الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب


مــــــن هــمش القضيـــــــة الفلــســطينية؟

تاريخ النشر : السبت ١٧ مارس ٢٠١٢



لطالما قيل لنا على مدى العقود الماضية إن القضية المركزية في منطقة الشرق الأوسط لا تتمثل في الصراع بين الشيعة والسنة ولا في معركة الحرية التي يخوضها العرب الذين يريدون التخلص من أنظمتهم الدكتاتورية. لقد كان الإيمان بمركزية القضية الفلسطينية قويا جدا حتى أن كل الاعتبارات والقضايا الأخرى كانت معلقة إلى حين أو أنها ظلت مربوطة بالقضية الفلسطينية: أم القضايا العربية والإسلامية.
تغيرت أمور كثيرة في السنة الماضية حيث إن كل النقاشات تركزت في ثورات الربيع العربي والطريقة المثلى التي يمكن من خلالها التصدي للخطر النووي الإيراني.
لقد أضر الربيع العربي بالقضية الفلسطينية أيما ضرر وها نحن نلمس اليوم النتيجة واضحة أمامنا بكل جلاء، فقد انشغل العالم كله من شرقه إلى غربه بمشاكله وقضاياه من دون أن يبدي أي اهتمام يذكر بالأوضاع المأساوية التي لايزال يعيشها الشعب الفلسطيني، حتى الرئيس الأمريكي باراك أوباما ـ الذي دخل في سنته الأولى في البيت الأبيض في مواجهة مع إسرائيل ورئيس حكومتها المتطرف بنيامين نتنياهو ـ اختار هذه السنة التخلي عن أي محاولة للضغط على الدولة العبرية حتى تقدم بعض التنازلات للفلسطينيين، بل إنه راح يتفنن ببلاغته المعهودة ويقدم عبارات الولاء والثناء لإسرائيل، في سنة انتخابية يطمح فيها للفوز بفترة رئاسية ثانية، الأمر الذي زاد في شعور الشعب الفلسطيني وقادته وأنصاره بكثير من الإحباط.
قال أحد الفلسطينيين لصحيفة نيويورك تايمز: «لقد أصبح العالم العربي منشغلا فيما أصبح الفلسطينيون وقضيتهم في مرتبة ثانوية». إن الفلسطينيين ينحون باللائمة على الجميع، ما عدا أنفسهم. إذا كان الفلسطينيون يريدون جوابا فلابد لهم أولا أن ينظروا في المرآة. لقد رفض الفلسطينيون في الماضي عدة عروض لتحقيق السلام وإقامة الدولة بما في ذلك تقاسم مدينة القدس، حدث ذلك ثلاث مرات في الفترة ما بين سنتي 2000 و.2008 وها نحن نرى السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تتحالف اليوم مع حركة حماس، الأمر الذي ضيق الخيارات المتاحة أمامها.
رغم أن الكثيرين ؟ بمن فيهم بعض الإسرائيليين ؟ كانوا يتوقعون حدوث «تسونامي دبلوماسي» بعد المحاولة التي بذلها الفلسطينيون للحصول على اعتراف منظمة الأمم المتحدة بدولتهم من دون الحاجة إلى تحقيق السلام مع الدولة العبرية فإن تلك المساعي قد آلت إلى الفشل بسبب تهديد الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى الضغوط الكبيرة التي مورست على الفلسطينيين. لقد تخلى الكثيرون عن الفلسطينيين ؟ بمن في ذلك أنصارهم في أوروبا والعالم الثالث. رغم أن الكثيرين لايزالون يعبرون عن دعم زائف لقضية الفلسطينيين ويبدون لهم من طرف اللسان حلاوة فإن هذا التعاطف ؟ مهما كان حجمه واتساع رقعته ؟ لا ينفي أنه يجب على الفلسطينيين أن يساعدوا أولا أنفسهم بأنفسهم ويعيدوا ترتيب بيتهم الداخلي قبل أن يطلبوا المساعدة من الآخرين.
تتواصل الحملة من اليسار على إسرائيل. أما إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ؟ التي سعت لتعديل الموازين الدبلوماسية غير المتزنة بما يخدم الفلسطينيين بعض الشيء - اكتشفت أن جهودها ذهبت هباء. إن كل مبادرات الرئيس باراك أوباما الرامية إلى دفع الإسرائيليين لتقديم بعض التنازلات المتعلقة بالاستيطان وحدود 1967 اصطدمت بتعنت بنيامين نتنياهو من ناحية ورفض الفلسطينيين التفاوض من ناحية ثانية.
أما في الفترة الراهنة فإن القائمين على حملته الانتخابية يريدون أن يحشدوا كل طاقاتهم من أجل تعزيز شعبيته، لذلك فهم يعتبرون أن أي اهتمام بالفلسطينيين بقضيتهم لا يمثل سياسة سيئة فقط بل مضيعة للوقت أيضا. رغم أن أصدقاء الفلسطينيين لا تنتابهم مثل هذه المخاوف أو تواجههم مثل هذه الضغوط فإنهم أصبحوا يعتبرون أن هناك قضايا أخرى ملحة تفرض نفسها على غرار أزمة اليورو.
يتخوف الكثيرون في الغرب من إمكانية أن يتحول «الربيع العربي» إلى «شتاء استبدادي» جديد كما ازدادت مخاوف الغرب من الأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني (وهي مخاوف توحد ما بين الإسرائيليين والكثير من الدول العربية المجاورة لإيران). لكن ما الذي سيجنيه الفلسطينيون من حالة الاستقطاب هذه؟
في الحقيقة يعتبر بعض المحللين أن «مركزية القضية الفلسطينية» كانت دائما تمثل مفهوما هلاميا يسهل توظيفه لخدمة أهداف لا تخدم بالضرورة مصلحة الشعب الفلسطيني.
لقد ظل العالم العربي على مدى العقود الماضية يبذل كل ما في وسعه حتى يظل الصراع قائما. فقد ظل الفلسطينيون ومن ورائهم العرب يرفضون تسوية مسألة اللاجئين الفلسطينيين عبر إعادة توطينهم. لم يهتم العرب كثيرا بالقضية الفلسطينية غير أن القادة العرب وجدوا في استمرار الصراع والحروب «لتدمير الدولة اليهودية الوحيدة في العالم» الطريقة المثلى لتحويل الأنظار وإلهاء الشعوب عن التركيز في مشاكلهم الداخلية. لا شك أن وصول الإسلاميين الآن إلى الحكم في الكثير من البلدان العربية، وخاصة دول «الربيع العربي» سيسهم في تأجيج الصراع على خلفية سياسية ودينية.