الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


بدايات وتطور التفكير السياسي الإسلامي.. «الأهداف والاستراتيجيات»

تاريخ النشر : الجمعة ٢٣ مارس ٢٠١٢



قلنا في مقال لنا، سابقاً، إنما الحراك السياسي الحديث والمعاصر، قد نشأ، بفعل حالة الصحوة الإسلامية، وتنامي حركة الوعي الإسلامي في الشعوب الإسلامية، وقد ترافق ذلك كله مع حركات الشعوب لنيل الحرية والكرامة والعدالة.
تقول حركة جماعة الإخوان المسلمين: إنها تهدف في المقام الأول إلى إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل في مصر، وكذا الدول العربية، ونصرة حركات المقاومة في العالمين العربي والإسلامي، وهي تسعى إلى تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع والدولة على أساس التنوير الحضاري الإسلامي.
وقد ركزّ الإمام الشهيد حسن البنا في هدفين رئيسيين، ضمن محاور العمل السياسي الاستراتيجي: (أولهما): ان يتحرر العالم الإسلامي من قيود الاستعمار والسلطان الأجنبي، وبالتالي العيش بالحرية والكرامة.
(وثانيهما): إقامة الدولة الإسلامية التي تعمل بأحكام شرع الله سبحانه وتعالى، وتطبق مبادئه ونظمه الاقتصادية والاجتماعية.
لقد كانت حركة الإخوان من الأوائل في حركة التفكير السياسي الإسلامي الحديث، وبفعل تاريخ نضالها السياسي العتيد الذي امتد إلى أكثر من نصف قرن، فإنها استطاعت بفضل تماسك وحدتها الداخلية، وسلامة أهدافها الاستراتيجية، وقوة تنظيمها الداخلي، ومواردها المتاحة، أن تمشي وفق الخطط التي قامت من أجلها.
وبقراءة متواضعة في فكر هذه الجماعة، فإنه يبدو واضحاً، سلامة نيتها في إعادة مجد الإسلام وحاكميته في المجتمعات العربية، بعد أن ابتليت الأقطار العربية، بآفة الاستعمار، وسيطرته على موارد أرض العروبة، والتحكم في مقدراتها.
وكان من الطبيعي، ان تنهض الشعوب العربية، لمقاومته، وتحرير كل شبر من أرض العروبة، ليكون هذا الهدف، الهدف الأسمى والأكبر، لهذه الجماعة، وهي بادرة طيبة ومباركة، وتؤكد سلامة النهج والمرتكزات.
يقول الإمام الشهيد حسن البنا، في رسالة (إلى الشباب) «لقد أتى على الإسلام والمسلمين، حين من الدهر، توالت فيه الحوادث وتتابعت الكوارث، وعمل خصوم الإسلام على إطفاء رواقه، وإخفاء بهائه، وتضليل أبنائه، وتعطيل حدوده، وإضعاف جنوده، وتزييف تعاليمه وأحكامه، تارة بالنقص منها، وأخرى بالزيادة فيها، وثالثة بتأويلها على غير وجهها، وساعدهم على ذلك ضياع سلطة الإسلام السياسية، وتمزيق امبراطوريته العالمية، وتسريح جيوشه المحمدية، ووقوع أممه في قبضة أهل الكفر مستذلين مستعمرين».
لقد قفز الإمام البنا، بحركته السياسية من إطار النخبوية، إلى الحركة الشعبية الجماهيرية، وهي قفزة تقدمية رائدة في الحراك السياسي الإسلامي.
وإن كنا في مورد تقييم، فنزعم ان هذه الجماعة، هي من كبريات المنظمات السياسية، وحركة تجديدية دعوية، ونعتبر مؤسسها الشهيد البنا، زعيما سياسيا ومجددا إصلاحيا.
ونُعرَّج على بوادر التفكير السياسي الحديث، في الخليج العربي، فإنه ليس بمنعزل عن ظاهرة الصحوة السياسية في الوطن العربي، فالزيارات التي يقوم بها المفكرون العرب، ورحلات الخليجيين إلى مراكز الإشعاع والنهضة في أرض العروبة، وافتتاح المدارس ورواج التعليم، ونشأة المكتبات وتطورها، وكذا الصحافة التي عملت على إيقاظ الشعور السياسي الديني، كل هذه الأمور وغيرها، أسهمت بشكل مباشر في ميلاد الحركة السياسية الإسلامية في أقطار الخليج العربي.
