زيارة «المالكي» للكويت.. الأجواء والنتائج
 تاريخ النشر : الخميس ٢٢ مارس ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
هل يمكن أن تكون زيارة رئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» لدولة الكويت في يوم ١٤/٣ /٢٠١٢ بمثابة إعلان بداية مرحلة جديدة في العلاقات الكويتية العراقية؟ هذا السؤال شغل الكثير من المتابعين للعلاقات بين البلدين، التي تراوحت على مدار ما يزيد على العقدين، وبسبب غزو «صدام حسين» للكويت عام ١٩٩٠، ما بين العداء والقطيعة، وبين التوتر وعدم الاستقرار وغياب الثقة المتبادلة، وهو ما انعكس على مجمل الملفات والقضايا التي ظلت تبحث لها عن حل يرضي الطرفين خلال هذه الفترة.
ولا شك أن تلك الزيارة تعد خطوة تعكس وجود رغبة مشتركة من البلدين في طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات تكون أكثر تعاونًا، وبما يسهم في حل القضايا والمشاكل العالقة ويخدم المصالح المشتركة للشعبين.
فالزيارة التي تجيء استجابة لدعوة من رئيس الوزراء الكويتي الشيخ «جابر المبارك الصباح» تكشف عن المنحى الذي اتخذته العلاقات الكويتية - العراقية في السنوات الأخيرة، ذلك المنحى الذي اعتمد بالأساس على الزيارات المتبادلة للمسؤولين في البلدين (سواء من الوزراء أو الخبراء المعنيين بملفات العلاقات بين البلدين) التي توجت بزيارة الشيخ «ناصر بن محمد» رئيس الوزراء الكويتي السابق لبغداد في يناير من العام الماضي.
ولقد وصف رئيس الوزراء العراقي الزيارة بأنها تهدف إلى إيجاد حل نهائي لجميع المشاكل والمعوقات التي تسبب فيها نظام «صدام حسين»، وتعبر عن اهتمام الحكومة العراقية بضرورة تمتين وإقامة علاقات طيبة مع الكويت، والبحث عن أفضل الظروف التي تخدم الاستقرار والمصالح المشتركة بين البلدين.
هذا الوصف للزيارة يوحي بتبني العراق سياسة خارجية تعمل على حل جميع مشكلاته وفق السياقات والعلاقات الدبلوماسية والمصالح المشتركة، ويمكن اعتبارها بمثابة تدشين لخريطة طريق جديدة لعلاقات العراق الإقليمية، خاصة دول الجوار يدفعها سعي حثيث نحو عودة العراق مرة أخرى كعضو فاعل في المنظومة العربية.
وقبل الخوض في نتائج الزيارة والملفات التي تعرضت لها، ورؤية المراقبين لتأثيرها في العلاقات والعوامل التي تدفع كلا من البلدين إلى وجوب تحرك كل منهما في اتجاه الآخر، لابد أولاً من الإشارة إلى الظروف والأجواء التي أحاطت بالزيارة والتي تزيد وتعضد من أهميتها بالنسبة للبلدين، حيث إنها تأتي:
- قبل أيام قليلة من استضافة العراق للقمة العربية الـ٢٣ ببغداد؛ إذ تعول الحكومة العراقية كثيرًا على هذه القمة في أن تكون البداية الحقيقية لعودة العراق إلى ممارسة دوره العربي، باعتباره إحدى القوى الفاعلة في المنطقة، والتحرك في اتجاه الكويت سيكون مؤشرا إيجابيا على أن هناك عراقًا آخر أكثر تفاعلاً واندماجًا في محيطه الإقليمي، ونظرًا لما تحظى به الكويت من مكانة في المنظومة العربية الخليجية، مما سيساهم في إنجاح القمة العربية المزمعة.
