الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


حقوق الإنسان في فلسطين

تاريخ النشر : الاثنين ١٩ مارس ٢٠١٢



ساعدتني زيارتي لاسرائيل وفلسطين في العام الفائت على الاطلاع والتفهم بعمق صعوبة أوضاع حقوق الانسان التي يعانيها الكثير من الفلسطينيّين والإسرائيليّين.
ومع ذلك، كان لأمرا مشجعا انفتاح ممثلي جميع الأطراف على الانخراط جديا في العمل على إزالة تحديات حقوق الإنسان التي قمت بتحديدها.
إنني وفريق عملي، إذ قد أخذنا روح المشاركة البناءة هذه كنقطة انطلاق لنا، كنا نراقب عن كثب التقدّم الذي سُجّل بشأن القضايا التي أثرتها مع السلطات الإسرائيلية والفلسطينية في غزة والقدس ورام الله وتل أبيب. وقد واصلنا أيضا الضغط من أجل مزيد من الاحترام لحقوق الإنسان واقترحت وسائل لحماية المدنيين من العنف وانعدام الأمن.
اليوم، أقدم تقريري السنوي حول حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مجلس حقوق الإنسان. هذا يتيح لي فرصة لتسليط الضوء على بعض الخطوات التي لديها القدرة على جعل كلا الجانبين يعيشان جنبا الى جنب في سلام وأمن.
خلال زيارتي عام 2011، أعربت للممثلين الفلسطينيّين عن قلقي حيال الاعتقال التعسفي وسوء معاملة الأشخاص المشمولين بولايتهم. لم يتمّ التعامل مع هذه القضايا بما فيه الكفاية حتى الآن، خصوصا في قطاع غزة. ينبغي للقادة الفلسطينيين إعطاء تعليمات واضحة لموظّفي الأمن من أجل الامتناع عن اعتقال أشخاص من دون مسوغ قانوني وينبغي لهم أيضا ضمان أن يتم التحقيق في جميع مزاعم سوء المعاملة ذات المصداقية على وجه السرعة وبدقة ونزاهة.
أمّا التحدي الثاني في الجانب الفلسطيني، فهو ضرورة الحفاظ على حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، التي هي من حقوق الإنسان الأساسية. هذه الحريات تعتبر أساسية في مجتمع مفتوح وديمقراطي لطالما كان ينشده عدد كبير من الفلسطينيين فترة طويلة. يجب على القادة الفلسطينيين بذل المزيد من الجهود لتأمين هذه الحقوق في القانون والاجراءات والممارسة، بمن في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون.
يشير التقرير الذي أرفعه اليوم إلى توقف إطلاق الصواريخ خلال فترات حساسة معينة في عام .2011 هذا دليل على أنّه لدى القادة الفلسطينيين القدرة على وقف مثل هذه الهجمات تماماً.
واجهتُ من خلال زيارتي العديد من انتهاكات حقوق الإنسان النابعة من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وفي ختام زيارتي شددت على أن نقل المدنيين إلى داخل الأراضي المحتلة هو غير قانوني بشكل واضح. إنّ وصف تجميد النشاطات الاستيطانية بأنه تنازل، أو شرط مسبق، لإجراء مفاوضات سلام هو تحوير للقانون وقلبه رأسا على عقب.
هناك العديد من التحديات الخطرة لحقوق الإنسان المرتبطة ارتباطا وثيقا بتوسيع المستوطنات. إنّ أعمال العنف المتكررة التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين هي واحدة من هذه التحديات. إنّ الحكومة الإسرائيلية ملزمة بشكل واضح بحماية الفلسطينيين وممتلكاتهم من أعمال العنف التي يسبّبها المستوطنون الإسرائيليون. إنّ التقدّم في هذا الاتّجاه قد يكون عبر التحقيق بدقة في جميع هذه الحوادث ومحاسبة مرتكبيها. خلال زيارتي، حددت السلطات الاسرائيلية الصعوبات التي تواجهها للتحقيق في العنف الذي يقوم به المستوطنون. ولكن، ان كان بامكان اسرائيل التحقيق ومساءلة المنتهكين في بعض الحالات، يمكنها القيام بذلك بانتظام. يجب أن يكون الفلسطينيون قادرين على الوصول بسهولة إلى مراكز الشرطة الاسرائيلية وتقديم الشكاوى، هذا من أجل التعامل مع عنف المستوطنين على نحو فعال.
خلال العام الماضي، أولى مكتبي اهتماما خاصا بحوادث الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، ففي الضفة الغربية، قامت القوات الاسرائيلية بأنشطة إنفاذ للقانون وقد تمّ، في مناسبات عدّة قتل المدنيين الفلسطينيين العُزَّل عند نقاط التفتيش. وفي غزة، تمّ قتل المدنيين الفلسطينيين العزل بسبب تقييد الجنود الإسرائيليين الوصول إلى مناطق معينة في البر والبحر، وكانت هذه الوفيات لا داعي لها، ويمكن تجنب مثل هذه الحوادث إذا توقّفت القوات الاسرائيلية، وفقا للمعايير الدولية، عن اللجوء بسهولة جدا إلى استخدام الذخيرة الحية عند التعامل مع المدنيين.
في العام الماضي التقيت العديد من المدنيين الذين قد دمرت حياتهم من قبل الحصار الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة. إذا كان الفقر والبطالة وتدهور الرعاية الصحية والتعليم والمياه ومرافق الصرف الصحي هي أهدافه، فانّ الحصار الذي تفرضه اسرائيل قد نجح. لكن لدى اسرائيل الموارد الكافية للتعامل مع المخاوف الأمنية المشروعة التي تنطلق من قطاع غزة من دون معاقبة السكان المدنيين بشكل جماعي. إنّ الخطوات المهمة التي يمكن لإسرائيل أن تتخذها فورا تشمل تسهيل حركة المدنيين من غزة وإليها، وضمان تسليم مواد البناء والسماح بتصدير المزيد من السلع.
إنّ حماية المدنيين من العنف وانعدام الأمن هي شكل من أشكال احترام كرامة الإنسان. وإن غاب هذا الاحترام، فعبارة «تعيشان جنبا الى جنب في سلام وأمن» ستبقى خطاباً غير واقعي لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. إنّ اتخاذ مثل هذه الخطوات لن يؤدي إلى تحسينات فورية في أرواح المدنيين فحسب، بل سيثبت أنّ القادة الاسرائيليين والفلسطينيين مهتمّون فعلاً بتوفير متطلبات حقوق الإنسان والسلام والأمن، وهذه أمور إن لم يتمكّن الجانبان على حدّ سواء من القيام بها، فلن يتمكّن أي من الطرفين من التمتّع بها
* المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.