في حوار مع الفقيه الدستوري د. ثروت بدوي يؤكد:
النظام الرئاسي في مصر يصنع ديكتاتورًا
تاريخ النشر : الاثنين ١٩ مارس ٢٠١٢
القاهرة: محمد الهواري
أكد د. ثروت بدوي الفقيه الدستوري في مصر أن النظام البرلماني للحكم هو الأنسب لمصر في دولتها الجديدة، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، مشيرًا إلى أن هذا النظام تكون فيه سلطات الرئيس محددة وشرفية، موضحًا أن جميع الأنظمة الرئاسية التي قامت في دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا هي أنظمة كرست الديكتاتورية بسبب تركيز السلطات في يد رئيس الدولة فقط، وقد فشلت جميعها في إقامة نظام ديمقراطي، وفي الوقت ذاته لا يمكن الجمع بين النظامين البرلماني والرئاسي فيما يعرف بالنظام المختلط. وكان لنا معه هذا الحوار:
- ما تقييمك لقانون انتخابات رئاسة الجمهورية الذي صدر مؤخرًا؟
هذا القانون يأتي ضمن سلسلة متعددة الحلقات من الأخطاء التي وقع فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الحاكم العسكري) خلال إدارة المرحلة الانتقالية، بداية من الإصرار على عمل انتخابات مجلسي الشعب والشورى (غرفتي البرلمان)، من دون وجود دستور يبين شكل وصلاحيات هذه الأجهزة أو يبين علاقتها بعضها ببعض أو حتى يوضح شكل النظام السياسي الذي تقوم فيه هذه الأجهزة.
- ما المآخذ التي تراها بشأنه؟
المجلس العسكري فاجأنا باعلان فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية من دون أن يحدد مواعيد غلق باب الترشح أو مواعيد إجراء الانتخابات بل لم يبين شروط الترشح، مما يوحي بأنه لا يرغب في الاستجابة لمطالب الشعب في التغيير الجذري والشامل للأنظمة الفاسدة السابقة، مما يؤكد أن المجلس العسكري يحاول الإبقاء على نفسه وأجهزة ومؤسسات النظام السابق مع الإبقاء على حالة الغموض وعدم الشفافية التي تعيشها مصر طوال العقود الماضية. وأعتقد أن المجلس العسكري لم يدرك إصرار الثوار على إقامة نظام سياسي جديد مما سيزيد إصرارهم على استمرار الثورة مهما قدموا من تضحيات أو مورس القمع ضدهم، لذلك أرى أن الثورة سوف تستمر شهورًا أو سنوات طويلة، حتى تتحقق أهداف الثورة كاملة، وفي الوقت نفسه قانون الانتخابات الرئاسية به العديد من العورات الدستورية والقانونية.
- عن أي عورات تتحدث في هذا القانون؟
أرى في مقدمة عورات قانون انتخابات الرئاسة اللجنة العليا للانتخابات وتشكيلها، فضلاً عن عدم جواز الطعن على قرارتها، فما علاقة المحكمة الدستورية العليا بإجراء الانتخابات؟ وما علاقة رئيس محكمة الاستئناف واللجنة العليا للانتخابات البرلمانية بإجراء انتخابات الرئاسة؟ هؤلاء قضاة من الضروري أن يعملوا على تحقيق العدالة وسيادة القانون لا أن ينصرفوا إلى أعمال إدارية.
- وما الإجراء المناسب؟
الوضع المنطقي كان يتطلب إنشاء لجنة مستقلة لإجراء الانتخابات والإشراف عليها بداية من عمل الجداول الانتخابية وتقسيم الدوائر ومتابعة كل من مجريات العملية الانتخابية، من دون تدخل من أي جهة حتى نضمن انتخابات حقيقية، بعيدًا عن السلطة الإدارية، ولابد أن تكون جميع أعمال هذه اللجنة خاضعة لرقابة القضاء، لأن القضاء هو حامي حمى الدستور والقانون وحريات المواطنين.
ضوابط ضرورية
- وما الضوابط اللازمة بشأن صلاحيات الرئيس المقبل حتى لا يتحول إلى ديكتاتور جديد؟
الرئيس المقبل من الضروري أن تكون سلطاته شرفية ومحدودة في شكليات مثل استقبال رؤساء الدول واعتماد السفراء، بحيث تكون مجرد سلطات فخرية يمارسها في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية لتحقيق التوازن بينهما، وهذا التوازن تكفله الرقابة التي يمارسها البرلمان على أعمال الحكومة ويكون لرئيس الدولة حق دعوة البرلمان للانعقاد في حين يكون من حق الحكومة اقتراح مشروعات القوانين التي تعرض على البرلمان، وللرئيس الاعتراض على القوانين وفق ضوابط معينة، والدستور يضع من الضوابط ما يحقق التوازن والتعاون بين السلطات.
- إذًا أنت مع النظام البرلماني وليس الرئاسي؟
لا يوجد ما يعرف بالنظام الرئاسي إلا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نشأ فيها هذا النظام لظروف تاريخية خاصة بها، ولظروف نشأة النظام الأمريكي الاتحادي الفيدرالي الذي يقوم على وجود سلطات فيدرالية مركزية في واشنطن، وفي الوقت ذاته توجد سلطات محلية في كل ولاية، حيث يتمتع كل منها بقدر كبير من الاستقلال الدستوري والقانوني والقضائي والإداري، فلكل ولاية منها دستورها وحكومتها وبرلمانها ومحاكمها المستقلة، وبالتالي تتمتع كل ولاية بقدر كبير من الاستقلال في حدود الدستور العام المركزي الذي ينظم برلمانا مركزيا «الكونجرس» وحكومة مركزية «الإدارة الأمريكية» ورئيسا مركزيا (رئيس الولايات المتحدة) ومحكمة عليا مركزية تكفل احترام الجميع للدستور المركزي الفيدرالي.
- هل يعني ذلك أنه لا يوجد نظام حكم رئاسي في أي دولة أخرى؟
جميع الأنظمة التي قامت في بعض دول أمريكا اللاتينية أو إفريقيا والتي تسمى أنظمة رئاسية جميعها بعيدة كل البعد عن خصائص النظام الرئاسي، وكلها تكرس أنظمة ديكتاتورية تتركز فيها السلطات في يد رئيس الجمهورية فقط وقد فشلت جميعها في إقامة نظام ديمقراطي.
- ولكن ما رأيك في مطالبة جميع المرشحين المحتملين للرئاسة بأن يكون نظام الحكم بعد الثورة رئاسيا ورفضهم النظام البرلماني؟
مهما صدر عن مرشحي الرئاسة أو عن المفكرين أو السياسيين من آراء حول الأخذ بنظام رئاسي أو بنظام مختلط فأنا شخصيا أقول إنه لا يوجد ولن يوجد ما يسمى نظام مختلط لأن النظامين الرئاسي والبرلماني يتعارضان في كثير من الأمور.
- كيف ذلك؟
الرئيس في النظام البرلماني ليس له أي سلطات حقيقية، وفي الوقت نفسه ليس عليه مسئولية لأن السلطة مرتبطة بالمسئولية.. أما النظام الرئاسي فيعطي رئيس الجمهورية كامل السلطة التنفيذية ويحمله مسئولية كاملة وبالتالي كيف نخلط بين نظامين أحدهما لا يمنح الرئيس سلطات حقيقية بينما الآخر يمنحه سلطات تنفيذية واسعة وشاملة مع مسئولية تتوازن مع اختصاصاته؟
خدمة وكالة الصحافة العربية