الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


الخلافات السياسية في ثوب طائفي

تاريخ النشر : السبت ١٧ مارس ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



لا أحد يختلف على عمق الشرخ الذي خلفته الأحداث الأخيرة في البحرين وحجم الأضرار النفسية والمادية التي مست جميع مكونات الشعب البحريني، بغض النظر عن درجة الإصابة بين هذا المكون أو ذاك، كما أنها أصابت النسيج المجتمعي بأضرار خطرة وتحديدا هذه الأضرار من الصعب معالجتها في الفترة القصيرة القادمة، وربما يعود السبب في ذلك إلى عدم الوعي الكامل بكيفية إدارة اللعبة السياسية وقواعدها، فهذا الخطأ في الإدارة تسبب في وقوع مثل هذه الأضرار، ولكن رغم كل ذلك فإن طريق الخروج من الوضع الذي نحن فيه وترميم ما تم تهديمه ومعالجة التصدعات التي حدثت في هذا الجدار أو ذاك، هذا الباب لايزال لم يغلق نهائيا.
الخلافات السياسية، ولنسمها الصراعات، فهي ليست وليدة المصادفة ولا هي ناجمة عن تعثر مشروع من المشاريع السياسية أو عرقلته من قبل قوى ربما ليس من مصلحتها أن يستمر هذا المشروع ويتطور، فمثل هذه الخلافات موجودة في جميع المجتمعات، بما فيها المجتمع البحريني، خاصة في المجتمعات التي تتسم بهامش معين من الحرية السياسية والفكرية، وليس بالضرورة أن تتسبب مثل هذه الاختلافات أو الصراعات في حدوث شكل من أشكال الخصام المجتمعي والصدام بين مكوناته المختلفة، كما يحدث الآن عندنا في البحرين.
من المهم أن نعرف كيف ندير خلافاتنا السياسية والفكرية على قاعدة احترام بعضنا للآخر والتخلي عن عقلية الإقصاء والتخوين والتهميش، فلكل إنسان كامل الحق في اختيار خطه ونهجه السياسي أوالفكري، وممارسة حريته في ذلك، بشرط عدم سطوته على حرية الآخرين، وقد مررنا بتجربة جيدة في هذا الإطار بعد ميثاق العمل الوطني، حيث غادرت الأحزاب السياسية عملها السري تحت الأرض وكونت تنظيماتها السياسية باختيار تسميات وفقا للمرحلة الجديدة من تاريخ البحرين السياسي، وقد تحققت نجاحات كبيرة في هذا الطريق فارتفعت وتيرة الحراك السياسي وسقف الحريات.
كان بالإمكان عدم الوصول إلى هذا الوضع المؤلم الذي وصلنا إليه بعد أحداث الرابع عشر من فبراير من العام الماضي وما تلاها من أحداث أخرى عمقت هي الأخرى الهوة بين مختلف أطراف الحراك السياسي، المجتمعي منها والرسمي، كان ذلك ممكنا لو حصرنا طبيعة تلك الأحداث في إطارها السياسي فقط، لأن مهمة تجاوز الخلافات والاختلافات السياسية ومعالجتها في إطار من الاحترام المتبادل، ستكون أسهل من معالجتها وقد أضفي على تلك الخلافات والصراعات الطابع الطائفي بعد أن اشتغلت آلة التأجيج الطائفي بين مكونات شعب البحرين فأقحم في هذه الدائرة حتى أولئك الذين ليس لهم أي اهتمامات بالشأن السياسي.
طبعا هناك من هو مستفيد من إقحام النعرات الطائفية في الصراع السياسي في البلاد، ولكن المستفيدين هم قلة لا تذكر إذا ما قورنوا بالرافضين لهذا التوجه، وهم بالمناسبة المتضررون من دخول الصراع الطائفي طرفا في الأحداث وتحويل تلك الاختلافات والصراعات السياسية إلى ما يشبه الحرب الطائفية بين مكونات المجتمع، وما صورة ما يسمى المقاطعة التجارية الاقتصادية إلا تأكيد هذا العبث الخطر الذي بات يهدد النسيج الوطني أكثر من أي تهديد آخر، بما في ذلك التهديدات الخارجية.
ما يحدث الآن من تأجيج طائفي ومحاولات لإثارة الفتنة على أسس مذهبية، إنما هي أفعال مصطنعة ولا يمكن اعتبارها إفرازا من إفرازات الأحداث الأخيرة، وإنما البعض استغل تلك الأحداث لإثارة النزعات الطائفية في البلاد وقد حقق نجاحا لا يستهان به، إذ إن السموم الطائفية باتت تزكم الأنوف ويمكن شمها في أكثر من موقع ومكان، بل إن دور العبادة التي يفترض أن تكون محصنة في وجه مثل هذا الوباء، بات بعضها مصدرا من مصادر بث هذه السموم، الأمر الذي يدل على نجاح أصحاب الفتنة والمتمصلحين من تلك الأحداث.
أعتقد أن الغالبية العظمى، وهم غير المتمصلحين بالطبع من هذا الوضع غير الطبيعي متفقون على أن أطراف الخلافات والاختلافات السياسية سيتمكنون من معالجة الأضرار السياسية التي تسببت فيها تلك الأحداث، وهذه الغالبية مقتنعة أيضا بأنه ليس من مصلحة الوطن على الإطلاق استمرار الوضع غير الطبيعي على ما هو عليه الآن، وهذه الغالبية متفقة كذلك على أهمية التصدي من دون تردد ومن دون أي إبطاء لإقحام الاختلافات المذهبية في الصراع والخلافات السياسية، لأنه سيكون من المتعذر من دون خسائر فادحة، إطفاء النار الطائفية إن أشعلت.