الجريدة اليومية الأولى في البحرين


زاوية غائمة


ضاعت راحة البال

تاريخ النشر : الخميس ٢٢ مارس ٢٠١٢

جعفر عباس



حتى قبل بضع سنوات كان الواحد منا بحاجة إلى واسطة لتركيب تلفون عادي في بيته، وكان التلفون يرن في اليوم ثلاث أو أربع مرات، ثم صرنا قادرين على مخاطبة أفراد أسرتنا محليا، وأصدقائنا في هونولولو وبورتو ريكو دوليا، ونحن نقود سياراتنا التي كل شيء فيها يعمل أتوماتيكيا، الأبواب تغلق نفسها، ومصابيح السيارة تطفئ نفسها، وفي الأسواق حاليا سيارات أمريكية وألمانية ويابانية قادرة على ان تحشر نفسها بنفسها في مواقف السيارات المزدحمة، يعني لا تحمل هم كيف تصُفّ أو توقف سيارتك بين سيارتين في شارع أو موقف سيارات مزدحم، لأن السيارة تتحرك تلقائيا وتقوم بمناورات لتقف من دون ان تصطدم بأخرى، كما أنها قادرة على إخراج نفسها من ذلك «الموقف البايخ»، وسيكون الإقبال النسائي عليها كبيرا، فلا شيء يزعج النساء مثل إيقاف السيارة في الباركنج وإخراجها منه! وفي البيت يستطيع فرن المايكروويف تجهيز أجعص وجبة في ربع ساعة، أما اذا كنت تعتقد انك غير قادر على الصبر على الجوع ربع ساعة، فان المطعم يقوم بتوصيل الوجبة إلى بيتك خلال 20 دقيقة!!.. وفي المدرسة فإن الحاسبة الالكترونية تعينك على حل اعقد المسائل الحسابية خلال ثوان بعد أن انتهى عصر: سبعة زائد ثمانية يساوي 15 معانا واحد... ورغم ان حياتنا صارت سهلة فانها صارت اكثر قلقا، ويا ويلي مثلا إذا لم أردّ على مكالمة من زوجتي على الهاتف الجوال، ربما لأنني لم أسمع أنينه أو رنينه بسبب الكلام الفارغ المتدفق من متحاورين عربيين في إحدى الإذاعات، احدهما يوصف بأنه «كافر»، فيصف بدوره الثاني بأنه «ظلامي استئصالي»، أو لأنني نسيته في مكان ما، وسبب غضب ام الجعافر هو انها تصبح قلقة عليّ عندما لا أرد على المكالمة، لأنه من المفترض انني احمل معي الجوال حتى في دورة المياه، والتفسير الوحيد لعدم ردي على المكالمة هو ان مكروها أصابني وأنا في مقتبل العمر.. (حسرة على شبابي)، احتمال ان يكون الجوال مغلقا لأنني في اجتماع أو لأن بطاريته فرغت غير وارد وغير مقبول.. لا ترد على المكالمة معناها أنك لست بخير.. في زمان صارت فيه المنتجات التكنولوجية تتحكم في إيقاع حياتنا صار كل شيء حولنا يدعو إلى القلق.. فالخبز الحار من ناره، الذي كنا ايام زمان نتلذذ بغمسه في شاي الصباح صار مسببا للسرطان، لأنه يوضع في كيس بلاستيكي.. وما عاد الحمل والإنجاب مدعاة للسرور الشديد والفرح الغامر: تاني ندخل في حكاية الحفاظات والحليب الاصطناعي والتطعيم والنوم المتقطع.. ولا بد من مؤتمرات عائلية لتحديد ما إذا كان سيذهب لاحقا إلى مدرسة مستقلة خاصة أو مستعمرة من قبل وزارة التربية.. ومصاريف الجامعة.. هذا اذا وجد واسطة لدخول الجامعة! وتأتيك ترقية فتستسلم للوساوس: الآن سأصبح هدفا لمؤامرات سعدون وزعنون وجماعتهما، وليس من المستبعد ان افقد وظيفتي كليا بسبب مؤامراتهما! نضع صينية الشاي أمامنا ثم نوسوس: ملعقة سكر واحدة ام اثنتان.. أحسن الكاندريل.. خليها تروبيكانا.. بس يقولون ان السكر الاصطناعي يسبب السرطان لوجود مادة اسبرتيم فيه!! واسمعيني زين يا ام العيال ترى لو رحنا أي دولة أوروبية ها الصيف يبهدلونا ويحرجونا ويشمشمونا بالكلاب البوليسية!! وانت تدرين اني ما سددت سلفة إجازة الصيف اللي فات، لما راحت معنا أُمك! وش رأيك حنا نجلس بالبيت ونعطي امك كمين الف تروح بروحها الصين وسنغافورة وهونج كونج والفلبين تغير هوا شوي، وترجع بالسلامة؟ (عنده أمل ان إنفلونزا الطيور تصيبها هناك ومن ثم يخطط فقط لشراء تذكرة لاتجاه واحد لحماته).



jafabbas19@gmail.com