عالم يتغير
الربيع العربي وأمريكا:
1- الحق والباطل
تاريخ النشر : الأحد ١٨ مارس ٢٠١٢
فوزية رشيد
{ الآن مر أكثر من عام على ما سماه الغرب الربيع العربي، وصفا للأحداث التي أسقطت عدة رؤساء عرب والهوجة لاتزال مستمرة، وحيث الأمل أن تشمل كل البلاد العربية كقطع «الدومينو» لتتحقق مفاعيل الفوضى الخلاقة التي سنتها أمريكا، من دون تمييز بين حق وباطل في تلك الاحداث ودوافعها، أو بين فوارق وتمايزات بين أنظمة الحكم العربية، أو بين خصوصية ديمقراطية كما في البحرين مثالا، أو عمومية ديكتاتورية كما في بعض البلاد العربية الاخرى، وليختلط الحابل بالنابل، وتعم الفتنة الطائفية او الدينية أو العرقية، وتدخل معظم البلاد العربية في حالة الاستعداد للتقسيم لتصبح أمرا واقعا بعد ذلك، كما أرادها أيضا دهاة المحافظين الجدد في أمريكا، الذين نهجهم العام لايزال متحكما بالولايات المتحدة، وإن بدت القفافيز الحديدية قفافيز حريرية للبعض، ولكننا نرى في ذلك عمى بصيرة، وحيث أمريكا لم تتخل منذ بداية التسعينيات ونظامها الدولي الجديد، إثر سقوط الاتحاد السوفيتي، عن حلم سيطرتها وهيمنتها «الكاملتين» على منطقة الشرق الاوسط كمفتاح للهيمنة على العالم، وهذا ما كتبنا فيه أيضا منذ التسعينيات، وللقارئ مجال العودة للأرشيف.
{ منذ عام وأكثر وبعد انتهاء حدثي تونس ومصر السريعين في خلاصتهما الاولية باسقاط رئيسي البلدين، والبطيئين حتى الآن في وضوح كامل نتائجهما، نقول منذ ذلك الانتهاء السريع، ونحن تزداد شكوكنا فيما سموه الربيع العربي، الذي تمهلنا طويلا في الحديث عنه، في ظل موجة الاندفاع العربية والعالمية في الحماسة لتلك الاحداث، باعتبارها ثورات شعبية أصيلة ونقطة على السطر.
ورغم ان خيوط المخططات الامريكية، سواء في التمهيد لتلك الاحداث، أو في محاولة توجيهها أو قطف ثمارها، اتضحت الآن تماما وعلى الاقل لنا في البحرين وفي الخليج، منذ بداية الازمة في البحرين، ليتضح معها الوجه الحقيقي الذي اعتقده البعض جديدا بالنسبة إلى الاستراتيجية الامريكية، واعتبرناها (امتدادا) لكل الاحداث الميلودرامية التي شهدتها المنطقة منذ الغزو العراقي للكويت، وسقوط «صدام حسين» في الفخ الامريكي، جراء استعداد ذاتي لا ننكره، لتتم عسكرة منطقة الخليج كما لم يحدث قط، وتحت راية مرفوعة لم يستطع أحد تأمل أبعادها آنذاك وهي (تحرير الكويت) واعتبار ذلك التحرير مهمة أمريكية تقود عبرها كل الحلفاء في العالم، رغم انه كان هناك «بادرة عربية» للحل آنذاك لم تعجب الولايات المتحدة لأنها كانت بمثابة إفشال حقيقي لو نجحت تلك البادرة العربية، لكل المخطط الامريكي الذي تدرج ويتدرج من مرحلة الى أخرى منذئذ، بدءا من «النظام العالمي الجديد» ثم «الشرق الاوسط الجديد» ثم «الحرب على الارهاب أو على الاسلام» ثم نظرية «الفوضى الخلاقة» بعد سقوط بغداد ثم «تصدير الديمقراطية» الزائفة عبر أحداث الربيع العربي التي من أجل ابتزاز المنطقة بها، تم تدريب الشباب العرب من كل الدول العربية في المنظمات والمؤسسات الامريكية وعلى رأسها «الفريدوم هاوس» ومنذ سنوات طويلة. ألا يطرح ذلك استفهاما بل شكا كبيرا؟
{ إذاً اللعبة لم تبدأ جديدا، والاستراتيجية الامريكية لم يحدث فيها تغير دراماتيكي كما يعتقد البعض، وإن حدث فيها ابتكار تحالفات أو زيجات متعة جديدة لتغذية وإنجاح ذات الاستراتيجية، التي نزعم ان التفكير الامريكي (النوعي) بدأ بها، ليس فقط منذ التسعينيات، وانما منذ السبعينيات بعد استخدام «الورقة النفطية» في حرب .1973 ذلك الاستخدام الذي أخرج كتابا لكاتب أمريكي لا أذكر اسمه الآن، وانما أذكر عنوان الكتاب الذي هو (15 سيناريو لاحتلال آبار النفط) وكان أحد تلك السيناريوهات الخمسة عشر أن يغزو العراق الكويت فيتم تحرير الكويت وعسكرة كاملة للعراق ومنطقة الخليج. الغريب ان الكتاب ظهر عام 1975، وفشل العديد من السيناريوهات التي طرحها ذاك الكتاب، ونجح في بداية التسعينيات سيناريو غزو العراق للكويت! وفي هذا لا يقل لي أحد بعد ما نراه اليوم ان هذه نظرية المؤامرة، فردنا «صح النوم»، المسألة لم تعد يا عزيزي نظرية، وانما وقائع دراماتيكية تدفع ثمنها اليوم كل شعوبنا العربية، وبالمقابل كفانا ثقة عمياء بنظرية (حسن النيات) فهي التي يجب ان توضع في ميزان الشك لا غيرها.
