المال و الاقتصاد
تقرير: شركات عربية متعددة الجنسيات تتوسع في أنحاء المنطقة
تاريخ النشر : الأحد ١٨ مارس ٢٠١٢
في مصنع مشروبات شركة العوجان للمرطبات بضاحية صناعية في دبي يتفقد العمال غرفة خاوية حيث سيجرى تركيب أجهزة جديدة. وعندما تصبح جاهزة ستسحب الحوائط المتحركة لربط المكان بمجمع الإنتاج الرئيسي.
وتباشر الشركة السعودية العائلية التي تصنع عصائر الفاكهة المراحل النهائية من برنامج يتكلف 100 مليون يورو (130 مليون دولار) لتحديث وتوسعة منشآتها الإنتاجية الثلاثة في دبي المركز التجاري للخليج وفي مدينة الدمام السعودية والعاصمة الايرانية طهران.
لكن طموحاتها لا تقف عند ذلك الحد. وتتوقع الشركة أن تبني في غضون ثلاثة أو أربعة أعوام مصنعين جديدين أحدهما في العراق والاخر في شمال إفريقيا وغالبا في مصر.
وفي تحد لعدم التيقن السياسي والاضطرابات الاقتصادية تنطلق شركات شرق أوسطية مثل العوجان من قواعدها المحلية للتوسع في أنحاء المنطقة لتنتج سلالة من نوع جديد في دنيا الأعمال.. الشركة العربية متعددة الجنسيات.
وماذا اكتسب ذلك التوجه زخما - وثمة أسباب تؤيد ذلك رغم عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي والاضطرابات الاجتماعية في العالم العربي بعد انتفاضات العام الماضي - فانه يمكن لتلك الشركات أن تضطلع بدور أكبر في توفير فرص العمل بالمنطقة وزيادة وزن الدول العربية في النظام التجاري العالمي.
وقال قادر قندز الرئيس التنفيذ تركي المولد للعوجان «ننظر للامد الطويل.. بلدان مثل مصر والعراق تتيح فرصا لنا رغم المشاكل السياسية والاقتصادية الحالية».
وقال أفشين مولوي مستشار شؤون الشرق الأوسط لدى أكسفورد أناليتكا وهي شركة تحليلات واستشارات عالمية ان استثمار الشركات العربية عبر الحدود يساعد في تعزيز التكامل بين اقتصادات المنطقة بعد عقود من العزلة النسبية.
وقال «احدى مفارقات العالم العربي أن الدول لا تتاجر فيما بينها بمعدلات الكتل الأقليمية الاخرى.. الاستثمارات المتبادلة فيما بينهم ليست كبيرة.. وهذا يتغير».
ويبدأ التغيير من قاعدة منخفضة. ويقول ديميتريس تسيتسيراجوس نائب الرئيس للمنطقة لدى مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي ان الشرق الاوسط وشمال إفريقيا «هي المنطقة الأقل تكاملا اقتصاديا في العالم».
وبحسب أحدث الأرقام الصادرة عن برنامج تمويل التجارة العربية ومقره أبوظبي فان حصة الصادرات العربية المتجهة إلى دول عربية أخرى لم تتجاوز 10.3% في 2009 وبزيادة طفيفة فحسب من 8.5% في 2005.
بل ان نسبة الواردات البينية تراجعت إلى 11.2% من 12.6%.
تقليديا ركزت دول الخليج على تصدير النفط إلى الغرب واسيا ثم استخدمت الإيرادات لاستيراد سلع استهلاكية من تلك المناطق بدلا من تطوير الروابط التجارية فيما بينها أو مع شمال إفريقيا. أما دول شمال إفريقيا فتعتبر أوروبا شريكها التجاري الرئيسي.
وخارج صناعة النفط اتجهت الشركات العربية إلى التركيز على أسواقها المحلية بسبب افتقارها إلى الحجم والقدرة التسويقية للتوسع في أنحاء المنطقة. وكانت الشركة العربية الوحيدة على قائمة فورشن 500 لكبرى الشركات العالمية العام الماضي هي الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) أكبر شركة بتروكيماويات في العالم من حيث القيمة السوقية.
وقال تسيتسيراجوس ان العالم العربي بحاجة إلى شركات تضطلع بدور «الابطال الإقليميين» فتوفر فرص العمل وتدخل التكنولوجيا وتنشر ممارسات الادارة الفعالة في أنحاء المنطقة وهو الهدف الذي تسعى اليه مؤسسة التمويل الدولية عن طريق تقديم التمويل والمشورة لمشاريع القطاع الخاص في المنطقة.
وينبئ ارتفاع الاستثمارات العابرة للحدود بين الدول العربية على مدى العقد المنصرم ببزوغ مثل هؤلاء الابطال. وبحسب المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات التي مقرها الكويت فان تدفقات الاستثمار المباشر بين الدول العربية قفزت من 1.8 مليار دولار في عام 2000 إلى ذروة بلغت 35.4 مليار دولار في 2008. وتمشيا مع أنماط الاستثمار في أنحاء العالم تراجعت التدفقات لاحقا إلى 5,7 مليارات دولار في 2010 بسبب الأزمة المالية العالمية.
ورغم عجز العالم العربي حتى الآن عن إقامة شركات يمكن أن تدخل قائمة فورشن 500 فان عددا متزايدا من الشركات أصبح من الضخامة بما يسمح له بالبحث عن النمو في الخارج. وتتوقع العوجان التي تحقق أقل من نصف مبيعاتها داخل السعودية إيرادات بنحو مليار دولار هذا العام أي أعلى بكثير من مثلي مستوى 2007.
