مصداقية أمريكا تكمن في نصح المعارضة
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٠ مارس ٢٠١٢
بقلم: د. نبيل العسومي
في الأعراف الدبلوماسية في العالم التي يعرفها القاصي والداني منذ نشأة السفارات والقناصل لتعزيز التواصل بين الدول أن دور السفارات لا يتجاوز ٣ مهمات أساسية:
- نقل الرسائل بين الدول ذات العلاقة.
- دعم وتعزيز العلاقات لصالح البلدين في المجالات المختلفة.
- تبادل المصالح الاقتصادية والتجارية وبناء التحالفات السياسية والعسكرية.
ولكن للأسف الشديد فإن لبعض السفارات مهام أخرى غير منظورة وغير معلنة رسميا وهي جمع المعلومات وربط شبكات من العلاقات بين السفارة ومكونات المجتمع المدني.
وتعتبر هذه المهمة هي المهمة الرابعة ولنفترض جدلا أنها مهمة مشروعة ومقبولة خاصة في ظل الأدوار المتنامية لمؤسسات المجتمع المدني في الدول، ولكن ما لم يكن معهودا ولا مقبولا ولا يمكن أن يكون مقبولا بأي شكل من الأشكال تدخل السفارات السافر في الشأن الداخلي للدول مثلما يحدث عندنا في البحرين، هذا البلد المسالم الطيب الذي لم يتدخل أبدا في الشأن الداخلي لأي دولة، حيث أصبحت السفارة الأمريكية مفردة رئيسة وثابتا من ثوابت المشهد السياسي المحلي، ففي كل يوم وفي كل حادثة وفي كل تجمع وفي كل تجاوز يحدث أو مسيرة غير مرخصة في ظل ممارسة الدولة لحقوقها المشروعة في ضبط الأمن وبسط النظام نجد للسفارة الأمريكية كلمة، ونجد من خلالها للإدارة الأمريكية رأيا في شأننا الداخلي بدءا من تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الشهير ودعوته الحكومة البحرينية إلى التفاوض مع الوفاق مختصرا شعب البحرين في هذه الجمعية الطائفية ذات الولاء والمرجعية المرتبطين بولاية الفقيه الإيرانية، ووصولا إلى التصريحات الصغيرة والكبيرة من وزيرة الخارجية الأمريكية إلى الناطقين بدرجاتهم المتفاوتة ومناصبهم المختلفة وآخر تلك التصاريح الذي قرآناه خلال الأيام الماضية لإحدى الناطقات لوزارة الخارجية الأمريكية بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ وقفة للمراجعة قبل اتمام أي تعاون أمني مع مملكة البحرين.
تعبنا ونحن نقول عجبا وعجبا هذا الذي يحدث من قبل أصدقائنا الأمريكان، فإذا قبلنا جدلا وافترضنا جدلا تدخل الأصدقاء الأمريكان في الشأن الداخلي، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل هذا التدخل إذا ما كان معاكسا ومناقضا للمصلحة الوطنية، أو كان مجرد استجابة لضغوط المعارضة التي كشفت الأيام أكاذيبها وألاعيبها وخداعها للرأي العام الخارجي بادعاء السلمية والدولة المدنية في حين أنها محكومة بالفرد الواحد المقدس الذي لا يرد له كلام، بل الذي يأمر فيطاع فيخرج الجميع لبيك يا فقيه، هذه المعارضة التي تدعي السلمية قد شهدنا تحريضها وتبنيها للإرهاب والعنف المستمرين والاعتداء على سلامة رجال الأمن غير المسلحين وتبريرها لكل شكل من أشكال إيذاء المواطنين والمقيمين وتعطيل حياتهم بكل الوسائل، وتنظيم المسيرات والاعتصامات غير المرخصة التي لا داعي لها حتى أصبح المجتمع يختنق بها اختناقا من دون أن يكون لها أي أهمية سياسية سوى الضغط على المجتمع والحكومة وابتزازا الأخيرة ابتزازا للخضوع لرؤيتها التي يرفضها أكثر من نصف المجتمع رفضا قاطعا.
في هذا الإطار نتذكر جيدا الرئيس الأمريكي أوباما عندما نصح الحكومة بالحوار مع الوفاق وبحثنا له عن العذر مع ذلك في أنه لا يعرف ما معنى الوفاق ولا ايديولوجيتها الحقيقية ولا ارتباطها بحزب الله وولاية الفقيه وكل ما يعنيه ذلك من مخاطر على ديمقراطية الدولة إلا إذا كان الرئيس أوباما يعتبر أن الفوضى في العراق ناجحة ونموذجية وهذا أمر نختلف معه جملة وتفصيلا.
حتى اذا افترضنا وقبلنا النصائح من الأصدقاء الأمريكان باعتبار أن الناصح من الأصدقاء فإنه لا يقبل أن يكون النصح فقط للسلطة في حين لا نسمع ولا نقرأ نصحا لهذه المعارضة الخارجة عن الإجماع الوطني التي تجر البلاد إلى الكارثة وإلى التصادم بين أبناء الوطن الواحد، فإننا لم نسمع تصريحا واحدا يشجب التحريض المنشور بالصوت والصورة الذي تلخصه كلمة اسحقوه الصادرة عن قمة المعارضة، فكنا نتمنى حتى نعتبر الصديق صديقا ونقبل بنصيحته أن ينصح هؤلاء بأن يلتزموا بسلمية حقيقية وهذه السلمية لا يمكن أن تتجسد إلا باحترام القانون والرأي الآخر واحترام حقوق الإنسان وسلامة كل المقيمين على هذه الأرض الطيبة مهما كانت آراؤهم وأفكارهم ومهما أدلوا برأيهم ومواقفهم.
كنا نتمنى على الأصدقاء الأمريكان أن يكونوا «محضر خير» بأن يدفعوا بالمعارضة غير العقلانية إلى أن تكون رشيدة للقبول بالحلول الوسط، خصوصا أن هذه «المعارضة» الخارجة عن القانون هي طرف واحد ومكون واحد من مكونات المجتمع البحريني وهي ليست الشعب، فالشعب البحريني له جناحان ولا يمكن أن يطير بجناح واحد، كنا نتمنى على الأصدقاء الأمريكان أن يقولوا «للمعارضة» إنكم جزء من الشعب ولستم الشعب كله، فقد رأى الناس ذلك رؤية العين بعد تجمع الفاتح العظيم، الشعب هنا والشعب هناك، والشعب هنا له رأي والشعب هناك له رأي آخر، والحل لا يكمن إلا في التوافق بين كل مكونات المجتمع البحريني.
فإذا كان أصدقاؤنا صادقين في أن يساعدوا هذا الشعب وهذا البلد الذي كان ومازال حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية فعليهم أن ينصحوا المعارضة بالعودة إلى رشدها والقبول بالحلول الوسط وبالتدرج في الإصلاح، لأنه من غير الإنصاف أن ينصحوا الحكم بالحوار مع المعارضة، ويسكتوا عن التحريض والعنف اللذين ترتكبهما المعارضة فهذا أمر لا يمكن أن نضعه تحت عنوان الصداقة.
.