أخبار البحرين
الشيخ عبداللطيف المحمود في خطبة الجمعة:
أخطر المفاسد في أي مجتمع أن يتربي أفراده على الكراهية
تاريخ النشر : السبت ١٧ مارس ٢٠١٢
كل إنسان فيه خصلتان متضادتان، الحب والبغض، والتربية الصحيحة هي التي تضع الحب في موضعه وتضع البغض في موضعه، فحب الخير محمود في مجموع الأحوال، وبغض الشر محمود في مجموع الأحوال.
الحب بين العبد وربه
والحب يكون بين العبد وربه، يقول الله تعالى عن المؤمنين به والمتمسكين بهديه: « يَا أَيلاهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبلاهُمْ وَيُحِبلاونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)» (المائدة).
ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث القدسي: «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه». البخاري.
ويعمل المسلم على تقوية علاقة الحب بينه وبين ربه جل جلاله، وبينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولذلك كان من دعاء الصالحين: اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك، اللهم ارزقني حب نبيك وحب من يحب نبيك وحب كل عمل يقربني إلالطريق الى حب الله تعالى
والطريق إلى حب الله تعالى اتباع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في هديه حيث يقول الله تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبلاونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(31)» آل عمالحب بين الإنسان وأخيه الإنسان
والحب يكون بين الإنسان وأخيه الإنسان باعتبار الأخوة الإنسانية، وهي بين المسلمين آكد، حتى يكون المسلمون فيما بينهم كالبنيان المتماسك كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدلا بَعْضُهُ بَعْضًا) رواه البخاري وغيره.
وسائل تحقيق الحب بين الإنسان وأخيه الإنسان
والذي يوصل إلى هذا المستوى إشاعة التوادّ والتراحم والتعاطف بين بني البشر كما هو بين المؤمنين بعضهم بعضا تحقيقا لتوجيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» متفق عليه.
وغرس المحبة بين المسلمين لا يحقق العلاقات المتميزة الدنيوية فقط بل إنها السبيل لدخول الجنة كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «وَالَّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابلاوا، أَلاَ أَدُللاكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ». مثال رائع للمحبة
وضرب لنا الله تعالى مثلا في المحبة بالأنصار الذين أحبوا المهاجرين فآووهم وتآخوا معهم حتى كانوا كالجسد الواحد حيث يقول سبحانه وتعالى عنهم تكريما لهم: «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبلاونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(9)» اإشاعة الكراهية وثقافة الكراهية مفسدة كبيرة للمجتمعات
ومن أكبر المفاسد في أي مجتمع أن يتربى أفراده على الكراهية فيما بينهم، وأشد منها أن تصبح الكراهية ثقافة عامة لدى فئة من فئات المجتمع ضد من يعيش معهم أو ضد غيرهم، فذلك سبب لفساد عريض في حياة ذلك المجتمع إذ يقع بينهم التدابر والتباعد والتحاسد والشحناء والكيد والخصومة، وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن هذه الأمراض العضال إذ يقول: «لا تَدَابَرُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً» رواه أحمد.أسس ثقافة الكراهية
وتشيع في بعض المجتمعات وبعض التجمعات ثقافة الكراهية للآخرين، ويعتمد في نشرها على ادعاء الخيرية والأفضلية لجماعة أو فئة على غيرها، كما تعتمد ثقافة الكراهية على التركيز على المآسي التي حصلت لتلك الجماعة أو هذه عبر التاريخ، ويستخدم فيها الدين والطائفة والأصول النسبية والانتماء إلى القبيلة أو إلى الدولة، وكذلك الأحداث التاريخية القديمة.
ومن أركان نشر ثقافة الكراهية إشعار الأفراد بوقوع المظلومية والتمييز عليهم، من دون أن ينظروا إلى أسبابها، فكثيرا ما يكون سبب المظلومية والتمييز هو التصرفات المبنية على ثقافة الكراهية من جماعة نحو غيرهم وما يترتب عليها من عدم الثقة فيهم وعدم الطمأنينية لهم.
نتائج ثقافة الكراهية
الذي يزرع الحنظل لا يجني العنب كما قيل في الأمثال.
ثقافة الكراهية هي التي أوجدت الحروب والمآسي بين الدول، وأوجدت الفتن بين الذين يعيشون في المجتمع الواحد.
ومن مصائب ثقافة الكراهية أن روح الكراهية لا تقتصر على تعاملات أصحابها مع غيرهم، بل تنعكس على تعاملاتهم فيما بينهم لأن هذه الثقافة تصبح خلقا وعادة، فتشيع بين المتثقفين بثقافة الكراهية الحقد والحسد والكذب والبغضاء والنفاق وغيرها من الأخلاق الذميمة التي يكرهها الله تعالى ويكرهها رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ويكرهها عباد الله الصالحون.
ثقافة الكراهية تصادم قيم الأديان.
ثقافة الكراهية حتى وإن كانت بين المتدينين تجر إلى مخالفة كل قيم الأديان لأن صاحبها يدور على نفسه ولدنياه فقط وينسى آخرته، ولذلك لا يضع لقول الله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» وزنا في حياته، فهو يعادي كل من لم يؤمن برأيه ويعاقب البرآء من الناس ويستبيح دماءهم وأموالهم وأعراضهم.
منابع ثقافة الكراهية
تنبع ثقافة الكراهية المبنية على الأديان من المحاضن الدينية ثم تنتقل إلى المنازل والبيوت لتغرس في نفوس الأطفال والناشئة ثم تنتقل إلى المحاضن التربوية ثم إلى أماكن العمل ثم إلى المجتمع بكامله.
علاج ثقافة الكراهية
ولدينا في قيمنا الإسلامية ما يعالج ثقافة الكراهية ومنها:
- الإيمان بأن البشر جميعهم ينتمون إلى أبوين اثنين فهم إخوة في الإنسانية: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا».
- أن العبرة في الآخرة بالتقوى كما قال الله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «أيها الناس ألا إن ربكم واحد، ألا وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ألا لا فضل لأسود على أحمر إلا بالتقوى ألا قد بلغت».
- الحياة الطيبة في الدنيا لا تتأتى إلا بالأعمال الصالحة والخيرة كما قال الله تعالى: «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون».
- العقوبة فردية وليست جماعية وليست تاريخية، ولا تتحملها الأجيال اللاحقة: «لاتزر وازرة وزر أخرى».