هوامش
تسع سنوات والعراق يدفع ثمن الجريمة
تاريخ النشر : الأربعاء ٢١ مارس ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
مرت هذا الشهر (مارس) الذكرى التاسعة لجريمة الغزو الأمريكية للعراق التي تمت بمشاركة وتعاون وتنسيق مع قوى إقليمية ودولية مختلفة كانت جميعها تقريبا منصاعة للضغوط الأمريكية أو تابعة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية على المستويين الإقليمي والدولي، وهي الجريمة التي تمت خارج نطاق الشرعية الدولية، واستخدمت لتنفيذها أنواع الأكاذيب كافة والترويج لحجج ليس لها في الواقع أي نسبة من المصداقية، كان حصيلة السنوات التسع التي تلت تلك الجريمة البشعة، مزيدا من التدمير لمقومات الشعب العراقي وثرواته الوطنية، ولكن أخطر الأَضرار التي تسببت فيها تلك الجريمة تكمن في تمزيق النسيج الوطني العراقي وتهيئة المناخ المناسب لخروج القوى الطائفية من قمقمها التي كادت أن تتسبب في اقتتال طائفي في المناطق السكانية العراقية كافة.
كان من الممكن أن يدفع الشعب العراقي أثمانا تفوق عشرات ومئات المرات التي دفعها حتى الآن منذ بداية جريمة الغزو، لو تمكنت القوى الطائفية التي خرجت من جحورها مع دخول جحافل الغزاة إلى أرض الرافدين، لو أن هذه القوى تمكنت من إشعال نيران الصراع المذهبي والطائفي، ذلك أن خيوط النسيج الوطني العراقي متداخلة ومتشابكة لدرجة أن العشيرة الواحدة بها أكثر من مكون مذهبي، فهذه الميزة شكلت عنصر ترابط وقوة لهذا النسيج حالت دون تفجر الصراع المذهبي والطائفي لدرجة الاقتتال الواسع بين هذه المكونات، وبقدر ما شكل هذا التداخل عنصر قوة في وجه محاولات إشعال الفتنة الطائفية في العراق، كان من الممكن أن تتسع رقعة الصراع لو نجحت القوى الطائفية في ذلك.
لم تدخر الولايات المتحدة الأمريكية كذبة إلا وساقتها لدعم توجهها نحو غزو العراق، وما سهل عليها مهمة تسويق هذه الأكاذيب أن القوى الإقليمية العربية وخاصة تلك المجاورة للعراق كانت هي الأخرى تدفع باتجاه تنفيذ تلك الجريمة، بحجة التخلص من نظام صدام حسين، وخاصة بعد احتلال دولة الكويت، وكانت القوى الإقليمية قد أخطأت في حساباتها السياسية حين اندفعت بقوة وراء الحجج والأكاذيب الأمريكية إذ لم تضع في حسبانها أن تداعيات غزو العراق وتدمير الدولة العراقية سوف تنعكس على أوضاع شعوب المنطقة كلها، وخاصة أن السموم الطائفية المنبعثة من ركام ما خلفته جريمة الغزو سوف تنتشر بكل تأكيد في أجواء دول الجوار، وهذا ما حدث بالتمام والكمال.
فأمريكا ليست معنية بالنتيجة المأساوية التي تسببها جريمة الغزو للعراق أو الحروب التدميرية التي تشعلها أو تتسبب فيها، فطالما أن هذه الجريمة تمكن أمريكا من وضع يدها على مفاتيح التحكم في الثروة العراقية ومواطئ قدم عسكرية وأمنية، والإدارات الأمريكية التي جاءت بعد إدارة بوش الأب التي نفذت الجريمة تتبجح بما تسميه «إنجازا» تاريخيا يتمثل في «تحرير» الشعب العراقي من النظام «الديكتاتوري» وإقامة نظام «ديمقراطي» تحدد صناديق الاقتراع فيه طبيعة النظام السياسي في العراق، لكن ما هو موجود في العراق ليس سوى نظام محاصصة طائفية أسهم في شل العراق وحال دون خروجه من وحل النتائج المأساوية التي أثمرتها جريمة الغزو.
فمواقف التقييم الأمريكية لجريمة غزو العراق لا تثير أي استغراب للعارفين بأهداف ونيات الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما يبعث على الاستغراب لدرجة السخرية، أن هناك من أيد جريمة الغزو وأسهم في ترويج الأكاذيب الأمريكية للتغطية على النيات الحقيقية من وراء حماسة الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط نظام صدام حسين رغم الخرق الصريح والفاضح للقانون الدولي، هؤلاء الآن «يبكون» صدام حسين و«يحنون» إلى النظام السياسي الذي صان العراق من الانزلاق نحو التجزيء الطائفي.
في الحقيقة أن مؤيدي جريمة الغزو والمشاركين في تنفيذها عسكريا وإعلاميا وسياسيا، الذين يبكون نظام صدام حسين حاليا ويتذكرونه، لا يفعلون ذلك نتيجة مراجعة ذاتية لما اقترفوه من أخطاء استراتيجية وقراءة سطحية صبيانية لما بعد تنفيذ الجريمة، وإنما يفعلون ذلك تحت وطأة انتشار موجة الطائفية التي تضرب المنطقة، وخاصة تلك المحيطة بالعراق حيث جرفت هذه الموجة العديد من القوى السياسية والدينية، فهي (الموجة) تحدد الموقف من الحكومة العراقية الحالية، سواء من جانب المؤيدين أو المعارضين لهذه الحكومة، لكن البكاء على النظام العراقي الذي اغتاله الغزاة الأمريكان والتأييد الواسع من قبل العديد من المتباكين حاليا، لن يعيدا للعراق وضعه السابق، ولكن هل يتعلم هؤلاء من تجربة العراق؟ لا يبدو ذلك حيث تكررت الأخطاء نفسها في ليبيا وهي تتكرر الآن في سوريا، وإن تحت حجج ومسميات مختلفة.