الجريدة اليومية الأولى في البحرين
أفق
أثوارٌ أم عملاء؟
تاريخ النشر : الاثنين ١٩ مارس ٢٠١٢
عبدالله خليفة
تختلفُ الرؤى السياسيةُ لدى الأطرافِ المشاركة في العمل الاجتماعي، فكلٌ يرى نفسَهُ بصيغةٍ مختلفة عما يراه الآخرون المتباينون عنه، خاصة في حالاتِ العسكرة، حيث تنشأ المعسكرات الحادة وتظهر المواجهات الساخنة.
وكانت الحربُ الباردةُ والنضالاتُ الوطنية ضد الاستعمار تطرحُ صيغَ الثوارِ والعملاءِ المتضادة بحدة. فيما هي صيغٌ للصراعات السياسية الاقتصادية بين أشكالٍ مختلفة متباينة التطور من الرأسماليات المتصارعة في القرن العشرين.
هل كان يتصور الماركسيون أنهم عملاء للاتحاد السوفيتي وهم الذين يبذلون حياتهم في سبيل القضية المشتركة وهي تحرر الشعوب في العالم؟
بالنسبة إلى الغرب والحكومات المتعاونة معه كانت الإجابة بنعم.
لكن القضية المشتركة في النضال ضد الهيمنة الأجنبية الغربية كانت مشروعة وهامة جداً للبشرية الممزقة بين أمم مسيطرة مهيمنة وأمم تتوثب للحرية والتقدم وتتجه لصراعات أكثر ضراوة وأملاً.
لكن هذا لا ينفي من جهةٍ أخرى تكونَ هيمنةٍ سوفيتية متصاعدة على أمم أخرى داخل الاتحاد السوفيتي وفي شرق أوروبا، وأوجدت خلقتْ طبعةً بيروقراطيةً من الماركسية المؤدلجة التي فقدتْ قدرتها على التحليل المميز المستقل، وهذا لا ينفي كذلك وجود استقلالية لبعض الأحزاب والشخصيات الباحثة عن أدواتِ تحليلٍ موضوعية في بلدانها. لكن النمطَ (الاشتراكي) المُصدر وتقديسه أفقرَ النضال الديمقراطي في البلدان المستقلة المتحررة من سيطرة الغرب السياسية، وخنق إبداعاتها السياسية وتكوين جماعات ديمقراطية واسعة من البرجوازية حتى العمال، وهو الأمرُ الذي هيأ لصعودِ الطائفيين السياسيين.
الصين شكلتْ رؤيةً أخرى ولكن الماوية لم تعش طويلاً، واستمر أتباعُها في لغاتٍ حادة فقدتْ محركَها الصيني الذي انتقل بسرعة شديدة للرأسمالية العامة وللرأسمالية الخاصة الواسعة. ولهذا لم يعدْ يريدُ عملاءَ سياسيين بل عملاءَ تجاريين.
ومن هنا حين ظهرتْ الطائفيةُ السياسيةُ مستغلةً الاسلامَ بتشجيع من الغرب نفسه المهزوم من الماركسيات الوطنية المعبرة عن مضامين رأسمالية شرقية، أُطلقَ عليها تسمية العملاء نفسها.
هنا ظهرت رأسمالياتٌ غنية في العالم الإسلامي، وتعاون عملاؤها في إسقاطِ النظام الأفغاني العميل للاتحاد السوفيتي حيث قامت مجموعاتٌ مغامرة عسكرية بانقلاب في بلدٍ شديد التخلف.
ولهذا فإن جماعات ولاية الفقيه لا يعتبرون أنفسهم عملاءَ للرأسماليةِ الحكومية الإيرانية الدكتاتورية.
هناك أنساقٌ من التعاون المشترك تكونهُ الأقسامُ المسيّسةُ المتشددةُ من الطائفة المؤيدة للنظام الإيراني، ويعتبرونها نضالات مشتركة ضد أعداء متعددين ظلموا الطائفة الشيعية، ويقوم المركزُ في طهران كالمراكزِ السابقة في واشنطن وموسكو وبكين بتشكيل دور الأبِ القائد لاتباعه في القضية المشتركة (المقدسة).
قضيةُ الطبقةِ العاملة كقضيةٍ مقدسة للمركز السوفيتي مؤدلجةً متصاعدةَ الحضور ومكونةً الصلات مع الفصائل الأخرى، وتأتي هنا قضية ولايةُ الفقيه بدور القضية الرابطة المجمعة يحددُ تطوراتُها السياسية وتبدلاتها المركزُ الإيراني، وتتصاعد خاصة هذه الصلاتُ والتشنجاتُ مع انهيار هذه القضية في سوريا وغزة، كتعويضات وتدخلات حماسية للخلل في الخطاب.
لكن كما كانت قضية الطبقة العاملة المقدسة في روسيا مكلفةً للاقتصاد الروسي الرافعة العملاقة التي تساعد الكثير من الشعوب في معركة التحرر، ثم انهارت بسبب هذه التكاليف الفلكية، كذلك فإن الاقتصادَ الإيراني لن يصمدَ طويلاً في كونه رافعة مساعدة متدخلة في حركات تخص الشعوب الأخرى وتجعل شعبه ينزف.
تتشكل هنا ثيماتُ الرأسمالياتِ الوطنية الشرقية المناوئة للرأسمالياتِ الغربية المهيمنة المتدخلة التي تريدُ فرضَ صيغٍ سياسية واجتماعية معينة للديمقراطية، فيما تكونُ الرأسماليات الشرقية الحكومية أسواقَها من خلالِ مصالحِها ومستوياتها الاجتماعية المتعددة وتقاليدها.
وهكذا فإن الرأسمالية الحكومية الإيرانية تنزف الآن، وتظهر رأسماليةٌ خاصةٌ قوية لا تريد أن تتحمل كل هذه النفقات العارمة لـ (المجاهدين) وهي تعاني الحصار وتصاعد الأسعار وانهيار العملة الوطنية.
ستتوجه آجلاً أم عاجلاً لمصالحها الخاصة، ستكونُ علاقاتٍ جديدةً مع زبائنها، ولن تغدو القضيةُ المشتركةُ مشتركةً في صراعاتها السياسية الآنية المباشرة الضيقة، بل سوف ترتكزُ على تطوير سوقها بكلِ السبلِ الممكنة الشرعية في عالم الغابة التجارية الرأسمالية الكونية.
بطبيعة الحال فإن أكثر الخاسرين هم العمال وليس العملاء، العمالُ الروس كانوا أكثر الخاسرين من تشكلِ رأسماليةٍ حكومية شمولية أخذت تتفسخُ تدريجياً عبر عقود، والعمالُ الإيرانيون والعرب المساندون للتصدير السياسي سيجدون أنفسهم كذلك بلا سند سوى سواعدهم التي تعبتْ من العمل.
فيما أن البرجوازيين السياسيين (الاشتراكيين) الدينيين كونوا رساميلَهم وهم قادرون على الانتقال من لغة خطاب سياسي حاد إلى لغاتِ خطابٍ متنوعة حسب العرض والطلب، وأحجام الأسواق ومدى الأرباح، وحسب البلدان وما تتيحهُ من فرص.