مشكلات رئيسية في الديمقراطيات العربية
 تاريخ النشر : الجمعة ١٦ مارس ٢٠١٢
عبدالله خليفة
تتجه الديمقراطيات العربية لأزمات محورية خانقة بسبب عدم تبلور السلطات العربية، فهل هي للقوى التنفيذية أم للهيئات المنتخبة أم للتعاون الوثيق بينها؟
خلال العشر السنوات الماضية طرح الوعي الديمقراطي العميق أهمية بلورة السلطة الديمقراطية من خلال البرلمانات، بحيث تكون الأجهزة التنفيذية منشأة من قبلها أو على توافق كبير معها.
إن إيجاد سلطة برلمانية مع عجزها عن إنجاز تقدم فعلي في حياة الشعوب يؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها.
ومن الواضح أن الدول العربية غير قادرة على إنشاء ديمقراطيات بمعنى الكلمة، ولكنها سلطات تتجه نحو ديمقراطيات افتراضية ومحتملة.
حين تنشأ سلطات منتخبة نرى النقص في تكوينها الدستوري، أو تغدو هيئات رقابية، أو تغدو سلطةً مركزيةً لطائفة أو لقومية واحدة ثم تقومُ الأقاليم الأخرى ذات الطوائفِ والقوميات الأخرى بانتخاب هيئات مغايرة وحكومات مستقلة.
أو كما حدث في بعض الثورات العربية الناجحة حين تظهر برلماناتٌ منتخبة لكن المجلس العسكري أو قوى البيروقراطيات القديمة وأصحاب النفوذ السابق يظلون يديرون الحياة السياسية والاقتصادية.
برلمانات ضعيفة وحكومات قوية في يدها مفاتيح الأمور يؤدي إلى المشاهد التالية:
تحدث اجتماعات كثيرة للبرلمان ويقدم اقتراحات ويستجوب ويكثر من الأسئلة والقرارات لكن تغدو كل هذه الأفعال ضعيفة، وتتوجه لبعض الجوانب الجزئية أو التغييرات المالية العابرة.
ولعل هذا بسبب عدم تجانس البرلمان واختلاف كتله، لكن السبب الأكبر هو ضعف مستواه السياسي وعدم قدرته على رؤية الأمور الجوهرية من ملكيات عامة ونتاجها ومن توزيعٍ غيرِ دقيق للإيرادات والثروة الوطنية وضعف استجواباته وهامشيتها.
ضعف المستوى ينبع من الثقافة الدينية الأدبية السطحية وغياب محامين كبار ومفكرين وقادة سياسيين ذوي تجارب كبيرة قادرين على الوصول إلى جوهر الأمور وتوجيه الحكومات إلى جوانب تغفل عنها، أو تضيع من خلال عدم وجود التخطيط وضخامة البيروقراطية التي تطرح مسوغات كثيرة من دون دقة ولرغبتها في احتكار السلطة.
وللأسف فإن عدم تعاون القوى الدينية والمستقلة البسيطة الثقافة مع التيارات الديمقراطية واليسارية يزيدها ضعفاً، ويجعلها لقماً سائغةً لمناوراتِ الإدارات والحكومات ذوات التجارب الطويلة.
كذلك قد يكون عدم التعاون بين البرلمانات والحكومات أو حدوث الصراعات المزمنة المؤدية لاضطراب الجهازين معاً كما هي حالة الكويت نتيجةً لعدمِ تبلور طبيعة السلطتين التشريعية والتنفيذية ومساحة كل منهما، ورغبة كل منهما في اختراق الأخرى.
عموماً فإن هذا الذي يجري في البلدان العربية من صراعاتٍ بين البرلمانات والحكومات بأشكالٍ شتى، وبأسبابٍ متعددة حسب مدى التجارب والتطورات السياسية في كل منها، هو بسبب عدم تبلور الفئات الوسطى الموحّدة في تكويناتها الاقتصادية الطبقية وفي رؤاها النهضوية الوطنية ودرجات فهمها للواقع ولظروف بلدانها، والتباين الشديد في أقسامها الثرية جداً والحاكمة وفي أقسامها الأقل ثراء وربما التي تقترب من النزول لمستويات العاملين لأسبابِ الضغوط الاقتصادية والديون وتسارع ارتفاع الأسعار والإيجارات ومختلف ظروف العسر.
إن غيابَ الأسباب الموضوعية لتشكل الطبقات الوسطى من فقدان المصانع القوية والمؤسسات المالية الداعمة للكتل السياسية المنتخبة وملكيات الصحافة الحرة واعتمادها على جماهير فقيرة هي ذاتها منقسمة دينيا وطائفيا وسياسيا وضعيفة اقتصاديا، يجعل مؤسسات البرلمانات ضعيفة في الوطن العربي حتى بعد الثورات الشعبية العارمة.
كما أن قيام الحكومات التي عاشتْ طويلا على أجهزة الإدارات القديمة والجيوش وتحكمت في الشركات الاقتصادية والمالية لعقود، يجعل نفوذها أقوى وهيمنتها على الحياة السياسية بما فيها البرلمانات مسألة مؤثرة.
ولكن هذا لا يعني التخلي عن برلماناتٍ ضعيفةٍ ولا الاحتفاظ بها أبدا.
إن الديمقراطيات هي أن تكون هناك طبقات وسطى قوية، ترفدها قوى عمالية متنورة، ولهذا فإن حدوث ديمقراطية بمجرد الأوامر والانتخابات والقرارات وحتى الثورات هو غيرُ ممكنٍ من دون تكوينات موضوعية في الأرض الاقتصادية الاجتماعية السياسية، وهي تحتاج إلى بناء ذي نفس طويل، ولتلاحم صفوف الفئات الوسطى المفككة، التي يتضحُ تفكُكها في تشتتِ المذهبيات والأديان والاتجاهات الحديثة، والتنوع الحاد للنواب الذين يأتون من مواقع إقليمية نائية عن بعضها بعضا.
كما إن غرق الجماهير العمالية في الفقر والأمية والسلبية السياسية هي أمور تُضعف من حراك الفئات الوسطى لتكون قوى ديمقراطية وطنية وتتحول إلى طبقاتٍ وسطى مع توسع الصناعات الخاصة والتقنيات والثورة الصناعية العلمية الاجتماعية العربية.
تكون قوى المركزية والتشتت والاستبداد على مدى عقود طويلة لا يمكن أن تغييرها من دون تراكم ديمقراطي صبور، لا تنفع فيه المغامرات والصراعات الأهلية والاعتماد على الأجندات الطائفية والقومية المتعصبة.
.
مقالات أخرى...
- الليبرالية فردية جامحة - (15 مارس 2012)
- الليبراليةُ والماركسية - (14 مارس 2012)
- الليبرالية والصعابُ السياسية - (13 مارس 2012)
- التمثلاتُ الأسطوريةُ في الحياةِ السياسية - (12 مارس 2012)
- الرأسماليات الوطنية الديمقراطية - (11 مارس 2012)
- الثورة السورية ونموذج ليبيا - (10 مارس 2012)
- بوخارين ومصيرُ روسيا (٢) - (9 مارس 2012)
- بوخارين ومصيرُ روسيا (١) - (8 مارس 2012)
- ثقافة الديمقراطية المتكسرة (٣-٣) - (7 مارس 2012)