الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


مسلسل تهويد القدس: عناوين لحقائق بارزة

تاريخ النشر : الجمعة ١٦ مارس ٢٠١٢



على مدى عقود أربعة من احتلالها القدس الشرقية، أقدمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تنفيذ السياسات والإجراءات الممنهجة بهدف تقليص عدد السكان الفلسطينيين وتهجيرهم خارج ديارهم. ومعلوم أن هذه السياسات والممارسات الاسرائيلية في المدينة المقدسة المحتلة تشكل انتهاكا واضحا لأحكام القانون الدولي وقواعده، فضلا عن أنها تخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعته إسرائيل نفسها. ومن أوضح ما قيل عن المخطط الإسرائيلي القديم/ الجديد هذا قول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (ارييل شارون) في 1973: «سوف نُدخل قطاعا من المستوطنات اليهودية بين الفلسطينيين، ثم قطاعا آخر من المستوطنات اليهودية مباشرة عبر الضفة، لكي لا تستطيع بعد 25 عاما الأمم المتحدة ولا الولايات المتحدة أو أي أحد آخر تفكيكها».
في تقرير حديث (علمي مهم، وشديد التوثيق، الأمر الذي يفسر ركوننا إليه) من إعداد منظمة التحرير الفلسطينية، تم رصد السياسات الاسرائيلية الأحادية في القدس الشرقية المحتلة والدعم المطلوب لمواجهة سياسة التهجير للإنسان والمؤسسات من «زهرة المدائن». ولقد غطى التقرير هذه السياسات تحت عناوين بارزة: أولاً سحب الإقامة (بطاقات الهوية المقدسية) من المواطنين الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية. ثانياً: الإغلاق العسكري المفروض على القدس الشرقية المحتلة وبناء جدار الفصل العنصري حولها، ثالثاً: سياسة هدم منازل الفلسطينيين، رابعا: تطبيق قانون ما يسمى «أملاك الغائبين»، خامسا: الحفريات الإسرائيلية في القدس المحتلة: (الآثار في خدمة الرواية التوراتية و«الاستيطان»). وهذه العناوين الكبرى سنتناولها بالتفصيل في مقالات قادمة.
جزم التقرير أن سلطات الاحتلال «سحبت ما يزيد على (14000) بطاقة هوية من المقدسيين في الفترة الواقعة بين عامي (1967 و2010) مما شمل في تأثيره ما زاد على 20% من الأسر الفلسطينية المقدسية». كما سحبت سلطات الاحتلال نحو (4577) بطاقة هوية في الفترة الممتدة بين عامي (2006 و2008) مما شكل زيادة تقدر بـ50 عن العدد الكلي لبطاقات الهوية التي صادرتها تلك السلطات من المقدسيين. كذلك، أوضح التقرير أن «سياسة الإغلاق التي تفرضها إسرائيل على القدس الشرقية حال دون وصول ثلاثة ملايين مواطن مسيحي ومسلم من أبناء الشعب الفلسطيني إلى كنائسهم ومساجدهم الواقعة في هذه المدينة، فضلا عن عزل حوالي (70000) مقدسي عن مدينتهم باعتبار أن المناطق السكنية التي يقيمون فيها باتت تقع خارج جدار الفصل»!! وسجل التقرير هدم قوات الاحتلال لقرابة (3300) من منازل المواطنين المقدسيين منذ احتلال 1967، من بينها عديد المواقع التاريخية والدينية، كحي باب المغاربة التاريخي في القدس القديمة، وتدمير (499) منزلا لمقدسيين خلال السنوات الست الماضية، وهو ما يشكل 15% من إجمالي المنازل التي هدمت منذ عام .1967 كما نوه إلى أن «استمرار تطبيق (قانون أملاك الغائبين) الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية عام 1950، يحول دون التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي يقوم على أساس الدولتين». وعلى صعيد الحفريات الإسرائيلية، لفت التقرير إلى «أن أعمال الحفر الأثري في القدس، وخاصة البلدة القديمة ومحيطها، تسير بوتيرة غير مسبوقة، تجاوزت ما تم حفره منذ منتصف القرن التاسع عشر»، مستعرضا أهداف الحفريات، والملخصة «بإحكام السيطرة على البلدة القديمة ومحيطها، وربطها بالقدس الغربية بحيث تصبح امتدادا عضويا لها، وتعزيز الاستيطان وتشبيكه داخل البلدة القديمة وخارجها، فضلا عن إحكام السيطرة على الحرم الشريف».
