مركز إعلامي لمشروع الاتحاد
تاريخ النشر : الخميس ١٥ مارس ٢٠١٢
محمد مبارك جمعة
كنت قبل أيام أتابع ندوة بثتها قناة «العربية» حول اتحاد دول الخليج العربي والخيارات المطروحة لتنفيذ الاتحاد. الندوة شاركت فيها شخصيات رئيسية وجمهور شبابي. كان من بين من شاركوا السيد نبيل بن يعقوب الحمر مستشار جلالة الملك للشئون الإعلامية. وكان واضحاً أن مزاج الندوة انقسم إلى ثلاثة اتجاهات. الأول مؤيد بشدة لفكرة الاتحاد وما سوف يتمخض عنها من منافع لشعوب دول الخليج. الثاني من دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان هو الآخر مؤيداً لكنه يرى أن فكرة الاتحاد تحتاج إلى نشاط منقطع النظير، وحركة اتصال وتواصل بين دول المجلس، واستشهد بجهود الشيخ زايد رحمه الله، قائلاً إنه تفرغ بشكل تام لتحقيق فكرة اتحاد الإمارات، وقضى جل وقته في زيارات وإرسال المبعوثين. الثالث من سلطنة عمان، وكان نوعاً ما متشائماً من الفكرة أو لنقل غير مؤمن بجدواها لكونها انطلقت «فجأة» وكـ «ردة فعل» على حسب تعبيره.
أين أجد نفسي من بين المواقف الثلاثة؟
أجد نفسي بالطبع مع ما ذهب إليه مستشار جلالة الملك من طرح متفائل بالفكرة، وفي نفس الوقت أجد أن ما طرحه الضيوف الآخرون يستحق أن يؤخذ بعين الاعتبار. بمعنى، أن يكون لدينا تفاؤل البحرين بفكرة الاتحاد، وإقدام الإمارات على تنشيط الفكرة وحث الزعماء على تبنيها إعمالاً لمبدأ وفكر الشيخ زايد رحمه الله، وأن ننظر إلى وجهة النظر العمانية، فنأخذ بعين الاعتبار أي أضرار أو أسباب تدعو إلى التشاؤم كي نتغلب عليها، وكي نقنع المتشائمين بأنهم قد أخطأوا.
قال السيد نبيل الحمر في حديثه، إننا بالفعل نحتاج إلى حملة إعلامية تغطي فكرة الاتحاد. أتفق مع هذا الطرح، لكن ما أضيفه اليه أيضاً ألاّ تكون هذه الحملة الإعلامية اعتيادية، بمعنى ألا تصاغ بطريقة يشعر من خلالها المواطن الخليجي أن عليه أن يسلم بأمر واقع من دون أن يكون هناك ما يقنعه بالفعل. صحيح أن الغالبية العظمى من شعب الخليج يؤيد الاتحاد الخليجي بل وينتظره بفارغ الصبر، لكن المؤكد أيضاً أن هناك بعض المترددين أو المتشائمين لاعتقادهم أن فكرة الاتحاد لا تتجاوز الجانب العسكري، وبالتالي فهو يعتقد إنها تعتبر حامية للأنظمة أكثر من كونها نافعة للشعوب. ومن هنا تنبع الحاجة الملحة إلى تبيان مفصل لمنافع الاتحاد الخليج بشكل علمي، يحتاج المواطنون في كل أنحاء الخليج إلى التعرف على النقاط الإيجابية من الاتحاد. على سبيل المثال، بالإضافة إلى تعزيز القدرة العسكرية وتوحيد الجيش والتنسيق على مستوى السياسات الخارجية - وهو ما يعتبر بالطبع إنجازاً بحد ذاته - ما الذي سوف يضيفه الاتحاد اقتصادياً بشكل ينعكس على حياة المواطن؟ وما هي المنفعة المحلية والإقليمية والدولية أثناء التنقل باسم الكونفدرالية الخليجية؟ وما هي في الوقت نفسه المعوقات أو السلبيات وكيف يمكن التغلب عليها؟ هذه الأمور تتطلب النقاش الإيجابي في العلن.
حينما انتهى اجتماع دول مجلس التعاون الذي دعا فيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى فكرة الاتحاد، كنت أتحدث مع «بي بي سي» العربية على الهواء مباشرة. سألوني: لماذا الاتحاد الآن وفي هذه الظروف بالذات؟ قلت لهم: الاتحاد فكرة قديمة وليست وليدة اللحظة، وقد طرحها جميع دول مجلس التعاون في السابق كل بحسب الصيغة التي رآها مناسبة، ولربما جاء طرح الفكرة مجدداً الآن وبهذه القوة إدراكاً من قادة الخليج أنهم قد تأخروا كثيراً في تنفيذ هذه الفكرة التي أسس لها مجلس التعاون الخليجي والتي طمح إليها شعوب المنطقة منذ زمن بعيد.
وإنني أقترح هنا على السيد نبيل بن يعقوب الحمر، أن يبادر بجعل البحرين من الآن وحتى موعد انطلاق الاتحاد، مركزاً إعلامياًّ متحركاً لمشروع الاتحاد الخليجي في الداخل والخارج، من خلال تنظيم الحملات الإعلامية والندوات الجماهيرية المفتوحة والحوارات المباشرة، وفتح المجال للتعبير والنقد والاقتراح والإدلاء بالأفكار. ليتعاون تلفزيون البحرين مع بقية تلفزيونات المنطقة - وهنا المقترح أيضاً للشيخ فواز بن محمد - ولتتعاون مراكز الأبحاث والجامعات بقيادة البحرين في التواصل مع جامعات باقي دول الخليج من أجل تنظيم الندوات التي تجمع الطلاب والأساتذة ليستمعوا إلى آراء المحللين السياسيين الاستراتيجيين بشكل إيجابي حول الاتحاد الخليجي، وليكن هناك أخذ وعطاء وحوار وسجال.
صحيح أن المزاج العام في أغلب دول المنطقة يتفق مع الاتحاد وإن شاب التردد بعض المواقف، لكن لنستثمر الحالة الإيجابية السائدة لإقناع من لم يقتنع بعد حينما يستمع بنفسه إلى النقاط الكثيرة التي يسجلها الاتحاد لصالح شعوب المنطقة، وأن المعوقات الموجودة لا يمكن أن تكون سبباً في التشاؤم من الفكرة.