منظمات الأمم المتحدة بين الأزمة والتأزيم..
تاريخ النشر : السبت ١٧ مارس ٢٠١٢
سميرة رجب
نتج عن أحداث فبراير 2011 في البحرين أمران في غاية الخطورة على المستوى الداخلي والخارجي:
داخلياً بدأت حالة طائفية كريهة، وانشقاق وطني في غاية الخطورة، لما اتسمت به الأحداث من مظاهر العنف والعداء الطائفي المذهبي، ورفع شعارات الموت من مكون طائفي ضد الآخر على أساس الثأر المذهبي التاريخي، مما أثار الرعب في قلب الشعب البحريني المسالم، الذي لا يملك أجندة مذهبية سياسية، مما تطلب الدخول في حوار التوافق الوطني لبناء جسور الثقة في المجتمع، وكانت حزمة التعديلات الدستورية من أهم نتائجها، بما منحته لمجلس النواب من حق قبول أو رفض الحكومة وبرنامجها.
خارجياً لفّ الأحداث الكثير من الضبابية بسبب طريقة تناولها من قبل وسائل الإعلام، التي كانت تعتمد على طرف واحد في وصف المشهد، وهي جهة المحتجين ذوي الأجندة الطائفية، والتي لا تزال تصف الأحداث بما يحقق مصالحها وأجنداتها فقط، فلم تتناول الحقيقة، بل مارست التزوير وقلب الحقائق مما استلزم الاستعانة بلجنة دولية محايدة لتقصي الحقائق ودراسة معطيات تلك الأحداث وكشفها ووضعها أمام كل الأطراف الدولية.. وفي 23 نوفمبر 2011 قدمت اللجنة تقريرها إلى جلالة ملك البحرين في حفل علني، وأعلن موافقته الفورية على ما جاء فيه من توصيات وأمر بتنفيذها عبر كل السلطات الدستورية في البلاد.
والقائمة تطول في سرد ما تم تنفيذه، ولكنها وُضعت أمام المجتمع الدولي في كل المحافل العامة والخاصة، ومازال العمل جارياً لتنفيذ المتبقي منها.
وإضافة إلى ما سبق هناك أيضاً العديد من الأعمال والإجراءات الاستراتيجية التي بدأ المجتمع البحريني حكومة وشعباً بتنفيذها للوصول إلى المصالحة الوطنية والاستقرار الأمني.
ولكن، أمام كل هذه الجهود المخلصة والمسؤولة التي تطلبت الكثير من الشجاعة والعدالة والإنصاف من الجانب الرسمي والشعبي الوطني، أمام كل ذلك مازالت البحرين تعاني من الأداء السلبي وغير المسؤول الذي تمارسه جماعات العنف والتخريب، وهي ممارسات ومواقف متصلبة لا تشجع على بناء الثقة والعمل الجاد للإصلاح.. فحتى اليوم مازالت هذه المجاميع تمارس عملاً طائفياً معادياً ومستفزاً لمشاعر البحرينيين من جهة، ومثيراً للقلق والريبة وقطع كل أواصر الثقة بينها وبين الشعب ونظام الحكم من جهة أخرى.. فهذه المجاميع مازالت رافضة لكل الإصلاحات المستمرة في التنفيذ، والتي من شأنها خلق مجتمع حضاري جديد يقوم على أساس المعرفة بالحقوق والواجبات الوطنية على مستوى الفرد والمؤسسة والمجتمع.
وهذا ما يدعونا إلى التساؤل حول حقيقة دور المنظمات الحقوقية الدولية في إصلاح المجتمعات، ومدى مساهمتها في نشر المعرفة والوعي والعدالة المجتمعية وقبول الآخر واحترام التعددية..
