مقالات
خيبة الأمل
تاريخ النشر : الاثنين ١٩ مارس ٢٠١٢
خلال أزمة البحرين من العام الماضي وفي تلك الفترة البائسة من عمر الوطن، وبالتحديد في اليوم الثامن من شهر مارس 2011 في الساعة الخامسة بعد الظهر. كانت سيدة بحرينية تقود سيارتها على شارع الملك فيصل متجهة إلى منطقة سكنها (البسيتين). ولما كان هذا الشارع هو الشارع الرئيسي للأحداث، فقد انحشرت هذه السيدة بسيارتها بين جموع المتظاهرين أمام إشارة المرفأ المالي، وفي زحمة الهتاف والصراخ والغضب والتوتر والجنون، حدثت مشادّة كلامية وتطور الأمر إلى السباب والشجار بين السيدة والمتظاهرين.
ربما شاهد المتظاهرون (صورة) للملك أو لرئيس الوزراء مثبتة على زجاج السيارة، أثارت حفيظتهم وغضبهم. حيث لم يكن مسموحاً في تلك الفترة للمواطنين الذين هم خارج الدوار أن يثبتوا صوراً للقيادة السياسية على سياراتهم أو بيوتهم. وكان جزاء كل من يخالف ذلك من المواطنين أن يعاقب بالتعرض له بالشتم والسب وربما الاعتداء عليه. ولذلك كان من الشجاعة في تلك الأوقات العصيبة أن تثبّت صورة للقيادة السياسية على زجاج سيارتك وتذهب بها إلى المنامة.
المهم أنه بعد أن حدثت المواجهة بين السيدة والمتظاهرين الذين أغلقوا أمامها الشارع بأجسادهم وصراخهم. وتحت ضغط الخوف والتوتر والهستيريا الجماعية، لم يكن أمام السيدة سوى التقدم بسيارتها إلى الأمام حيث أصابت اثنين من المتظاهرين. واستطاعت أن تنجو بنفسها، ووصلت إلى منطقة سكنها مرعوبةً منهارةً باكية. حيث لحق بها بعض المتظاهرين إلى دارها يريدون الثأر منها، وتصدى لهم في ذلك اليوم رجال البسيتين والمحرق الأوفياء.
هذه كانت عيّنة، وصورة من صور الرعب والمهانة والعذاب التي عاشها المواطنون الأبرياء، والمعاناة الأليمة التي عانى منها المواطن البريء وهو في مواجهة هذه الاحتجاجات والانتهاكات منذ الرابع عشر من فبراير 2011 إلى يومنا هذا.
صورة الألم والمهانة هذه من الذين سٌمح لهم باختطاف الوطن والمواطنين رهائن لديهم يفعلون بهم مايشاءون، لايمكن ان تُمحى من الذاكرة.
كما أنه لن تغيب عن ذاكرتنا صور أبناء الوطن المخلصين الذين وقفوا صفاً واحداً أمام نزعة إسقاط النظام، وصور الأطفال وهم في نقاط التفتيش أمام مناطقهم السكنية وحول بيوتهم. يدافعون بأجسادهم وأرواحهم عن أعراضهم وأموالهم، وعن وطنهم.
ولذلك، فإن ولاة الأمر في البلد عندما (يساوون) اليوم بين الجاني والمجني عليه، بين الذي ينادي بتطبيق القانون وبين من يهتف بإسقاط النظام. ويضعون الجميع في (سلّة واحدة) ويصفون الجميع بالسلمية والحضارية. فالمواطن سوف يشعر بالإحباط وخيبة الأمل. ويتساءل كيف؟!!
وعندما ترصد الدولة (عشرة ملايين دينار) لتعويض المتضررين من الأحداث. يصاب المواطن البريء المغلوب على أمره بالإحباط وخيبة الأمل، ويتساءل، من الذي يعوضني أنا، وقد تضررت (نفسياً وأدبياً) طيلة عامٍ كامل، ومازلت، حيث أهينت كرامتي عندما أهانوا البلد ورموز البلد وترصدّوا لي عند كل شارع ومنعطف، يريدون اصطيادي والإساءة إليّ، لا لشيء سوى أنني لست على هواهم.
وعندما تجتمع وزارة العمل بتاريخ 11 مارس الجاري، وغرفة تجارة وصناعة البحرين والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين برئاسة سلمان المحفوظ. ويشرف على هذا الاجتماع - كشاهد - ممثلون من منظمة العمل الدولية. وذلك من أجل إعادة 1520 عاملاً إلى وظائفهم في كبرى الشركات. كان قد تم فصلهم في عام 2011 بسبب تغيبهم عن أعمالهم للمشاركة في اعتصام يرمي إلى أهداف سياسية وليست مهنية. عندما يتم هذا الاجتماع لعودة المفصولين، وتشاهد ابتسامة (النصر) على محيا اتحاد العمال. فليس أمامك إلا أن تقول لهم (هنيئاً لكم العودة). ولكنك قد تشعر بمرارة الإحباط وخيبة الأمل عندما تعود بك الذاكرة إلى شهري فبراير ومارس 2011 عندما لم نمتثل - نحن المواطنون الأبرياء - إلى دعوات اتحاد العمال للاعتصام والامتناع عن الذهاب إلى أعمالنا للضغط على الدولة وإسقاط النظام. بل إننا تحدينا - بوازعنا الوطني الخالص - وذهبنا مباشرةً إلى مزاولة أعمالنا، معرضين أنفسنا وحياتنا وكرامتنا للخطر والإيذاء. فمن الذي سيعوضنا. ألا نستحق علاوة القهر والخطر؟!!
ثم إنك عندما ترى الدولة عاجزة عن بناء الوحدات السكنية للمواطنين، وهم في أمس الحاجة إليها، بينما الدولة تطلب اعتماد مبلغ 600 مليون دينار لضخها في ناقلتنا الوطنية. فإنك حتماً ستصاب بخيبة الأمل وربما الشعور بالغثيان. وخاصةً عندما تعرف أن ما دفع من مئات الملايين إلى هذه الناقلة طيلة السنوات الماضية، جديرٍ بحل مشكلة الإسكان من جذورها!
وخيبة الأمل الكبرى هي في الشعب المخلص. عندما تشاهد تجمع الفاتح وساحة الشرفاء وصحوة الفاتح وتجمع مسجد كانو، وكل الشرفاء على هذه الأرض الطيبة، وترى بأم عينيك كم أن هؤلاء القوم (طيبون) إلى درجة قد فقدوا فيها بوصلتهم الوطنية الشجاعة، واتجهوا إلى محاربة طواحين الهواء. وكثيرٌ منهم (منافقون) قد تركوا الوطن مرتعاً للنطيحة والمتردية.
إنها حقاً....... خيبة أمل.