وقال خان زاهد كبير الاقتصاديين في الرياض المالية بالسعودية ان الدعم الحكومي أسهم في تطوير شركات ضخمة للقطاع الخاص في مجال الصناعات الغذائية والمشروبات بالمملكة ما يعد مؤشرا على أن جهود دول الخليج لتنويع موارد اقتصاداتها عن طريق سياسات لدعم «صناعات ناشئة» يمكن أن تنجح.
وقال «بعضها أصبح كبيرا ومتقدما بما يكفي للانتقال إلى أجزاء أخرى بالمنطقة.. لديهم التكنولوجيا والامكانيات والحجم».
وتستعين بعض الشركات العربية بالشركات الغربية متعددة الجنسيات مع توسعها إقليميا. وفي ديسمبر قالت كوكاكولا انها ستشتري حصة قيمتها 980 مليون دولار في العوجان في استثمار وصفته بالأضخم على الإطلاق لشركة متعددة الجنسيات في قطاع السلع الاستهلاكية بالشرق الأوسط. وتعطي الصفقة كوكاكولا حصة 50% في الكيان المالك لحقوق العلامات التجارية للعوجان و49% في شركة التعبئة والتوزيع التابعة للشركة السعودية.
وقال قندز ان العوجان ستستفيد من إمكانيات كوكاكولا في مجال التسويق والجوانب الفنية لكن الصفقة لن تغير ثقافة الأعمال المرنة والعملية لشركته التي تأسست كشركة لتجارة المواد الغذائية في البحرين قبل أكثر من 100 عام.
وقال «نستطيع التحرك أسرع بكثير من الشركات الكبيرة. انه جزء من ثقافتنا».
وفي بعض الحالات قد تكون الثقافة ميزة للشركات العربية متعددة الجنسيات في مواجهة منافسيها الغربيين والآسيويين. فالشركات المحلية معتادة على العمل في ظل البيروقراطيات الحكومية منعدمة الكفاءة في المنطقة وهي تعلم المخاطر السياسية المعقدة التي قد تثني الشركات الاجنبية.
وقال مولوي انه يتوقع أن تركز الشركات العربية متعددة الجنسيات على قطاعين رئيسيين مع توسعها في أنحاء العالم العربي أحدهما هو السلع الاستهلاكية حيث تعد العوامل السكانية للمنطقة - نحو 60% من مواطني العالم العربي البالغ عددهم 350 مليون نسمة أصغر من 25 عاما - بنمو قوي في الأعوام القادمة وبصرف النظر تقريبا عن أي عدم استقرار سياسي أو اقتصادي.
كانت مجموعة أدوية الحكمة الأردنية أشارت إلى سوق المغرب الآخذة بالنمو عندما أعلنت في أكتوبر الماضي عن صفقة قيمتها 111.2 مليون دولار لشراء 63.9% من بروموفارم تاسع أكبر شركة صناعات دوائية في البلاد. وقالت الحكمة انها تتفقد أيضا استثمارات محتملة في السودان ومصر ومناطق أخرى.
أما المجال الكبير الاخر فهو البنوك اذ أن بعض الدول العربية تعاني من نقص الخدمات المصرفية. وتقول شركة وثيقة المالية الكويتية ان القروض المصرفية المقدمة للافراد في مصر لم تتجاوز 7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2010 أي نحو ثلث مستواها في الإمارات العربية المتحدة.
وفي بعض الدول يبدو أن انتفاضات «الربيع العربي» قد أزالت الحواجز في وجه البنوك الأجنبية. وتعتزم ليبيا بناء نظام مصرفي حديث بعد عقود من العزلة في حين ترحب الحكومات المنتخبة ديمقراطيا في تونس ودول أخر بشمال إفريقيا بالتمويل الإسلامي بعد أن كانت الأنظمة المستبدة السابقة لا تشجعه لأسباب أيديولوجية.
ويعد بنك أبوظبي الوطني المملوك لحكومة الإمارة أضخم بنوك الإمارات من حيث القيمة السوقية وهو يتمتع بسيولة وفيرة تسمح له بالتوسع في المنطقة. وفي هذا العام يطمح البنك إلى دخول العراق ولبنان واستثمار المزيد بأنشطته القائمة في مصر وسلطنة عمان والأردن والسودان والبحرين وذلك على النقيص من بنوك أوروبية كثيرة تضطر إلى تقليص حضورها في المنطقة بسبب الضغوط المالية في أسواقها المحلية.
ورغم أن معظم الشركات متعددة الجنسيات البازغة في العالم العربي هي شركات خليجية فان الشركات الكبيرة في شمال إفريقيا قد تتوسع أيضا عبر الحدود عن طريق اقتناص الفرص التي يتيحها الربيع العربي.
ففي الشهر الماضي قال قطب صناعة الاتصالات المصري نجيب ساويرس الذي تشمل أعماله الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول (موبينيل) لرويترز انه يدرس دولا مثل ليبيا كهدف لاستثمارات محتملة في المستقبل.
وقال انه في حالة سقوط نظام الرئيس السوري بشار الاسد فان حكومة جديدة ستعمد في نهاية المطاف إلى طرح مزادات لبيع شبكات الهاتف المحمول المملوكة لرجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال الأسد.
وقال مولوي ان نطاق الشركات العربية متعددة الجنسيات الذي ظلت تهيمن عليه الشركات المملوكة للدولة في قطاع النفط والشركات التجارية العائلية التي تعتمد على العلاقات الشخصية يتوسع ليشمل شركات تدار ادارة مهنية في مدى واسع من الصناعات.
وقال «أمام تلك الشركات عشرة أعوام أو 15 عاما والعوامل السكانية للمنطقة تضمن تحقيق نمو في أسواقها».