الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير


الربيع العربي وأمريكا: 5 - لماذا البحرين المدخل للتغيّر الاستراتيجي الكبير؟

تاريخ النشر : الخميس ٢٢ مارس ٢٠١٢

فوزية رشيد



} أول مرة تضطرب المنطقة العربية برمتها كل هذا الاضطراب. هل قال أحدهم إن ما يحدث اليوم سيكون في نتائجه شبيها بنتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية، من حيث حجم المتغيرات الاستراتيجية في العالم؟ اذا كان هذا صحيحا، فهل ثمار تلك المتغيرات الاستراتيجية ستقطفها أيضا الدول الكبرى وعلى رأسها اليوم الولايات المتحدة الامريكية، وحيث برز نجمها تحديدا بعد الحرب العالمية الثانية؟
نتحدث عن قطف الثمار، بمعنى التدخل في تحديد وتوجيه المآلات والنهايات للمتغيرات الناتجة عن احداث ما يسمى الربيع العربي، لما هو في صالح الدول الكبرى وحدها، وهي النتائج التي تتجه شيئا فشيئا الى الوراء، وكما شرحنا في المقال السابق، وعلى عكس طموح الشعوب العربية الحالمة بجنة العدالة والرفاهية مثلما هي تسير الى الوراء بالنسبة إلى الأوضاع القابلة للانفجار في الدول العربية، والا لماذا دربت الولايات المتحدة، وعلى يد صهاينة واسرائيليين الشباب العرب من كل التيارات بما فيها (الاسلام السياسي) وموّلت المؤسسات المدنية وكوادرها؟ ولماذا كل هذا الدعم الاعلامي، بل الضغوط والتدخلات الفجة والوقحة؟
هذا اذا وضعنا جانبا حراك المنظمات السرية «الماسونية» التي تعمل في الخفاء، وتدير عبر الحكومة الخفية الكثير من احداث العالم، ولماذا الترويج الامريكي لعبقرية النموذج العراقي ورغم كارثيته وحيث الترويج له على خلاف العقل والمنطق والبصيرة بل البصر؟
} بل لماذا هذا التناقض الامريكي مع شعارات المدنية والديمقراطية والحريات، حين هي تشجع التيارات الغريبة والدخيلة على المنطقة كتيار ولاية الفقيه في الخليج مثلا، وتساعد بقوة صعود الاسلام السياسي في بلدان عربية اخرى، وبما يتناقض مع كل ما كانت تعلنه من عداء لبلد هذا التيار وأمثاله؟ هل لأهداف مستقبلية خبيثةّ؟ وللتوضيح نحن لسنا بأي شكل ضد صعود اي تيار وطني اسلامي، غير طائفي في البلدان العربية، ولكن ضد ان يتم استخدامه امريكيا أو خارجيا، لزرع فتن مستقبلية، كما المنظور الامريكي على ارضية تحريك كل التيارات المخالفة الاخرى للتيار الاسلامي السياسي، سواء اخوانا أو سلفيين، بجعلهم حين وصولهم إلى السلطة بؤرة صراع ديني مضاد (المسيحيون العرب) او صراع طائفي مضاد.
واضح، وأمريكا التي تجتهد بكل وسائلها في خلق بؤر الصراع والفتن لماذا تفعل كل ذلك؟ ولماذا تستغل التطلعات الشعبية الطبيعية نحو الافضل لتبتز بها الشعوب والانظمة العربية، وخاصة السائرة بشكل طبيعي في تحقيق الديمقراطية والإصلاح، وفي تطور طبيعي أيضا.. والبحرين نموذجها؟
ولكن لماذا كل هذا الخلط في الأوراق؟ هل لأن اللعبة الكبرى قائمة على ذلك بالاساس؟ وهل لأن الفوضى الخلاقة، حسب التسمية الامريكية التي اعلنتها مرارا، هي المحرك الرئيسي للأحداث الجارية اليوم في المنطقة العربية، على وقع الطموحات الشعبية؟
} بعيدا عما نراه بما يخص دول ما يسمى الربيع العربي، فان البحرين تحديدا لها وضع استثنائي لا يشبهه وضع اي دولة عربية اخرى، ولعل احداث البحرين، للمفارقة، هي بشكل فاضح واكثر من غيرها بالطبع، كشفت حقيقة الطبخة المسمومة، واللعبة القذرة، ومراحل الاستراتيجية الامريكية المرسومة التي كانت متسترة خلف مائة ستار، ومتغطية بالدثار الدبلوماسي المراوغ والماكر، ومتدرجة على مهل منذ صدمة استخدام الورقة النفطية «سعوديا» في حرب 1973، لتواصل غموضها لدى الكثيرين مع حرب تحرير الكويت بعد وقوع صدام حسين في الفخ المرسوم له، ثم لبس الاقنعة كافة لاحتلال العراق وتدميره باستخدام العرب انفسهم ضد مستقبلهم المفترض ورسم مستقبل عزلهم في ظلام الاروقة الماسونية والصهيونية، ولنصل معا في العالم كله الى تعقيدات الخديعة الكبرى مع احداث سبتمبر، ولينكشف الوجه الحقيقي في كل تلك الاحداث ولتسقط كل الاقنعة دفعة واحدة في البحرين، مع ما يسمى الربيع العربي، والاقحام المريب لها على خط احداثه، رغم الاصلاح والديمقراطية اللذين بدآ قبل عقد من الزمن فيها، ورغم الإشادات الأمريكية المتواصلة بهما. هل كان كل ذلك من أجل اقحام المنظمات الامريكية المسيسة لاختراق الوضع في البحرين، والاستفادة من الانفتاح البحريني لتفعيل منظماتها المشبوهة داخل نسيج المؤسسات المدنية، واصطياد الشباب وتدريبهم وخاصة من طائفة بعينها، استعدادا لمرحلة «الربيع العربي» الذي هو حسب التصور الامريكي اشعال فتيل الفوضى الخلاقة التي طالما بشرت بها دول المنطقة؟ عموما هذا ما حدث في البحرين على ارض الواقع.
