الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير

الربيع العربي وأمريكا:

4- إلى الأمام أم إلى الوراء؟

تاريخ النشر : الأربعاء ٢١ مارس ٢٠١٢

فوزية رشيد



} نحن على يقين بأن اللعبة كبيرة بحجم استراتيجية دولة كبرى ومعها «الكيان الصهيوني»، وحيث المدربون الأساسيون لشباب الثورات صهاينة أمريكا.
ونحن على يقين أيضا بأن الطبخة، التي يتم العمل على انضاجها في مرحلة عربية وعالمية تتجه لتكون مرحلة استراتيجية حاسمة، يتم فيها استثمار كل احداث العقود الماضية، والاستفراد الأمريكي بالعالم، وتراجع الدور العربي وضعفه خاصة بعد سقوط بغداد، ولذلك فان التلاعب بأحداث ما يسمى الربيع العربي، بعد تدريب الشباب العرب لاطلاق شرارته في كل بلد عربي، رغم صُدفية حادث «البوعزيزي» في تونس أول الأمر، نقول إن التلاعب الأمريكي الصهيوني بالأحداث العربية، هو (استكمال) لما تم انجازه في مراحل سابقة، توالت فيها الاحداث منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وغزو العراق للكويت.
إن الطبخة الامريكية التي تتداخل معها قوى دولية واقليمية كبرى وفي ظل اختلاف المصالح هي كالسم الذي يغطيه عسل كثيف، بما تم اطلاقه كشعارات تتعطش لها شعوب عربية ذات انظمة استبدادية حقيقية، مثلما تتعطش لها وتستغلها فئات تريد الاستحواذ على السلطة، حتى ان كانت تعيش في كنف انظمة ديمقراطية تتدرج بشكل طبيعي، ونموذج تلك الفئات «الحراك الانقلابي الطائفي» في البحرين، الذي يراد تعميمه في الخليج، لتختلط الأوراق في عسل الشعارات المعسولة، كالتغيير والديمقراطية والحريات والحقوق وغيرها، وتضيع بين الحق والباطل.
} الثمار المسمومة لا يتم قطفها بالطبع دفعة واحدة وانما بالتدريج، وأول ملامح سُميتها ان التغيير فيها يدفع الاوضاع الى الوراء، او ان ما يسمى الثورات الحادثة اليوم مرشحة لتكون مآلاتها ونهاياتها الفتن الطائفية أو العرقية أو الدينية أو القبلية، أو التقسيم للجغرافيا الوطنية والتشرذم للشعوب، وحيث الانجاز الديمقراطي العبقري لأمريكا الذي يراد استنساخه في كل مكان عربي، وان بأساليب مختلفة، هو النموذج العراقي، الذي تتجه اليه بسيناريو آخر (ليبيا بعد الثورة) وبلدان عربية اخرى تقتفي الطريق، كل حسب اوضاعه وديموغرافيته الخاصة.
فهذا الذي يسمى الربيع العربي، لم تنته كامل مشاهده بعد، وانما نحن لانزال في الفصول الاولى من دراميته العبثية، بعد ان حرك مياها كثيرة غالبها يتسم بالعفن، والذي تحقق بشكل مؤكد حتى الآن هو العودة الى الوراء في الاقتصاد وتسجيل المزيد من الافقار، لدول الثورات وشعوبها، وتهيئة المناخات الداخلية في كل بلد للاحتراب والفتن، وانتتشار روح الفرقة والتمزق في النسيج الاجتماعي، وانعدام الأمن والاستقرار وانتشار الجرائم، وتلاعب المنظمات الدولية المسيسة بشئون كل بلد بشكل مكشوف، وحسب احتياجات ومصالح المخططين الكبار التابعة لهم تلك المنظمات.
} والذي تم تحقيقه أيضا حتى الآن هو اشاعة الكراهية والضغائن الطائفية ونموذجها ما يتم احداثه بتعاون ايراني، وعبر مراحل في البحرين ودول خليجية وعربية اخرى، وحيث دخول «ايران» على خط ما يسمى الربيع العربي، وادراج احداثه فيما يسمى الصحوة الاسلامية الملتحقة بثورة «الخميني» أوضح من ان يغطيه اي غربال.
والذي حدث أيضا حتى الآن، هو إطلاق روح الانتقام واسقاط هيبة انظمة الحكم بشكل غير مسبوق، لغايات خبيثة تم تدريب الشباب العرب عليها، حتى لا يعود لدى هذا الجيل من الشباب وما بعده، اي خلفية احترام لأي نظام أو رمز في الراهن والمستقبل، فيسهل التغيير كل مرة بذات الطريقة، على يد من تم تدريبهم ولايزال يتم (نظريا وعمليا) ممن يطلق عليهم «نشطاء سياسيون» او «شباب الثورة» يتلقون بشكل متواصل التدريب الصهيوني الامريكي والتمويل المالي والدعم اللوجستي، لكيفية اسقاط النظم واهانة رموزها بشكل مفتعل ومتعمد ومدروس، وحيث كل ذلك يسهل على امريكا لاحقا ممارسة كامل ضغوطها وتلاعبها بأي نظام عربي، يحاول مجرد التفكير في الاستقلالية او التحرك وفق المصالح الوطنية والقومية، وهو ما تمارسه. ايران أيضا باستغلالها واستخدامها «للعامل الشيعي» في البحرين والخليج، ودعم انصار «الولي الفقيه»، لتتضح ابعاد ما يحدث بأنه حرب وكالات دولية واقليمية.