ففي خلال العام المنقضي ظهر شعور عام في بلادي يرى في منظمات الأمم المتحدة وكأنها طرف في الصراع، تقف مع جزء من الشعب البحريني ضد الجزء الآخر، وتتبنى موقف المحتجين ومن يمارسون العنف في الشوارع إن انتُهكت حقوقهم، ولا تستمع إلى من يتحدث ويطالب بالتغيير الهادئ والآمن، حتى عندما تُنتهك حقوقه.. وشعور بأن هذه المنظمات تتبنى رؤية المعارضة الطائفية التي تقسّم المجتمع البحريني الى معارضة وحكومة، من دون إعطاء أي اعتبار لقطاع واسع من الشعب البحريني الرافض لممارسات المعارضة الطائفية ويملك رؤية وطنية في الدور الرسمي والحكومي، مع الاتفاق على التوجه الإصلاحي، وليس التوجه الانقلابي الطائفي الذي تتبناه المعارضة.
خلال عام 2011 اكتشفنا أن المنظمات الحقوقية الدولية، بدءاً بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وانتهاء بمنظمة العفو الدولية والهيومن رايتس ووتش، تمارس دوراً إقصائياً ضد نصف الشعب البحريني، وتتبنى فقط رؤية ومواقف المعارضة الطائفية في البحرين، رغم كل ما في مواقفها من أكاذيب بشعة لا يمارسها إنسان عاقل ذو ضمير حي.. فلم تحاول هذه المؤسسات الاستماع لنا كشعب له مطالبه ورؤيته في كل الأحداث ويقع تحت إرهاب المعارضة مباشرة.
ورغم كل ما تمارسه المعارضة من إرهاب وتهديد وانتهاك مباشر لحقوقنا كإعلاميين، فإن المنظمات الأممية والمفوضية السامية لحقوق الانسان لم تحاول يوماً التعرف أو الاستماع إلى هذا الوضع المهين لمعاهدات حقوق الإنسان وتشريعات الحرب على الإرهاب، لأنها تصنف كل ما لا يمس المعارضة على أنه حكومة، مما لا يستدعي البحث والمساءلة.. وهذا ما يدعونا إلى التساؤل مراراً: ما هو الدور الحقيقي لمنظمات هيئة الأمم المتحدة في العالم؟.. هل هو دور الشرطي ضد أنظمة الحكم فقط؟ وهل دورها محاسبة ومساءلة الأنظمة وتصنيف العالم ما بين المعارضات والحكومات؟
فمن المؤسف أن نرى المنظمات الحقوقية الدولية في مواقف غير محايدة، وغير عادلة، في اصطفافها مع أطراف ضد أطراف أخرى في مجتمعاتنا، حتى فقد البحرينيون ثقتهم بكل منظومة الأمم المتحدة.. وهذا ما يتطلب إعادة بناء جسور الثقة عبر توسيع شبكة علاقات المفوضية السامية لحقوق الإنسان، على سبيل المثال، مع المجتمع المدني وكل المنظمات الحقوقية الجديدة في بلادي، وتشجيع الحكومة على المضي في الإصلاحات، وتخصيص برامج لبناء منظمات حقوق إنسان وطنية، وليس طائفية، وتدريب المتطوعين فيها، وتوفير المتطلبات الحقوقية الجديدة التي تعد اليوم جزءاً من مفاهيم وقيم الشعوب والحكومات.
كما أن هناك أمرا مهما يجب أن يعطى الكثير من الاعتبار في الشأن البحريني.. ففي البحرين هناك ضرورة قصوى لإيلاء المنظمات الأممية اهتماماً وجهوداً خاصة للبحث في التدخل الإيراني الخطير والسافر، الذي يعمل على إفشال برنامجنا في الإصلاح الوطني، وبات مصدر قلق وتخريب مباشر لمسيرة البحرين الإصلاحية والديمقراطية، مما يستدعي مراعاة الدقة في كشف حيثياته وخيوطه، وإلا فستبقى رايات الثأر التاريخي المذهبي الإيراني مرفوعة والانتهاكات العدائية لحقوق الإنسان مستمرة تحت خدعة الديمقراطية والمطالب الإنسانية؟
sameera@binrajab.com