- في وقت يمر فيه العراق بمرحلة جديدة، ولاسيما بعد انسحاب القوات الأمريكية منه بنهاية عام ٢٠١١، وهذه المرحلة بما أوجدته من واقع سياسي واقتصادي وأمني جديد من الممكن أن يؤثر في الكويت كدولة جوار للعراق تتطلب وضع الأساس لحوار وتفاهمات بين البلدين للتعامل مع أي مشاكل يمكن أن تترتب على ذلك الواقع الجديد.
- متزامنة مع ما تشهده المنطقة من عدم استقرار واضح، وذلك على خلفية ما يحدث في بعض الدول العربية من تطورات بدءًا من سوريا ومرورًا بليبيا وانتهاءً باليمن، وبالتالي فإن هذه التطورات وبحكم أن العراق سيرأس القمة العربية القادمة تتطلب أن يكون هناك تنسيق في المواقف إزاءها بين الدول المعنية بهدف بلورة توافق بشأنها خلال القمة.
- في وقت تتفاعل فيه أزمة الملف النووي الإيراني وتتصاعد فيه المخاوف من احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران؛ فرغم أن العراق تربطه علاقات جيدة بالولايات المتحدة وإيران، ورغم أن الكويت تربطها علاقات تحالف قوية مع الولايات المتحدة، فإن أي تصعيد يخص البرنامج النووي الإيراني (سواء من جانب أمريكا أو من جانب إسرائيل) سيلقي بتداعياته الكارثية على دول المنطقة كافة، وهو ما يتطلب تعاونا جادا من جميع الأطراف من أجل تجنيب المنطقة أي تصعيد يمكن أن يقود إلى انهيارها.
- في وقت بدأت تتفاعل فيه مشكلة جديدة انضمت إلى جملة المشاكل العالقة بين الجانبين، ألا وهي مشكلة ميناء مبارك الكبير الذي تنشئه الكويت بجزيرة «بوبيان»، ويرى العراق أنه سيؤثر بالسلب في الموانئ العراقية الواقعة على الخليج العربي، وهو ما ستكون له اثاره الضارة في الاقتصاد العراقي.
أيضًا يستشعر الجانبان ضرورة التحرك الجاد والإيجابي لحل الملفات العالقة، والجانب العراقي تحديدًا يسعى للخروج من تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يرى في خضوعه له مساسًا بسيادته (على موارده) وذلك بالعمل على حل ملفي التعويضات والديون، فضلاً عن ملفات أخرى كالحدود والآبار النفطية المشتركة والمياه الإقليمية ووضع شركة الخطوط الجوية العراقية.
ورغم تعدد القضايا ومجالات الاهتمام كان من الواضح أن تركيز المباحثات بين «المالكي» وكبار المسؤولين الكويتيين انصب على القضايا والملفات العالقة بين البلدين منذ تحرير الكويت حتى الوقت الراهن، حيث تم خلال الزيارة الاتفاق على تسوية بعضها، ووضع الأطر الكفيلة بحل بقية القضايا والملفات في سياق مسارات متفق عليها ووفق حدود وسقوف زمنية.
وبإلقاء نظرة سريعة على أبرز النتائج التي تمخضت عنها المباحثات سنجد الآتي:
أولاً- تم الاتفاق على حل مشكلة الخطوط الجوية العراقية في مقابل ٥٠٠ مليون دولار يقدمها العراق، بحيث يدفع ٣٠٠ مليون دولار نقدًا للكويت والــ ٢٠٠ المليون الباقية لتأسيس شركة طيران مشتركة، وذلك نظير وقف الكويت إجراءات قانونية ضد الخطوط الجوية العراقية، حيث كانت قد استصدرت قرارًا عن محكمة بريطانية حجزت بموجبه طائرات وممتلكات الخطوط العراقية لتعويضها عن استيلاء «صدام حسين» على طائراتها عام ١٩٩٠، مما تسبب في منع الشركة العراقية من التعاقد لشراء طائرات جديدة.
