قضايا و آراء
في كنف عاصمة الثقافة وفي رواق «صاحبة الجلالة»
تاريخ النشر : الخميس ٢٢ مارس ٢٠١٢
كان حدثا أكثر من مميز وأزيد من رائع حين دعيت إلى أصبوحة تدشين أول أرشيف للصحافة الوطنية البحرينية بمركز عيسى الثقافي، وكنت ممثلا عن مجلة «المواقف» الأسبوعية التي أسسها والدي الشهيد عبدالله المدني في سبتمبر من عام 1973 برعاية صاحب فكرة الأرشيف الوطني ورئيس أمناء مركز عيسى الثقافي سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة الذي حول أحلام المثقفين والدارسين والمهتمين والصحفيين والباحثين والعاملين في مجال التوثيق والمكتبات ومراكز المعلومات والبحوث في البحرين وخارجها بالإضافة إلى الجمهور بتكوين أرشيف خاص للصحافة الوطنية منذ نشأتها في عام 1939 إلى واقع ملموس، ويجيء ذلك تزامنا مع اختيار البحرين عاصمة للصحافة والثقافة العربيتين لعام .2012
ساعة كنا فيها في ضيافة «صاحبة الجلالة» مع من بقي من الرواد مثل الصحفي القدير الذي يلقب بشيخ الصحفيين أو عميدهم في البحرين علي سيار مؤسس مجلة «صدى الأسبوع» ؟ أطال الله عمره - وأبناء رواد الصحافة البحرينية وبناتهم ؟ وبعضهم امتهن الصحافة - وكل المهتمين والمعنيين بالصحافة المحلية، في رواق ضم المرة الأولى أرشيف الصحافة الوطنية بمركز عيسى الثقافي باعتباره ثروة لا تقدر بثمن، تمثلت في 29 عنواناً تشمل الصحف البحرينية المتوقفة والجارية، وتمثلت في 13 جريدة، و16 دورية، و1393 مجلدا تضم الصحف وتحتوي على عشرات الآلاف من أعداد تلك الصحف التي تم جمعها وترتيبها وتنظيمها، وتصدرت الأرشيف أول صحيفة صدرت في تاريخ البحرين وهي (البحرين) التي أسسها المرحوم عبدالله الزايد في عام 1939 بالإضافة إلى الصحف التي صدرت في الخمسينيات من القرن العشرين كصوت البحرين، والخميلة، والقافلة، والوطن، والميزان، وصحف الستينيات مثل جريدة الأضواء، ومجلة صدى الأسبوع، والسبعينيات مثل مجلة المواقف 1973، وجريدة (أخبار الخليج) التي تعد أول جريدة يومية تصدر في المملكة في عام 1976، وجريدة (الأيام) من عام 1989 حتى عام 2002 و22 مجلداً من جريدة (الوسط) الصادرة عام 2002 وهي أول جريدة يومية تصدر في عهد صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، وجريدة (الوقت) من العدد الأول الصادر في 21 فبراير 2006 حتى آخر عدد صدر في 2 مايو 2010 ومئات الأعداد من مجلة (هنا البحرين)، فيما تزين الرواق بصور رواد الصحافة البحرينية ونبذات قصيرة عن حياتهم من المرحوم عبدالله الزايد الذي أسس أول صحيفة في البحرين إلى الشهيد عبدالله المدني الذي أسس أول مجلة خرجت للنور بعد استقلال البحرين في عام .1973
وما ان افتتح سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة الأرشيف الوطني وأخذ جولة في أركانه مستمعا إلى شرح الدكتور منصور سرحان عن محتوياته حتى توزع الحضور كل يفتش في ركن كأنهم يبحثون عن كنز دفين، أما أنا فقد اتجهت مباشرة إلى مجلة (المواقف) الأسبوعية وطالعت العدد الأول الذي حوى رصدا دقيقا لـ «سنة الطبعة»، التي حدثت في سبتمبر 1973، وطالعت عدد «اغتيال الملك فيصل» رحمه الله في عام 1975، وآخر مقال لمؤسس المجلة، وأول عدد بعد اغتياله، ثم رحت أقلب صفحات (أخبار الخليج) في عام 1976 وقرأت فيها متابعة لاغتيال رئيس تحرير مجلة (المواقف) وتطورات تلك القضية، كما قلبت في صفحات (صدى الأسبوع) وتابعت سريعا بعض المعارك الصحفية لرئيس تحريرها وعناوينه المثيرة ومقالات الصحفي عقيل سوار، ورأيت مقالات المرحوم محمود المردي (على مسئوليتي) في جريدة (الأضواء) التي كانت تولي الجوانب الثقافية اهتماما كبيرا، كما تصفحت مجلة (المسيرة) وطالعت عناوين الأستاذ خليفة قاسم الجادة منها والساخرة حيث كانت تمثل بصمة مميزة في الصحافة البحرينية حينها، وفي رواق صاحبة الجلالة دارت أحاديث عن الصحافة والثقافة وأهمية ذلك الأرشيف بيني وبين إخوة وأخوات بحرينيين وعرب يزورون البحرين عاصمة الثقافة العربية .2012
وإذا كان هذا الأرشيف يشير إلى جهود سمو الشيخ عبدالله والطاقم الذي يعمل معه على تنفيذ فكرته في المركز، فإنه يشير كذلك إلى وعي الناس الذين شاركوا المؤسسات والمكتبات العامة في تزويد المركز بأعداد من مجلات وصحف ومطبوعات صدرت خلال العقود المختلفة من تاريخ البحرين كي يكون الأرشيف هو الحاضنة الأساسية لتراثنا الصحفي ومصدرا مهما في كتابة البحوث والدراسات المتعلقة بالمملكة والمنطقة، وان مساهمة الناس في هذا الأرشيف تجعل ثراءه قابلا للزيادة وفائدته أعم، فهناك الكثير من الأشخاص والعائلات تمتلك مطبوعات وكتبا مخطوطة ومطبوعة ومقتنيات لا تتوافر في المركز ولا في غيره من المكتبات ومراكز مصادر المعلومات في المملكة، وتزويد هذا المركز بها أو على الأقل بنسخ منها من شأنه أن يحافظ عليها من التلف والضياع لما يتوافر للمركز من إمكانات للحفظ الورقي والإلكتروني وإتاحتها لأكبر عدد من الناس من خلال موقع المركز الإلكتروني.
لكن، ثمة ما يبعث على الحزن ونحن في حضرة صاحبة الجلالة، انه تحول صحفنا ومجلاتنا المحلية التي كان لها دور بارز في العقود الماضية على مستوى المنطقة إلى مجرد أرشيف، في حين كنا نود أن تبعث هذه الصحف من جديد لتؤدي دورها الوطني.