لقد تأثر التفكير السياسي الإسلامي في بداياته، في الخليج العربي، بالتنظيمات الإسلامية الكبيرة، وقد وفدت من دول أخرى، منذ الأربعينيات، ومنها حركة الإخوان المسلمين في مصر، وحزب التحرير الإسلامي، وجماعة التبليغ الإسلامي للمسلمين في شبه القارة الهندية، وحزب الدعوة الإسلامية في العراق، إلى جانب التنظيمات الدعوية السياسية المحلية، التي أدت في المحصلة إلى تكوين ما يسمى (تيار إسلامي سياسي خليجي).
على أنه يمكن القول في أهداف واستراتيجيات التنظيمات السياسية الخليجية، فقد تمحور في الإصلاح الديني والإرشاد الاجتماعي، مع البدايات الأولى، على انه مع التطورات المتلاحقة السياسية، فإنه امتد العمل، إلى العمل السياسي المنظم (التيار الإسلامي في الخليج العربي، هاشم عبدالرزاق صالح).
وكان شغله الشاغل، تفاعله مع قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وبخاصة قضية فلسطين، والغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979م، وحرب إيران مع العراق الممتدة من عام 1980 إلى 1988م، واجتياح الكويت عام 1990م.
وقد زادت شعبيته، زيادة كبيرة، في عهدنا المعاصر، مما حالفه الحظ في اكتساح الكثير من المقاعد في المجالس النيابية الخليجية.
وبالجملة، فإنه يعد الآن، قوة ضاغطة سياسية، رسمية وشعبية، ومؤسساتية، له أتباعه ومريدوه وأنصاره.
والملاحظ ان كثيرا منه، هو نواة للنشاط الدعوي الإسلامي المحض، وبعضه قد ارتبط بهذا النشاط، وكلاهما يمثل وجهين لعملة واحدة، إلا انه مع ذلك يمتاز بوحدة الحركة الفكرية الإسلامية، وحسن ترتيبه من الداخل، وتماسك جبهته الداخلية، والجرأة في طرح العقيدة السياسية، والحماسة الكبيرة للدعوة إلى اسلمة القوانين والنظم، وهجومه الكبير على المحرمات الإسلامية كالربا والاختلاط وبيع الخمور.
ولم تسلم الحركة الإسلامية طوال نشأتها، من توجيه أصابع الاتهام، ووصفها بالتشنج والجهل وغياب العقل، وكذا نقدها باستمرار، من قبل خصومها.
فالدكتور فؤاد زكريا مثلاً في كتابه (الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة) نقلا عن الدكتور حسن حنفي، فإنه يعيب على فكر الجماعات الإسلامية غياب فكرة التدرج في الممارسة، وغياب التنسيق والتعاون مع الجماعات الوطنية الأخرى، وسيادة النظرة الرأسمالية في التفكير والاتجاه، والانشغال بالمعاداة، وبخاصة في فترة من الفترات ضد الاتحاد السوفيتي، والفكر الماركسي ونظرياته، من دون الالتفات إلى ايجابيات النظريات والاتجاهات الأخرى.
وقد تعرض بشدة الدكتور فؤاد زكريا للإسلاميين ومرجعياتهم العلمية، واصفاً إياهم بالجهل، ونقصان الثقافة العامة، وعدم إلمامهم بحقيقة المذاهب التي يقفون منها موقف العداء.
والحق، ان كل هذا مردود عليه، فإيمان التيارات الإسلامية، بما عليه من فكر وتطبيق، يجعلها في موقف الثبات والقوة في مبادئها، وهذه الجماعات كرست خدمتها للإسلام وللمسلمين، وكان هدفها الأساس، ولا تحجر على أحد فكره، وهي تتعاون مع كل من يريد مصلحة الوطن والشعب والدين، وما اتهام الإسلاميين بالجهل إلا لعقد نفسية، هم الذين يطلقونها، والحال ان الإسلاميين يعرفون تماماً أوجه النظم والمبادئ والعقائد المعاصرة، وأنها قاصرة في تلبية الحياة الكريمة والعيش الهانئ، وان تعاليم الإسلام، تمثل النظام الأشمل الذي يلبي طموح الإنسان ورغباته