{ اذاً «الربيع العربي» هو مجرد مرحلة نوعية ستتبعها مراحل أخرى تم العمل على الاعداد لها أمريكيا، وسنكتب في ذلك، من أجل إنجاح تراكمية المخططات الامريكية (الهيمنة الكاملة) بمعنى وضع اليد مباشرة على كل مصادر الثروة النفطية والموارد العربية الاخرى، واشاعة التقسيم والفوضى لضمان «الأمن الاسرائيلي» من ناحية واستقرار الهيمنة من ناحية أخرى، وهما الهدفان اللذان لا يخضعان لأي تغيير أو تبديل، لأنهما اكبر الاستراتيجيات الصهيونية، وان خضعت التكتيكات او حتى التحالفات للتغييرات، حسب الرؤية الامريكية الاستراتيجية في موجبات وكيفية «ادارة العالم» وقلبه المنطقة العربية بكاملها، التي يجب ان تغرق في بحر الفوضى.
{ وفي هذا تجب التفرقة بين الحق والباطل، فمن الحق ان الشعوب العربية التي تعاني أنظمة ديكتاتورية وخاصة «جمهوريات عربية» تحديدا اكثر من غيرها، ان تتطلع الى التغيير، من دون ان تسأل مثلا لأن (العاطفة الثورية) التي تم تحريكها فيها، لا تتيح مجالا لأسئلة كالتالي:
- من الذي حرك أو قاد شعارات تلك الثورات؟
- لماذا تشابهت الشعارات والاساليب والمراحل في كل الدول العربية، لتبدأ بشعارات اصلاحية عادية وسرعان ما تصل في فترة زمنية قصيرة لاحقة الى مطلب «إسقاط النظام» ومحاكمة رموز النظام، في ظل إهانات متواصلة من الذين يقودون الشارع من شباب الثورة، للحكام والقيادات، ولنا في هذا أيضا حديث خاص آخر؟
- لماذا كل الشباب الذين حركوا نار الثورات العربية تم تدريبهم في المؤسسات الامريكية وفي «الفريدوم هاوس» وبسخاء مالي كبير وتدريب على خطوات ومراحل هي بالضبط ما تم العمل به في تلك الاحداث؟ ولا نكتب هنا عن طلاب التغيير غير المرتبطين بالخارج.
- لماذا جاءت نتائج الثورات كارثية على البلدان العربية التي قامت بها، وأهم وجوهها انعدام الامن وضرب البنية الامنية، وتدهور الاقتصاد بشكل كبير، وزيادة معدلات الفقر، والاسهام في هشاشة بنية النسيج الاجتماعي لتكون مؤهلة للفتن الطائفية والدينية والعرقية، باختصار شيوع مفهوم الفوضى في ظل الروح الثورية الانتقامية البشعة، ونموذجها ما حدث للقذافي من بشاعة انتقامية لا تليق بأي ثورة أو ثوار، وهذا أيضا سيكون لنا فيه حديث خاص آخر، وهو المتعلق بأدبيات الثوار الجدد ونمطية التفكير الانتقامي الهمجي؟ وفي هذا يجب أيضا التفرقة بين ضريبة ثورة شعبية حقيقية، أو ثورات ملعوب فيها خارجيا.
- لماذا نشطت المنظمات الامريكية والاعلام الغربي وغيرهما في تغذية الاحداث تغذية تحريضية واضحة، ومن دون وضع فوارق كما قلنا بين بلد وبلد، وحالة وحالة؟ ولعل دور تلك المنظمات في مصر والبحرين واضح وضوح الشمس.
- لماذا شجعت أمريكا صعود التيارات الدينية تحديدا في الخليج «التيار الديني الشيعي»، وفي بقية الدول العربية تيار الاخوان المسلمين؟ أين الهدف في هذا حتى إن بدا في ظاهره متناقضا، فلماذا هو منسجم مع مخطط الفوضى الخلاقة تحديدا؟ وفي هذا أيضا ستكون لنا وقفة خاصة رغم اشارتنا له في مقال سابق.
وللحديث صلة.