أفق
مرجعيةُ الواقعِ لا مرجعية النصِ الأصفر
تاريخ النشر : الجمعة ٢٣ مارس ٢٠١٢
عبدالله خليفة
يحددُ الواقعُ طبيعةَ المهامِ الاجتماعية والفكرية المطلوبة التي تشكلُ لحظةَ تقدمٍ فيه.
في عصور النهضات العربية الإسلامية الإنسانية المتقطعة لعب التقارب والتعاون بين الفئات الوسطى والعاملين دور البؤرة التجديدية المغيرة للتاريخ.
حين يعثر النصلا على هذه البؤرةِ الخيطِ الممسكِ بكرةِ الخيوط الملتفة يستطيعُ أن يقومَ بالنسيج السياسي.
صحابةُ قريش لم يكونوا الفعلَ التاريخي من دون العبيد وتصعيد دورهم وجعلهم مثقفين ومناضلين، فهل لنا أن نتصورَ الإسلامَ من دون دور بلال وعمار وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وغيرهم؟
الدين والمعرفة الموضوعية والبوصلة الاجتماعية قد تتصادم، ولا يفهم الفلاسفة والدينيون واليساريون أين يقع الخيطُ الناسجُ لتحويل مجتمعاتهم، عظمةُ النص تكمنُ في فهم المعضلة الاجتماعية، وقراءة التحالف والاختلاف بين البرجوازية والعمال، بين الدين والواقع، بين الليبرالية والماركسية، بين الأممية والقومية.
لكن النصوصَ التي تتجمد ولا تُقرأُ في ضوءِ الواقع تغدو عقبةً وليست مفتاحاً لدخول البيوتِ الاجتماعية من أبوابِها، بدلاً من تحطيمِها أو كسر النوافذ للدخول!
برجوازياتُ الفتوحِ والعسكرِ والشموليات المختلفة والقوميون والدينيون الدكتاتوريون يؤسسون أنظمةً ثم تنهار في خاتمة المطاف، مخلفةً زوابعَ من حطامِ البشر والأبنية.
لم يقم الأغنياء في إيران بالتحالف مع العمال، وفرضوا أنظمةً شمولية متلونة بين قمع الشاه وقمع ولاية الفقيه.
القومية الفارسية هنا لم تشكلْ ثقافةً ديمقراطية عقلانية تتغلغلُ بين النخبِ والجماهير.
حين يتحدث الشيرازيون عن اللاعقل والإلهام الباطني سبيلاً للتغيير يؤسسون دكتاتوريةَ المثقف الغني المهيمن على فقراء أميين سذج.
والبسيطُ من الأمور والعميقُ العقلاني كذلك يقولان اذهبوا للتحالف الواضح واحترام تعددية الطبقات، وصراعها وتعاونها المشترك لتأسيسِ مجتمعٍ ديمقراطي قومي للفرس وأقاليم مستقلة ذاتياً لبقية القوميات في الجمهورية الموحدة.
فيما أن الصراعَ حول (التطبير) وولاية الفقيه هو صراعُ دكتاتوريتين، دكتاتورية إستغلال الفقراء واستثمار تراثهم الديني للقفز للسلطة من دون تطويرٍ وتقدير لهؤلاء العمال المغيَّبين، ودكتاتورية الفقهاء الكبار المتحدين مع كبار الضباط في مسار سياسي خطر يحرقُ الأخضرَ واليابسَ الشعبيين.
حين تُجلب نصوصُ التصوفِ والغموضِ تعرقلُ تطورَ الواقع.
والنصوص القديمة من الممكن أن تُكتشفَ فيها كنوزٌ عبر المناهج الحديثة، القرآن والمادية التاريخية والصوفية مؤسساتٌ معرفية يمكن الدخول إليها عبر المصابيح لا عبر العصي. المثقفُ حين يدخلُ بمسدس يحطمُ البيتَ وأهله.
حين تتصارع القوميات في أفغانستان على أساسِ الحرفية الجامدة المذهبية لا تريد أن تتقاربَ مع الواقع والحرية والديمقراطية، والتكويناتُ القبليةُ من القوميات المتعددة لا تريدَ أن تظهرَ على حقيقتِها كبرجوازياتٍ متعاونة مع العمال في نظام ديمقراطي وتصرلا على تأسيسِ دولةِ القبيلةِ الشمولية ومن قوميةٍ واحدة متسلطة، ومن يرفض ذلك هناك العصابات المسلحة.
في كل بلدٍ عربي إسلامي تعددي المذاهب والأفكار مرتبطٍ بمسارِ الإنسانية وقوانين تطورها، تغدو البؤرةُ التحديثيةُ المركزية أساسيةً للعمل السياسي المغيّر والموجه للتقدم، لكن الكثير من القوى تعملُ لمصالحها الطبقية الذاتية، بحدةٍ شديدة أو بعقلانية متبصرة، ففي العراق ليس ثمة تكّون لبرجوازية وطنية نهضوية ديمقراطية وقوى عاملة تحديثية طليعية (عراقيتين) وطنيتين تخترقان مجمل القوميات والمذهبيات المتصارعة، وتؤسسان الوطنيةَ العراقية الديمقراطية الجديدة المتعددة القوميات والمرجعيات المذهبية والدينية.
التوجهات القومية المتصارعة والمذهبيات المغلقة المتصارعة تمنعان مثل هذا النمو التوحيدي، ولكن في كل قومية ومذهبية ثمة عناصر ديمقراطية يمكن أن تتلاقى وتتطور وتبدل الواقع.
البؤرةُ تتوزعُ هنا بين قومياتٍ كبرى هي العربية والفارسية والكردية، وكل قومية لها مسار ديمقراطي صراعي في داخلها ينعكس على العراق، ويغدو العراقُ هو ثمرة تطور الديمقراطية فيها، والشمولياتُ وصراعاتُها تنعكس عليه تمزيقاً وقتلاً.
البؤرة الأساسية في دول الخليج تضيع مع توجهات البرجوازيات الحكومية والخاصة لمصالحها الخاصة، من دون التعاون والتحالف مع العاملين، والقوى السياسية تتوجه إما لصراع يفكك القوى الاجتماعية في هذه الدول وتحالفها المنتظر وإما يكونُ ذلك بصعوبات شديدة، والكتب الصفراء الطائفية والسياسية تعرقل هذين النمو والتحالف التاريخي المطلوب.
يمكن للوَرق أن يطورَ ويمكن للورق أن يحرق.
يزهرُ ويغني حين يرهفُ السمعَ لنبضاتِ الواقع لا أن يدوسه بورق لا يفتح ولا يضيء.
حين يتحول ذلك لفعل سياسي واسع وبؤر تصيرُ جبهات، ونخب تندمجُ في نضال الملايين