لقد كشف مستشار ديوان الرئاسة الفلسطينية لشؤون القدس عن وجود (100) ألف مقدسي مهددين بالإبعاد والطرد من القدس المحتلة، مشيرا إلى أن «عام 2012 يبدو عاما لتهجير المقدسيين، وخصوصا أنه لا يخلو أسبوع إلا ويتم هدم ثلاثة أو أربعة منازل للمقدسيين، وهذا يتزامن مع ما أعدته سلطات الاحتلال من ميزانية كبيرة للبلدية، بهدف تهويد القدس وزيادة نسبة المستوطنين على حساب الفلسطينيين». وفي تقرير قدمه لبعض الجهات الدولية العاملة في القدس (وخاصة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) أكد المستشار أن «القدس بحاجة إلى دعم مالي عاجل بقيمة 428 مليون دولار لتوفير احتياجات القطاعات التنموية المختلفة ودعم صمود الإنسان المقدسي ومؤسساته وهيئاته الشعبية والدينية والوطنية، وأن توفير هذا المبلغ من شأنه دعم خطة الصمود (الموضوعة) التي تبناها الاتحاد الأوروبي في القدس كوثيقة يعتمد عليها في دعم المؤسسات المقدسية المختلفة».
وإذ نستعيد من وقائع أواخر فبراير المنصرم نجاح المرابطين في المسجد الأقصى بصد ومنع اقتحام قيادات ليكودية مع عناصر اليمين المتطرف ذلك المسجد (مما «أجبر» القوات الخاصة الإسرائيلية نفسها على اقتحامه وللمرة الأولى منذ تدنيس الأقصى بأقدام «ارييل شارون» حيث أدى ذلك التدنيس يومها إلى اندلاع انتفاضة الأقصى). وفي هذا السياق، بات واضحا أن إسرائيل تستغل انشغال العالم العربي «بالانتفاضات» هنا وهناك، وانشغال الولايات المتحدة بانتخاباتها، وأوروبا بمشاكلها الاقتصادية، وتسرح وتعربد كما يحلو لها. وإسرائيل، بالإضافة إلى عدم شرعية سياساتها وممارساتها في القدس الشرقية، تهدف إلى القضاء على احتمالات الحل القائم على أساس الدولتين. فمن خلال سياسة اقتطاع القدس الشرقية من مجموع الأرض الفلسطينية المحتلة وعزلها عن محيطها الطبيعي والتاريخي تفصل إسرائيل شمال الضفة عن جنوبها وتجعل احتمالات قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة وذات سيادة أمرا غير قابل للتطبيق. هذا، علاوة على استراتيجيتها القاضية الإبقاء على التفوق الديموغرافي لصالح اليهود في جميع ربوع المدينة المقدسة، ما سيقوض أي حل تفاوضي بشأنها بصرف النظر عن الآثار التي تخلفها السياسات الاسرائيلية في تغيير الوقائع الجغرافية والديموغرافية في المدينة.
ختاما، في ظل التجاهل العربي والاسلامي والدولي للقضية الفلسطينية، وبخاصة في ظل ما يسمى «الربيع العربي»، لم تعد القدس تحتاج إلى «دعم» خطابي لا يغني ولا يسمن من جوع. فرغم أن أهلها أوصلوا إلى العالم حقيقة كونهم منزرعين وصامدين في أرضهم، فإن من حقهم البحث عمن يسند موقفهم ويدعمه بين الأهل والأنصار، وأن على الجميع - فلسطينيين، وعربا آخرين، ومسلمين - تجاوز لغة الشعارات إلى لغة البرامج والأفعال التي تنفذ على أرض الواقع فالقدس تستحق كل ذلك.