الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقال رئيس التحرير


أين حق الأغلبية الصامتة؟

تاريخ النشر : الأربعاء ١٤ مارس ٢٠١٢

أنور عبدالرحمن



أتواجد هذا الأسبوع في جنيف لحضور دورة للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان. عقد وفدنا لقاءات عدة مع مسئولين كبار. في هذه اللقاءات، قدمنا شرحا تفصيليا عن الأوضاع في البحرين. ومن أهم الجوانب التي حرصنا على تأكيدها، ان المراقبين في الأمم المتحدة حين يزورون بلادنا، ينبغي الا يكتفوا فقط بعقد لقاءات مع مسئولي الحكومة ومع من يسمون أنفسهم «المعارضة».
أكدنا أهمية الاستماع إلى الأغلبية الكاسحة الصامتة من المواطنين والمقيمين الذين ينتمون إلى عديد من الجنسيات، وخصوصا الذين يعيشون في البحرين منذ أكثر من عشر سنوات. هؤلاء من أهم مصادر المعلومات الموثوق بها عن الأوضاع في البحرين، وهم محايدون. وبالتالي، فإن بمقدورهم ان يقدموا المعلومات الموثوق بها حول حقيقة ما جرى ويجري في البحرين.
والحقيقة اننا وجدنا تفهما كبيرا لما طرحناه، وآذانا صاغية لوجهات النظر التي عبرنا عنها.
وفي نفس اليوم، عقدنا مؤتمرا صحفيا حضره عديد من الصحفيين أغلبهم أوروبيون، تحدثنا فيه عن تطورات الأوضاع في البحرين، وتفاصيل التجربة الديمقراطية التي تشهدها.
صحفية واحدة فقط قفزت من مكانها وصرخت بعصبية شديدة: «لا يمكن ان تكون هناك ديمقراطية في ظل النظم الملكية»، واندفعت خارجة من القاعة من دون حتى ان تنتظر ردنا على ما قالته. كانت هذه الصحفية نموذجا صارخا للصحفيين الذين يبحثون عن الإثارة فقط في تغطياتهم، ولا تهمهم الحقيقة. للأمانة، فقد احتج باقي الصحفيين بشدة على ما فعلته هذه الصحفية، وعلقت إحدى الحضور قائلة: انها تبحث عن الاثارة فقط، ولا يعنيها الحديث الموضوعي في شيء.
وتطرق النقاش أيضا إلى مسيرة الجمعة الماضية في البديع.
قلت في هذا الصدد ان من يسمون أنفسهم نشطاء المعارضة أثاروا ضجة كبرى حول هذه المسيرة، واعتبروا انها بمثابة اشارة واضحة إلى الحكومة والى المجتمع الدولي بأن مطالبهم الديمقراطية تحظى بتأييد أغلبية الشعب في الشارع. وتجاوز الشيخ عيسى قاسم دوره الديني الروحي، ولعب دورا سياسيا مباشرا حين أصدر تعليماته إلى أتباعه بضرورة الخروج والمشاركة فيما قالوا إنها ستكون أكبر مسيرة في تاريخ البحرين.
وقد تضاربت التقارير حول أعداد الذين شاركوا في المسيرة بالفعل. لكن لنأخذ تقدير المعارضة نفسها لأعداد المشاركين، والذين قدرتهم بمائة ألف، بحسب ما ذكرت الـ«بي بي سي» في 9 مارس. والمائة ألف هو اكبر عدد استطاعوا ان يحشدوه منذ أحداث فبراير - مارس في العام الماضي.
هذا العدد يمثل أقلية من الشعب، ورغم هذا يزعم قادة هذه الأقلية أن هذا يعطيهم الحق في ان يفرضوا أجندتهم على البلاد كلها.
إذا أخذنا في الاعتبار ان عدد المواطنين يبلغ 600 ألف، فان الـ 100 إلف الذين شاركوا في المسيرة يمثلون 16% فقط من المواطنين. ومعنى هذا ان 84% من أبناء الشعب رفضوا تلبية دعوة الوفاق إلى الخروج في المسيرة.
ولنا ان نفترض ان 99% من المشاركين في المسيرة هم من الشيعة الذين استجابوا للفتوى التي أصدرها عيسى قاسم، والتي أصدرها بحكم موقعه الديني وبمباركة من المرجعية الدينية العليا في ايران.
معنى هذا ان أقل من 30% من شيعة البحرين يؤيدون اجندة المعارضة..
ومعنى هذا أيضا ان الأغلبية الصامتة في البحرين يرفضون تماما السير في طريق الوفاق للديمقراطية المزعومة، والتي لا علاقة لها بالديمقراطية الحقة ولا تعدو ان تكون ثيوقراطية دينية.
حقيقة الأمر إذن ان هذه الديمقراطية التي تتحدث عنها الوفاق ليست هي أبدا الديمقراطية الحقة التي يتطلع إليها الغالبية الساحقة من شعب البحرين.
وقد خاطبت الصحفيين الأوروبيين قائلا: أرجو ان تفهموا ان الأنماط الغربية من الديمقراطية الغربية من الممكن ممارستها في البحرين بشرط الا تكون خاضعة لقبول أو رفض الثيوقراطية الدينية. وعلى سبيل التوضيح، فإن مجلس العموم في بريطانيا مثلا يعبر عن ارادة الشعب، وهو ليس خاضعا لهيمنة أو وصاية أسقف كانتربري. لهذا، فإن مجتمعنا سوف يكون قادرا على ممارسة الديمقراطية الغربية فقط حين يتم الفصل تماما بين الدين والدولة.
لا بد ان اذكر هنا انه قبل أسبوعين فقط، كنت حاضرا مع مجموعة من الإعلاميين والمثقفين لقاء مع جلالة الملك. في هذا اللقاء قال جلالته ان هؤلاء المحرضين المتطرفين لا يمثلون الا أقلية ضئيلة.
وما حدث في مسيرة الجمعة الماضية، والأعداد التي شاركت فيها، يثبت بجلاء تام، ان جلالة الملك كان على حق تام.