا المواطن البسيط (أحمد فتح الباب) نفسه من غير مقدمات وقد أمسك في يده مدفعا رشاشا لا يعرف حتى كيفية استخدامه، ويشعر بأنه في ورطة لا يعرف كيف السبيل للخروج منها. ولأنه يجد نفسه محاصراً داخل مجمع التحرير، فهو يضطر إلى احتجاز بعض المواطنين ممن هم في مراجعات لمعاملاتهم كرهائن، بل ينضم إليهم مواطنون آخرون وجدوا في هذه العملية (الإرهابية) فرصة لإظهار بطولاتهم أو التغلّب على إحساسهم بالإهمال والتهميش المجتمعي لمعاناتهم من الفقر أو القهر أو أية أسباب مشابهة أخرى.
ورغم كل المخاطر التي قد تترتب على هذه العملية فإن الموظف أحمد فتح الباب يقرّر الاستمرار في ورطته ومواصلة الدور، دور اختطاف الرهائن وإثارة الفوضى في المجمع وتعطيل مصالح ومعاملات الناس إلى حدّ التوقف النهائي عن العمل في داخل هذا المجمع.
وفي تطوّر دراماتيكي يقوم هذا الموظف (المتورط) مع عدد من (القبضايات) الذين وجدوا في هذه الورطة ضالتهم للبطولة والظهور في جمع اسطوانات الغاز من المجمع وكل ما يمكن استخدامه كسلاح تهديد يقوّي من شأنهم ويعضد عمليتهم الإرهابية التي تورّطوا فيها.
في الخارج قامت قوات الأمن بمحاصرة المجمع من كل مكان تحسباً لأي طارئ ورغبة في فكّ الحصار وإنقاذ الرهائن وإعادة الوضع إلى سابق عهده. وفي هذه الأثناء صار مجمع التحرير في بؤرة الأحداث، الفضائيات ووسائل الإعلام تحاصره وتترقب نقل أية معلومات عما يدور بداخله من قبل هؤلاء الذين أصبحوا على غير تخطيط وموعد مسبق (أصحاب قضية) وجدوا مع طول المدّة وتعاظم القلق على مصير المجمع والمحتجزين فيه وتعطّل المصالح والفوضى المصاحبة لاختطاف مجمع التحرير ومن بداخله أنه لا مناص من بدء حوار ومفاوضات لحلحلة المشكلة والإفراج عما بداخله وعدم إطالة الأزمة.
ولأن العملية لم يُحسب لها توقعاتها الصحيحة، وأن تطورها على هذا النحو لم يكن في وارد التفكير والحسبان والاستعداد؛ وجد أحمد فتح الباب ومن معه أنفسهم في موقف لا يُحسدون عليه في هذا الحوار حينما فاجأهم وسألهم وزير الداخلية عبر الهاتف عن مطالبهم، فلم يجدوا - بعد طول تفكير- أية مطالب جدية لديهم، فما كان منهم إلاّ أن طلبوا وجبة كباب لكل فرد بالمجمع! وهو طلب غريب لا يتناسب مع حجم العملية وتداعياتها، ووسط استغراب قوات الأمن ووسائل الإعلام بشأن هذا الطلب واستهجانهم له؛ ترتفع الأصوات من داخل المجمع (الكباب، الكباب أو نخلّي حياتكم هباب) فتتم الاستجابة – على مضض – لهذا الطلب الغريب، وبالفعل تدخل المجمع كميات كبيرة من مختلف أنواع الكباب، مالذّ منها وطاب، يأكله الخاطفون والمُختطفون.
بعد الانتهاء من الأكل يقرر أحمد فتح الباب وأصحابه إطلاق سراح الرهائن والسماح لهم بالانسحاب من المجمع، وهم بدورهم أصروا على أن يأخذوا أحمد فتح الباب معهم. لتعود الحياة الطبيعية مرة أخرى إلى مجمع التحرير الحكومي ويفلت الخاطف والخاطفون من أية عقوبة ويصبح الأمر كأن لم يحدث رغم فداحة العملية، عملية اختطاف مجمع التحرير واحتجاز رهائن وتعطيل مصالح البلاد والعباد.