خاطرة
في الشكر زيادة
تاريخ النشر : الجمعة ١٦ مارس ٢٠١٢
عبدالرحمن فلاح
ما أكثر النعم التي أنعم الله تعالى بها علينا! وما أجلها من نعم تصل إلى الإنسان قبل أن يبلغ وعيه، ويستكمل رشده، فيؤدي ما كلف به! فهو إعفاء كامل حتى يبلغ الحلم، فإذا بلغه طلب إليه أداء بعض التكاليف التي يقدر عليها، فإذا تغيرت أحواله، من القوة إلى الضعف،ومن القدرة إلى العجز، ومن الإقامة إلى السفر، ومن الصحة إلى المرض، فإن الله الرحيم يفتح له أبواب الرخص على مصاريعها، فينهل منها ما يشاء، وما يتناسب مع أحواله الجديدة الطارئة عليه.
ونحن نسجد لإله لو أردنا أن نعد نعمه علينا فلن نستطيع أن نحصيها، يقول سبحانه وتعالى: (وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) ابراهيم/؟؟.ئ
لقد أودع الحق تبارك وتعالى كل نعمه التي لا تعد ولا تحصى في نعمة الإيجاد من عدم، والإمداد من عدم، ثم أعطى الإنسان مفتاح الزيادة من هذه النعم، وتفضل عليه بعطاء غير مجذوذ، وبنعم كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وكلنا يريد أن يعرف ما هو مفتاح الريادة، وكلنا يحب أن يستزيد من الخير، ومن فضل الله تعالى،ونعمه الجليلة، ألا فاعلموا أن من عظيم فضل الله تعالى وكرمه، وجزيل إحسانه على عباده، انه جل جلاله أعطاهم مفتاح الزيادة يفتحون به الأبواب المقفلة، فيتدفق الخير على العبد من كل مكان، واقرأوا قوله تعالى: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) النحل/؟؟؟.
مفتاح العطاء والزيادة هو الشكر، مصداقا لقوله تعالى:(وإذ تأذن ربكم لئِن شكرتكم لأزيدنكم ولئِن كفرتم إن عذابي لشديد) ابراهيم/؟.
فإذا ضيع المسلم هذا المفتاح الذي تفتح به كنوز العطاء، أو شابه أي شائبة تجعله غير صالح للاستعمال من شرك أو رياء أو سمعة أو ظلم وطغيان، فإن هذا المفتاح يصبح غير ذي فائدة حتى يعود إلى أصله من الصفاء والنقاء والإخلاص.
وكما أكدت الآية الجليلة بـ (لام) التوكيد حصول الزيادة عند الشكر، فإنها كذلك وبالدرجة نفسها من التأكيد أكدت حصول العذاب الشديد عند كفر النعمة، والمسلم بين خيارين، وعليه أن يختار أحدهما بمحض إرادته، وكامل حريته.
وشكر المنعم لنعمة أسداها إليك أمر يتفق مع شيم الأخلاق الحميدة، والصفات الحسنة، فما بالكم إذا كان هذا الشكر في حق الله المنعم المتفضل عبادة يتقرب بها العبد إلى خالقه عز وجل؟
ولقد ضرب لنا الحق تبارك وتعالى المثل في تلك القرية التي كانت آمنة مطمئنة لأن رزقها يأتيها رغدا من كل مكان، فكانت لا تخشى الفقر أو العوز، فلما كفرت بأنعم الله تعالى، ولم تولها حقها من الشكر، وقابلت الإحسان بالإساءة، وعصت من يسدي إليها النعم، ويتفضل عليها بالعطاء والمنح، انقلبت أحوالها من الاطمئنان إلى الخوف، ومن الشبع إلى الجوع، ومن اليسر إلى العسر.
ولا تقتصر نعم الله تعالى علينا بما يسديه إلينا من نعم مباشرة وظاهرة،بل من نعمه علينا سبحانه أنه دلنا على سبل تحصيلها، بل زيادتها، ودوام وجودها بين أيدينا،وذلك فضل منه سبحانه وتكرم على عباده.
ولقد رأينا وسمعنا وعاصرنا دولا كانت ترفل في أثواب العز والمنعة، وكانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فشاعت فيها الفاحشة، وظاهر فيها العصاة، وكفروا بنعم الله تعالى عليهم التي لا تعد ولا تحصى، فكان عقابهم محقا للنعم، وشيوعا للخوف والجوع، ونقصا من الأموال والأنفس والثمرات.
هي مشاهد تتكرر ولكن أين الذين يتعظون، ويأخذون تجارب الماضي وأحداثه دروسا يستفيدون منها في قابل أيامهم، ومستقبل حياتهم؟
إن من آثار رحمة الله تعالى أنه قص علينا قصص الأولين حتى تكون لنا واعظا يعظنا، ومنذرا ينذرنا، حتى لا نقع فيما وقع فيه غيرنا ممن كان قبلنا من الأمم السالفة، فيصيبنا ما أصابهم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) رواه البخاري.