ثانيا- تم الاتفاق على تفعيل عمل اللجنة المشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين وبعضوية وزراء المالية والنقل وحقوق الإنسان، لبحث كل القضايا الشائكة؛ إذ من المقرر اجتماع اللجنة بعد القمة العربية للانتهاء من كل الملفات العالقة التي لم يتم الاتفاق عليها في محادثات «المالكي» وأمير الكويت؛ حيث أكد الجانبان أن بقاء هذه الملفات عالقة ليس في صالحهما ويجب حلها.
ثالثا- بحث الجانبان التعاون النفطي في حقلي الرتقة وصفوان الحدوديين وتنظيم الخدمات الجوية بين البلدين، وسبل تنشيط التبادل التجاري، وأيضًا منع التجاوزات البحرية من قبل الصيادين، علاوة على الأوضاع القانونية لاستعادة وحرية التصرف في الممتلكات الخاصة للمواطنين الكويتيين في العراق، والملف الأخير عالجته الحكومة العراقية قبل الزيارة ؟ كدليل على حسن النية ؟ حين قررت السماح للكويتيين من مالكي العقارات في العراق بالتصرف في أملاكهم ما لم يكن هناك مانع قضائي أو قانوني شريطة مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل.
رابعا- رغم تأكيد الكويت سابقًا أن مسألة إنشاء ميناء مبارك تعد أمرًا سياديٌّا غير خاضع للنقاش، فإنها ترفض الإساءة لأية دولة، خاصة دول الجوار، وبالتالي فإن إقامة أي مشروع على الأراضي الكويتية تتم دراسته جيدًا من مختلف جوانبه الفنية للتأكد من عدم تأثر دول الجوار بهذه المشاريع، وهو ما تم بمشروع مبارك الكبير الذي سبق أن حضر وفد فني عراقي إلى الكويت واطلع على تفاصيله.
خامسا- الزيارة لم تحسم قضيتي الديون والتعويضات، وجرى الاتفاق على بحثها على طاولة المفاوضات، حيث توجد توجيهات بالذهاب إلى الأمم المتحدة بعد الاتفاق بين الطرفين حولها.
وبالنظر إلى رؤية المحللين للنتائج التي أفضت إليها الزيارة يلاحظ أنهم انقسموا إلى فريقين.. الأول: يرى أن الزيارة فشلت؛ لأنها لم تتعد كونها محاولة لتحقيق مكاسب سياسية، في حين أن المشاكل الأساسية لم تحل وأزمة الخطوط الجوية العراقية التي تمت تسويتها تعد مشكلة ثانوية جدا قياسا بالمشاكل الأخرى التي تعرقل العلاقات، فالكويت لم تتنازل عن الديون وتعويضات الحرب ولا يعقل التنازل عنها بزيارة خاطفة لمدة يوم واحد، وأيضًا لم تكن هناك نتائج ملموسة لموضوع الحدود.
ويعبر البعض عن مخاوف عراقية من أن تكون حكومة «المالكي» في طريقها لتقديم تنازلات على حساب العراق ومياهه الإقليمية لصالح الكويت، مقابل التطبيع وترسيم الحدود بحجة أن ذلك لا يرضاه الشعب العراقي.. فتسوية الخطوط الجوية العراقية مقابل تثبيت صيانة العلامات الحدودية من وجهة نظرهم ثمن بخس من الكويت مقابل ما يقدمه العراق، كما أنه ليس من صلاحيات الحكومة الموافقة على الاتفاقات من دون الرجوع إلى البرلمان.
أما الفريق الثاني، فيرى أنها زيارة ناجحة، ورغم ذلك فإنه يتفق مع الفريق الأول على أن زيارة واحدة وليوم واحد لن تكون كافية لحسم ملفات كثيرة، فالحوار أمر ضروري مع الكويت، ومن مصلحة الشعب الكويتي أن يكون العراق مستقرا.
أيضًا يرى هؤلاء أن الزيارة مهمة؛ لأنها يسرت العلاقات ووضعت تفاهمات على مستوى عال بين البلدين، وكان للصراحة في الحديث دور في إزالة بعض من سوء التفاهم، وبحسب قول مسؤول عراقي: «العراق خرج من الحظيرة العربية بسبب الكويت، ويعود كرئيس للقمة العربية من بوابة الكويت من دون أن يقدم تنازلات أو يقوم بتسويات، ومسألة الخطوط الجوية العراقية كانت ضرورية ليتحرك العراق بذراعه الجوية إلى العالم».
