أفق
خطأُ المركز
تاريخ النشر : الخميس ٢٢ مارس ٢٠١٢
عبدالله خليفة
الكثيرون ينتقدون حزبَ الله بشكل قاس هذه الأيام، وينسون تضحيات مناضليه.
الكثيرون ينسون أنهم حين كانت القيادة السوفيتية تحدد مصير الصراع (المبدئي) كان الآلاف يُقتلون في فيتنام، وكان من الممكن عرض تسوية والنضال البعيد المدى والسلمي من دون هذا الخراب الهائل في فيتنام.
ولايزال أناسٌ يقبلون بموقف كوبا والحكومة التي أخذت المليارات عبر العقود وهي قد صارت في التنمية الرأسمالية في خاتمة الشمولية.
في حزب الله وفي مناطق أخرى اشتغلت الحكومةُ الإيرانية على تأجيج الجماعات المؤمنة بخطها المُصور كصراعٍ ديني مبدئي يرتبطُ بالعقيدة ومن لا يؤمن به يخرجُ من الدين عبر ضخ جماعات كثيرة من رجال الدين، كما أنه يتوجه لمقاومة قوى معادية كالصهيونية لا عرب يقفون معها.
لكن دعوة الحكومة الإيرانية لم تقم على أساس إسلامي توحيدي للأسف، فقد قامت على دعوة طائفية ممزقة للمسلمين وللمسيحيين ولكل العرب والمسلمين عامة، فتأججتْ عبر مرتكزات ضيقة، قادت إلى صراعاتٍ حادة داخل الدول الإسلامية، وجعلت قوى عربية وإسلامية تنأى عن هذه الدعوة السياسية النضالية في مبدئها، وتتجه لتأييد دول الغرب وتشكل حياداً مع الصهيونية!
لم يحدث تراكم ديمقراطي طويل في إيران وقفزت الدكتاتورية الدينية العسكرية وفرضت أجندتها على الحركات والمرجعيات المؤمنة بمذهبها وأخذت طوائف وجماعات في اختطافٍ تاريخي خطر.
لو أن الدعوة الإيرانية اعتمدت على النصوص القرآنية في توحيد المسلمين، وتجاوز مسألة الطوائف، لأنتجتْ ظواهر مختلفة عن التي نراها الآن.
في المركز، في العاصمة السياسية، تتشكل دكتاتورية، كالمركز السوفيتي، والبعثي، والقومي، والناصري، والكوبي، وهذه الدكتاتوريات تعجزُ عن تشكيلِ ديمقراطية في بلدها، والقبول بمراقبة الناس، وتخافُ منهم، فتوجهُ الأنظارَ نحو الخارج، ونحو المعارك مع الامبريالية ونحو الصهيونية وتجعل من هذا حالةً حادةً عاطفية متشنجة، وتقنع أناساً كثيرين في بلدان أخرى بهذه الحالة التي تعيشها ولا تريد أن تتوجه الأنظار لممارستها الداخلية، وتجندُ نخباً مصطفاة لهذا الغرض، تقومُ فيها النخبُ بتعميق هذه النظرة ونشرها في البسطاء والفقراء الذين يجدون بمستوى وعيهم أن الاستعمار والرجعية والصهيوينة لابد من محاربتها وهزيمتها، ولكن لا يدركون أن المسألة أعمق من هذا التبسيط.
وانهم يقومون على العكس من ذلك بتمزيق بلدانهم ومنع تطورها النضالي الديمقراطي الحقيقي. وهم مع هذا شرفاء وأنقياء ويُقتلون ببسالة ويضحون لتأتي تضحياتهم للمزيد من التمزيق والتخلف.
المركزُ يشكلُ حالةَ استلابٍ كبرى في الوعي، لأنه يقومُ على قضية لا خلاف فيها، المركزُ السوفيتي يقوم على الصراع ضد الاستغلال والامبريالية، وهي قضية شريفة، لكن بأدوات غير ديمقراطية، ويؤسس أحزاباً شمولية تعجز عن النضال الديمقراطي العميق، والمركزُ المصري الوطني أوجد هبات نضالية عبر مركزية شمولية انقلبتْ ضد أهدافه، مثلها مثل الدعوة الشمولية الإيرانية وكيف تقود إلى عكس ما تريده، وتقومُ بمساعدة التغلغل الاستعماري في منطقة الخليج خاصة، ودعوة الأساطيل وقوى الحرب الغربية الهائلة للدخول بين المياه والجزر والشواطئ العربية والإيرانية المشتركة مهددةً كل حياة.
هذا بالضبط ما فعله صدام حسين من (نضالية) وكيف خربَ المنطقة وكيف جلب القوى الغربية واستنزف موارد بلده وجيرانه.
وفي نهاية هذه الأنظمة الاستبدادية تعود حياة الشعوب إلى الوراء ويستفيد الغربُ وشركاته من هذه الحفلات الدموية، ويظهر أناسٌ متطرفون جددٌ يدعون للتصدي للامبريالية وتشكيل معسكرات الحروب ويساعدهم الغرب وإسرائيل على هذه اللغة الحماسية (الثورية) ويستغلانها ويعيشان على خرابها ويوسعان عملاءهم داخلها، ويبحثان عن متطرفين جدد.
هنا يجري الاعتماد على أناسٍ شرفاء وقواعد شعبية مناضلة بسيطة الوعي متحمسة، لا تدرك خطورة ما تقوم به، حتى تأتي القيامة الدنيوية الحادة وينتهي النظام(الثوري) الزائف وتتكشف الحقائق ولكن الوعي السياسي المعلب القادم من الخارج المهيمن لا يعترف بالحقائق الموضوعية في أثناء شحن المركز له.
وخطورة المركز الإيراني كبيرة وفادحة فتطوره الديمقراطي العقلاني سيكون مكسباً هائلاً للشعوب الإيرانية والعربية على وجه الخصوص لكن استمراره في شموليته المغامرة هذه لن تؤدي إلا إلى كوارث رهيبة على البشر وضحايا أكثر من هؤلاء الفقراء البسطاء وإلى حطامٍ مخيف، والأمرُ لم يفلت بعد والكارثةُ لم تحل رغم الكثير من الزوابع الدامية المدمرة التي نشرها في بلده والبلدان الأخرى، والشعوب قادرة بنضالها الديمقراطي في دول المنطقة كافة على التعاون والنضال من أجل السلام والتقدم ودرء الخطر الرهيب.