} فما الذي لم يتحقق بعد في دول الاحداث العربية؟
الى الآن ورغم تغير شخوص الرؤساء وبعض المظاهر الديمقراطية الشكلية، فان كل ما قامت تلك الاحداث من اجله لم يتحقق بعد، وليس مرشحا في ظل ما قلناه سابقا ان يتحقق منها شيء بشكل سريع وبحجم حلم الشعوب العربية التي قامت بالثورات.
واذا كان النموذج العراقي في الانجاز الديمقراطي - كما قلنا مرارا - هو تحديث ما تتبناه الادارة الامريكية بقوة لكل الدول العربية باعتباره الانجاز الرائع والانجاز العبقري، فالسؤال يطرح نفسه:
هل هذا هو النموذج المستقبلي الذي تتطلع اليه شعوب ما يسمى الربيع العربي؟
وهل مثلا صعود النمط «الثيوقراطي» وولاية الفقيه في البحرين والخليج، الذي كما يبدو يتم الترتيب له امريكيا وايرانيا، هو نموذج المدنية والديمقراطية والحريات التي تريدها شعوب هذه المنطقة؟ واذا لم تكن تريدها الا فئات الموالاة للولي الفقيه ولايران فلماذا تعمل امريكا على قسر شعوبنا بفرضها عليها؟
} بالمقابل، هل التشجيع الامريكي لصعود تيار «الاسلام السياسي» او الاخوان المسلمين وغيرهم في بقية البلدان العربية هو اقتناع بهذا التيار ام استغلال له لأغراض مستقبلية قادمة؟
وهل جاء مصادفة، أم هو تشجيع لصعود مرحلي يراد لأصحاب هذا التيار بعلمهم أو من دون علمهم، ان يكونوا «حصان طروادة» القادم، الذي من خلال وجودهم على رأس السلطة، ستتم اثارة التيارات الاخرى (الليبرالية والعلمانية والدينية غير الاسلامية والطائفية) ضدهم، وضد تيارهم لإحداث الفتن المستقبلية، ومزيد من الفوضى في تلك البلدان، حيث يشبه حالهم حال «العنصر الشيعي» التابع للولي الفقيه في البحرين والخليج، من حيث استثارة المخالفين لهم ولطموحهم الطائفي سياسيا و«سلطويا»؟ ولماذا أمريكا تشجع التيار الشيعي في الخليج، والتيار الاسلامي السني في بقية الدول العربية؟
هل هو فقط ركوب للموجة السائدة، ورضوخ لها؟ ام محاولة لتطويع تلك الموجة لاستغلالات وابتزازات مستقبلية؟ وهل سيتكشف الأمر لاحقا، وبشكل جلي، ان ما هو حادث اليوم من استقطابات متناقضة للتيار الاسلامي، ورغم الزخرفة الديمقراطية الشكلية، هو من اجل تثبيت انعدام الأمن والاستقرار وبشكل (توالدي) في كل دول الاحداث او الثورات العربية، ومن يتم الترتيب له ليلتحق بهم، أم أن تيار الاسلام السياسي سيثبت صلاحيته الى أمد طويل؟
} وكما نعتقد بما هو اقرب الى اليقين، ان هناك منهجا امريكيا صهيوني - ماسونيا متكاملا لإحداث التغييرات، لكن تبدو طبيعية من جهة، وبحيث تكون الاوضاع العربية دائما فوق صفيح ساخن من جهة اخرى وقابلة للانفجار مجددا او مرشحة إلى الدخول في الفوضى بشكل توالدي مستمر كما قلنا او مهيأة للفتن الطائفية والعرقية والدينية من دون توقف، وجميعها لعب على القوانين او الأسس الديموغرافية العربية، اي ان أسسها موجودة في البلاد العربية، ولكن تلك «القابليات» المهيأة للانفجار الدائم وبما يبدو انه طبيعي يتم التلاعب بها، وقد تمت تغطيته جيدا ببريق والوان الشعارات، التي تتعطش لها معظم الشعوب العربية وشبابها كالتغيير والحريات والديمقراطية وغيرها، ولكن لأنه يتم استغلال حراك الشعوب من خلالها، ولأنها (مخرجات شيطانية) ظاهرها الجنة وباطنها الجحيم، وحيث كل شيء داخل في الحالة «الافتراضية» وفي عالم جنة افتراضي لم يتحقق من نعيمه اي شيء، وحيث الاحداث وقبل اي تحقق، مليئة بالفوضى والعبث والدم والموت والانتقام الهمجي والفتن، وكل ذلك مرشح إلى المزيد أو إلى الاستمرار لاحقا بسيناريوهات اخرى تحدثنا عنها في بداية هذا المقال، فان النتيجة في الدول التي تعتبر نفسها انها أنهت القسم الرئيسي من ثوراتها، لم ترشح بعد عن نهايات سعيدة، او بما يوحي بذلك، وليست مرشحة في القريب او البعيد إلى تحقيق الرفاهية والعدالة والديمقراطية النزيهة كما يعتقد الكثيرون، طالما ان كل عوامل الانفجار موجودة بداخلها، ووحدها التي قد يتم التلاعب الخارجي بها، ووحدها المرشحة إلى رسم الجغرافيا الجديدة للبلاد العربية، ورسم التقسيمات الديموغرافية معها، ورسم المستقبل المفتوح كما يبدو على الفوضى، ونتمنى ان تكذبنا الاحداث القادمة، بل نتمنى الا يصدق تحليلنا، وان تحقق الشعوب الجنة التي تحلم بها وثارت من أجلها.
وللحديث صلة أخيرة.