ويذهب البعض إلى أن ما اتفق عليه «المالكي» مع الكويتيين لم تكن فيه مساومات بزعم أن النظام العراقي ديمقراطي ورئيس وزرائه لديه صلاحيات تنفيذية، بينما التصديق على أي اتفاق يكون من قبل البرلمان.
وبعيدا عن رؤية المحللين لنتائج الزيارة، فإنه مهما كان حجم الإنجاز المتحقق، فهو يعد بمثابة خطوة جيدة في هذا التوقيت على طريق إيجاد حلول للمشاكل والملفات العالقة بين الجانبين، فتحسن العلاقات سيكون بالضرورة لصالح البلدين ولصالح استقرار المنطقة.. وليس من قبيل المبالغة القول إن الدوافع لتحسين العلاقات تتجاوز حل المشاكل العالقة الذي سيكون لصالح الطرفين؛ حيث إن لكل طرف دوافعه الخاصة في هذا المجال.
فبالنسبة للكويت.. فإن من مصلحتها استقرار العراق سياسيا، وذلك من خلال وجود حكومة قوية وشرعية قادرة على إنجاز المصالحة الوطنية بين طوائف شعبه وقواه السياسية، والحفاظ على وحدته والتصدي لدعاوى التقسيم، التي يمكن أن تلقي بتداعياتها على دول الجوار ومنها الكويت.
من مصلحة الكويت أيضا استقرار العراق أمنيا، خاصة أن حالة عدم الاستقرار الأمني التي عاناها طويلا ومازال وعدم قدرته على ضبط حدوده ستنعكس بالسلب على أمن الكويت في صورة اختراقات من جانب عصابات تهريب السلاح والمخدرات وكذلك المتسللين من العناصر الإرهابية التي تستهدفها.. أيضًا تحرك الكويت في اتجاه العراق يحقق مصلحة عربية وذلك لموازنة النفوذ الإيراني بهذا البلد في إطار توجه عام يسعى لتأكيد الوجود العربي فيه.
المقابل لا تقل أهمية دوافع العراق لتحسين العلاقات عن أهميتها بالنسبة للكويت، فبغداد ترغب في تجاوز ميراث ما يزيد على العقدين من العداء والتوتر بسبب غزو «صدام حسين» واحتلاله للكويت، وأيضًا ترغب - كما سبقت الإشارة ؟ في استعادة دورها العربي وعلاقاتها العربية التي تأثرت كثيرًا نتيجة للغزو، فضلا عن محاولة الاستفادة من القدرات التمويلية والاستثمارية الكبيرة التي تتمتع بها الكويت في إقامة وتمويل مشاريع تنموية والمشاركة في جهود إعادة الإعمار.
وإذا كان تحسن العلاقات الكويتية ؟ العراقية يخدم مصلحة البلدين، فإن مقتضيات الحفاظ على هذا التحسن تتطلب من العراق أن يتجنب ما يمكن أن يعكر علاقاته بدول مجلس التعاون الخليجي، فالتصريحات الاستفزازية التي صدرت عن بعض السياسيين والمسؤولين العراقيين ومنهم «المالكي» نفسه في حق بعض دول الخليج وتحديدًا البحرين والسعودية لم تكن مقبولة من دولة الكويت بكل أطيافها، وبالتالي على العراق أن يكون حريصًا على تجنب إثارة قلق ومخاوف جيرانه من دول الخليج إذا كان حريصًا بالفعل على استعادة دوره ومكانته العربيين، فإقامة جسور الثقة أمر مهم ولمصلحة العراق نفسه لأن جيرانه الخليجيين يمكن أن يساهموا في حل الكثير من المشاكل التي يعانيها على مختلف الأصعدة.
.