قضايا و آراء
دور الإعلام بعد «الربيع العربي»
تاريخ النشر : الأربعاء ١٤ مارس ٢٠١٢
حَفل الشهر الماضي (فبراير) بمناسبات إعلامية مهمة من بينها «ملتقى الإعلاميين الشباب العرب» الذي عقد في البحرين برعاية كريمة من جلالة الملك، ناقش في دورته الرابعة محاور إعلامية مختلفة احدها «الإعلام العربي.. الهوية والمصداقية»، كما عُقد «منتدى الاتصال الحكومي الاول» في الشارقة برعاية حاكم الشارقة وكان موضوع المنتدى «دور الاتصال الحكومي في إدارة عملية التطوير». وكانت صرخة الملتقى هي «نحن لا نريد اعلاما تائها مضَلَلا، بل نريد اعلاما يخاطب العقول وإعلاما قادرا على تحمل المسئولية في اظهار الحقيقة التي هي حق مشروع للمتلقي».
وفي الشهر نفسه افتتح الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة «منتدى الاتصال الحكومي الأول» بهذه العبارات «هذا النوع من الإعلام الهادف والملتزم والمحايد يشكل دعامة قوية في تطور الشعوب والأمم ويبرز انجازاتها ويقدم صورا ومفاهيم صحيحة، ولا يقف عند هذا الحد بل عليه مسئولية متابعة التقصير الذي يظهر احيانا وإبرازه بهدف الإصلاح والتطوير من دون إساءة او تشهير.. فلا نريدها دسمة ضارة بقدر ما نريدها جادة وهادفة تخاطب العقول وتحترم متلقيها». فما هي المتطلبات التي تحول الإعلام العربي إلى عنصر فاعل في المجتمع يسهم في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية؟
لعب الإعلام العربي دورا محوريا في تشكيل الرأي العام وقد عمد في بعض من هذه المراحل إلى تضليل الأمة وأسهم في انتكاسات وهزائم نفسية لحقت بها سواء في حروبها مع العدو الصهيوني، او في مواجهتها للغرب، او في تلميع صورة أنظمة دكتاتورية لاتزال تبطش بشعوبها، او في الترويج للتنمية والتطوير الواهمين، واذا قارنا ما يحدث في إعلامنا العربي نجد فجوة كبيرة بينه وبين الإعلام الحر في الدول الديمقراطية التي يقوم الإعلام فيها بتقويم اداء أنظمتها وكشف المسئولية عن الاخفاقات التي تصيبها، وباستقصاء حالات الفساد والتجاوزات وهو بذلك يؤدي دورا رقابيا مهما ودورا تنمويا مؤثرا يسهم في جهود التنمية وتأصيل الحكم الرشيد المطلوب لنجاحها.
ناقش المشاركون في المنتديين دور الإعلام العربي وإلى اين يسير وما هي رسالته نحو المواطن والمجتمع، وبين المتداخلون كيف ان الإعلام في الكثير من الدول يمجد الاستبداد والفساد ويُلمع صور المفسدين من القادة ويكيل المديح، ويروج لمشاريع فاشلة ويقدمها بأنها قمة النجاح، وفي ظل التعتيم على المعلومات تصعب مناقشة ما يحدث موضوعيا. هذا التصرف من الإعلام حدا بالسيد راشد العريمي (رئيس صحيفة الاتحاد الإماراتية) ان يصف الصحافة العربية بالسلبية ومحدودية الحرية، وانها تتأثر بمواقف الحكومات واصحاب المال وانها تابع لهما.
بعد ان تغير العديد من الانظمة واصبحت المجتمعات تسير نحو الديمقراطية، فان السؤال هو ما هي اهداف اجهزة الإعلام وما هو الدور الذي يجب ان تلعبه؟
بالنسبة إلى رئيس الوزراء الماليزي السابق فان الطريق يكون من خلال التعليم وتنمية الثروة البشرية المبنية على مبادئ الإسلام الحضاري وان يسهم الإعلام ايجابيا في ذلك، اما التعتيم الإعلامي الذي يمارس من بعض الحكومات فانه لم يعد ممكنا في هذا الوقت. ويرى الدكتور خليفة السويدان- (الإمارات) ان العلاج يكمن في ان يأخذ الإعلام دورا في تهيئة المناخ العام في المجتمع من خلال انتهاز فرصة الربيع العربي في «تصحيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتوسيع المشاركة الشعبية ودولة القانون والحريات العامة والمجتمع المدني»، مما يجعل كل مواطن عنصر بناء في مجتمعه بعيدا عن طرائق التفكير الهدامة. اما فيصل الفريان (السعودية) فيرى ان دور الإعلام هو «في ترجمة ما يريده المواطن والشعب وارسال الحقيقة إلى المسئول وعدم الكتابة بألوان وردية»، اي ان يكون الإعلام في خدمة المجتمع وليس السلطات.
في مثل هذه الظروف فان التحدي للمجتمعات التي تخلصت من مستبديها ان تفكر مليا في قضية الإعلام وكيف تجعله اداة في يد المجتمع وليس سلاحا مصلتا عليه. لذلك فان الهدف الذي تحدده للإعلام ليس توجيه المجتمع من قبل طرف واحد، بل توسيع خيارات المواطن من خلال تحرير الإعلام ليطرح وجهات نظر متنوعة. لذلك فان تحرير الإعلام في حقيقته هو ابعاده عن الاحادية وتخليصه من قبضة السلطة التنفيذية بالدرجة الاولى، كون هذه السلطة، اكثر من اي سلطات اخرى، هي المعنية بمعالجة قضايا المجتمع، وسيطرتها على الإعلام يغريها باخفاء اخفاقاتها وتهويل نجاحاتها.
ومن ناحية اخرى فان الحرب الإعلامية اصبحت احد الاسلحة التي تستخدمها الدول لخدمة مصالحها والتأثير في الرأي العام الاقليمي (مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية)، وهذا يجعل الامة العربية امام اختبار صعب يحتم عليها تفويت الفرصة على وسائل الإعلام الأجنبية وسحب البساط من تحت اقدامها. والوسيلة الوحيدة هي بناء البيئة السياسية والتنموية الصالحة القائمة على المشاركة السياسية والحريات العامة التي تحصن المجتمع من اختراقات الإعلام الخارجي.
ان هذه الحرب لن تكسبها الدول العربية بإنشاء هيئات إعلام رسمية اضافية لا تتمتع بالمصداقية لدى الشعب الذي تمثله. في هذا العالم المتواصل رقميا وإعلاميا اصبح من الضعف على الإعلام في كل دولة ان يستفرد بصياغة الرأي العام المحلي. لذا فكلما كان صادقا في تقديمه للخبر والتحليل ومحايدا في الطرح استقطب جمهورا اكبر وكان أكثر تأثيرا. لكن الحل في المطاف الاخير هو في اصلاح سياسي واقتصادي والاهتمام بعناصر التنمية الحقيقية والتوزيع العادل للثروة والحوكمة الرشيدة في دولة مدنية ديمقراطية. هذه الوصفة هي التي يمكن ان تحمي الدولة من الإعلام المغرض الذي يستغل هذه الثغرات ليدخل على المجتمعات العربية.