} ورغم ان الشعوب العربية تعتقد والى اليوم انها اللاعب الاساسي في الأحداث ومحركها بشكل طبيعي، فإن الماكر المتربص بها، والمساهم في التدريب عليها، والمنتظر لقطف ثمارها، يبدو انه هو الذي يلعب وبقوة من تحت الطاولة او فوقها، وتحت وطأة استراتيجيته العالمية المثقلة بتوجيه ورسم المسارات والمآلات والنهايات لكل تلك الثورات وللمنطقة، الا ان كامل هذا المكر والتربص والخبث وظهور الوجه الحقيقي لم ينكشف الا في الاحداث البحرينية تحديدا، والدور الامريكي في تلك الأحداث، لأن البحرين ورغم صغر حجمها، ورغم تخلف وثيوقراطية ما يسمى معارضتها، هي وحدها البؤرة الغرائبية التي تداخلت وتشابكت فيها كل آليات العمل والمخطط الامريكيين والاقليميين، واتضحت فيها احابيل المنظمات الدولية ونفاقها الحقوقي، وبرزت فيها كل آليات التشابكات الاستراتيجية والتكتيكية والسياسية والدبلوماسية على وقع التناقض الامريكي ونفاقه السياسي، والدعم المكشوف للقوى الطائفية، ومحاولة تكرار سيناريو (زواج المتعة) بينها وبين الجارة الاقليمية المتهورة كالذي حدث في العراق، وتبيان حجم الغدر الذي اتضح منها تجاه الانظمة الخليجية ومنها البحرينية، التي كانت تعتد بها باعتبارها الصديقة والحليفة، وكيفية استغلال منظماتها المشبوهة في التدخل في الشئون البحرينية وممارستها كل اشكال الابتزاز والضغوط، وتحريكها السافر لسفارتها في اشاعة الفوضى واللقاءات السرية بجمعية وكوادر «الولي الفقيه» وبما لا ينتهي من اظهار كل الوجوه القبيحة لتسقط معها معظم الاقنعة، إن لم تكن كلها في البحرين تحديدا.
× بل إن في احداث البحرين اتضح ان المسألة قط لم تكن بالنسبة إلى أمريكا هي الديمقراطية أو المدنية او الحريات، لأن أمريكا في هذه الاحداث تحديدا باعت كل ذلك، بل قايضت على كل ذلك، لتدعم تيار «الولي الفقيه» اللامدني واللاديمقراطي والديكتاتوري والنقيض لكل الحريات، رغم ادعائها بالعداء المطلق لنموذج الاصل في ايران.
أي ان البحرين من خلال الموقف الامريكي من احداثها ومحركها «الطائفي» كشفت حقيقة اللعبة القذرة التي تلعبها الادارة الامريكية في بلدان الحدث كلها، التي لا تخرج في النهاية عن خط جر البلدان العربية الى الفوضى أو الى الخلف، ومهما كان بعدها بريق شعارات ادواتها الداخلية المعمول عليها بجهد كبير في (الفريدوم هاوس) من حيث التدريب والتمويل والدعم الاعلامي والسياسي والحقوقي، وبكل نفاق ومكر واحتيال، يتلبس التدريب على الديمقراطية المدعاة.
} الاحداث في البحرين والعين على السعودية، هذا هو مفتاح التغيير الاستراتيجي الكبير الذي تريده الولايات المتحدة، وحيث نقل الفوضى والازمة الى السعودية، يحقق غايات التقسيم الذي بشرت به مراكزها الاستراتيجية الكبيرة، ليتم التحكم الكامل في الخليج، بعد سقوط العراق، باعتبار ان «السعودية» الثقل الاكبر فيه وفي العالمين العربي والاسلامي ولأسباب كثيرة ومختلفة، سيكون لنا حديث لاحق في تفصيله، ومن يتحكم في الخليج العربي والعراق، يتحكم في العالم كله خاصة بعد وضع اليد على الثروتين النفطيتين العراقية والليبية ومحاولة اللعب بالمصير المصري وغيره، ولهذا ليس بمستغرب تشجيع تيار «الولي الفقيه» بما يدعم شكوك محاولة تكرار ما حدث في العراق ليحدث في الخليج العربي كله، وحيث التنافس الايراني - الامريكي على دعم هذا التيار يبز بعضه بزا كبيرا، هكذا تصبح البحرين اليوم بؤرة (حرب الوكالات) التي تتصارع فيها امريكا أساسا ودول غربية كبرى ومعها دول اقليمية، وحيث البحرين هي بالنسبة إليها، رغم اختلاف المصالح، مدخل التغيير الاستراتيجي الكبير، الذي تفوق اهميته كل المتغيرات التي حدثت في دول عربية اخرى، وحيث لا يقابله في الاهمية الا مآلات ونهايات الحدث السوري، الذي جاء كما يبدو على غير توقع كل تلك الدول المتصارعة، وحيث الولايات المتحدة الراسم الأساسي لخريطة التقسيمات والتشرذم والفوضى العربية.