الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


الهدف رأس «ربيع الثقافة»

تاريخ النشر : الأربعاء ١٤ مارس ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



منذ أن نجحت وزارة الثقافة في وضع «مهرجان ربيع الثقافة» على خريطة الفعاليات السنوية التي تلفت انتباه واهتمام المهتمين بمختلف أشكال الفن والثقافة من مختلف دول العالم وتحول البحرين إلى محطة سنوية تستقطب المهتمين بهذه الفنون، فإن محاولات إفشال هذه الفعالية وتخريب برامجها لم تتوقفا، فأصبحنا في كل عام على موعد مع حجج وذرائع مختلفة في مسعى صريح يستهدف هذه الفعالية الراقية وكل شكل من أشكال الأنشطة الترفيهية والأدبية وغيرها من الأنشطة، حيث هناك جماعات لا تريد للبحرين أن تكون نقطة استقطاب لمثل هذه الفعاليات، وهناك الكثير من الحوادث السابقة التي تؤكد هذه الحقيقة، ولا يخفى على كل متتبع للذرائع التي تسوقها تلك الجماعات في مطلب منع «الربيع»، أنها تفتقر إلى المنطق والحجة المقبولين كسبب وجيه.
وما يتعرض له «ربيع الثقافة» هذا العام من ضغط وهجوم واستهداف من جانب تلك الجماعات، لم يكن سببه الدماء السورية و«التضامن» مع قضية الشعب السوري، فقد سبق أن تعرضت فعاليات ربيع الثقافة من قبل لمثل هذا الهجوم والمطالبة بوقفه ومنع فعالياته في البحرين، بل وصل الأمر إلى حد تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، بعد عرض فقرات فنية ترى فيها تلك الجماعات أنها منافية لعادات وتقاليد المجتمع البحريني، وهي لا تعدو أن تكون حجة لتبرير طلب الإلغاء، كما هو حال الدماء السورية في الفترة الحالية.
حجة «التضامن» مع الشعب السوري لم تكن حجة مقنعة وقوية، لأن مسألة التضامن مع الحقوق المشروعة للشعب السوري وغيره من الشعوب العربية التواقة للحرية والديمقراطية، ثم ان مصائب الشعوب العربية لم تتوقف في ظل وجود أنظمة سياسية لا تعترف بأي شكل من أشكال الحقوق الإنسانية لمواطنيها، ناهيك عن أن لدينا مصيبة الشعب الفلسطيني المستمرة أكثر من ستة عقود من دون أن تلوح في الأفق أية بوادر تشير إلى قرب وضع حد لهذه المأساة، ورغم فداحة هذه القضية، فإن الأنشطة الثقافية والأدبية والفنية لم تتوقف يوما، ليس في الدول العربية فحسب وإنما بين الفلسطينيين أنفسهم، بل ان الفن والثقافة والأدب، كلها أنشطة تستخدم للتعريف بقضايا الشعوب والتضامن معها.
ولأن حجة «التضامن» مع الشعب السوري لم تكن قائمة على مبررات مقنعة لحشد رأي عام مؤيد لها يحقق ضغطا لوقف فعاليات المهرجان، تم اختلاق واقعة «منع» الأذان، وهي الواقعة التي نفتها إدارة مركز الشيخ إبراهيم الثقافي واعتبرتها مختلقة ومفتعلة، كون فعاليات المركز لا تبدأ إلا بعد الساعة الثامنة مساء، أي بعد أذان العشاء بوقت طويل وهذه الحقيقة غابت عن تفكير مختلقي واقعة الأذان، وبأن القصة كلها لا تعدو أن تكون مسعى جديدا لإفشال مهرجان «ربيع الثقافة»، باعتبار أن قصة الأذان ستكون أكثر تأثيرا وقدرة على حشد رأي عام يستنكر مثل هذا الفعل.
لو انطلت قصة «منع الأذان» لكان الأمر مختلفا تماما في الموقف من الفعاليات التي ينظمها مركز الشيخ إبراهيم الثقافي ومن شأن ذلك أن ينعكس على موقف قطاع عريض من الرأي العام من فعاليات المركز نظرا لما يحظى به الأذان والشعائر الدينية من مكانة خاصة ومقدسة في قلوب الغالبية العظمى من أبناء البحرين، لكن اختلاق الوقائع لا يمر بالسهولة واليسر اللذين يشتهيهما مريدوهما، وبالفعل فإن هذه القصة لم تدخل عقول إلا أولئك الذين يريدون لربيع الثقافة والعديد من الفعاليات الاجتماعية والثقافية والترفيهية الأخرى التي تحتاج إليها المملكة لتفعيل الحراك المجتمعي وتنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد.
من المؤسف حقا أن تأتي الحملة المحمومة ضد فعاليات ربيع الثقافة في هذا العام الذي اختيرت فيه عاصمة المملكة المنامة عاصمة للثقافة العربية وهو الحدث الذي كان يفترض أن يقابل بالترحيب والتأييد والدعم كونه يساهم في تعزيز مكانة المملكة على خريطة الفعاليات الثقافية العربية والعالمية ويساهم في جعلها محطة لاستقبال مختلف الأنشطة والفعاليات الثقافية والترفيهية، لكن يبدو أن بعض الجماعات لا تعطي مثل هذه الأهداف أي وزن أو قيمة وإنما تخضع كل نشاط لاجتهادات عقدية تريد فرضها على الجميع.
فما قدمته فعاليات «ربيع الثقافة» من فقرات وعروض غنائية وموسيقية متنوعة كلها تندرج في إطار الفن العالمي الراقي التي استقطبت جمهورا غفيرا من مختلف المستويات الاجتماعية بما يعكس المكانة التي يحظى بها هذا النوع من الفنون الثقافية، وهذا النجاح يعزى إلى الجهود التي بذلتها وزارة الثقافة لاستقطاب ممثلي الفنون الراقية من مختلف دول العالم وإقناعهم بالمجيء إلى البحرين لتقديم عروضهم الفنية، فمثل هذه الجهود يجب أن تحظى بالدعم والمساندة وليس نصب الكمائن في طريقها للإيقاع بها وإفشالها باستخدام حجج لا تمت إلى الواقع بصلة.