الجريدة اليومية الأولى في البحرين



ارحموهم يا مؤمنون

تاريخ النشر : الجمعة ٢٣ مارس ٢٠١٢

صلاح عبيد



قبل حوالي شهر أصدرت محكمة الجنايات في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي حكما بالإعدام على زوجين من مواطني تلك الدولة وذلك بتهمة تعذيب وقتل خادمتهما مع سبق الإصرار والترصد. وجاء في تفاصيل القضية أن المحكمة استندت في حكمها بشكل خاص إلى أقوال ابن الزوجين الذي أكد تعرض الخادمة للضرب من قبل والدته بشكل يومي وبعلم أبيه، وأن ذلك استمر إلى أن فقدت الخادمة وعيها في أحد الأيام، وخوفا من الملاحقة القانونية نقل الزوجان الضحية إلى منطقة اسطبلات وتخلصا منها ثم دهساها تحت إطارات السيارة التي كانت تقودها الزوجة.
هذه الجريمة النكراء هي واحدة من أصدق الدلائل أن البعض يعاملون الخدم معاملة غير إنسانية، قد تصل إلى درجة التعذيب والإهانة وربما يفقد الخادم أو الخادمة حياته نتيجة لذلك، ومن هنا لا نستغرب أبدا حين نسمع عن جرائم نكراء يرتكبها الخدم في حق كفلائهم أو أبناء الأسر التي يعملون لديها، لأنها ليست سوى (رد فعل) على المعاملة القاسية التي يلاقونها.
يجب علينا جميعا أن نضع نصب أعيننا دائما أن الخادم أو الخادمة أو السائق أو الطباخ أو غير ذلك من العمالة المنزلية وغير المنزلية إنما جاءوا إلى بلادنا طلبا للرزق الحلال، وأنهم جاءوا من بيئات مختلفة تماما عن بيئاتنا، وتلقوا تربية مختلفة تماما عن تربيتنا، ويتعرضون لضغوط حياتية ونفسية كبيرة، نتيجة الفقر المدقع الذي عاشوا فيه والذي فارقوا ديارهم وأهليهم للتخفيف من وطأته عليهم وعلى أسرهم، وأنهم بشر في النهاية لا يجوز تحميلهم أكثر من طاقتهم، ولا يجوز تجويعهم أو حرمانهم من مستحقاتهم المالية أو الاعتداء عليهم بأي صورة من الصور، ويكفينا في هذا المجال أن نمتثل للهدي النبوي الشريف الذي علمنا من خلاله نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه أن من حق الخادم على سيده أن يطعمه ويكسوه ويوفر له المأوى الكريم الذي يحفظ به آدميته ويحميه من الآفات والأخطار، وقد سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كم أعفو عن الخادم؟) فقال صلوات الله وسلامه عليه: (تعفو عنه كل يوم سبعين مرة).
إن الكثير من جهلة الناس يظن أن خدم المنازل ينطبق عليهم قوله تعالى (وما ملكت أيمانكم) فتراه يعتدي على خادمته ويعاشرها معاشرة الأزواج سواء برضاها أو رغما عنها، بل إن بعض الزوجات لا يمانعن من قيام أزواجهن بذلك ظنا منهن أنه حلال أو خوفا من أزواجهن إذا اعترضن!.. وهذا منتهى الجهل والجرأة على ارتكاب الفاحشة، كما أن البعض يحرم الخدم من الطعام أو من رواتبهم الشهرية، أو يرغمهم على العمل طوال النهار ومعظم ساعات الليل وكأنهم (آلات) لا يحق لها أن تتوقف أو تنال قسطا من الراحة، وهذا لا يجوز شرعا، بل هو من أشد الظلم، ثم لا ينبغي لنا أن نستغرب بعد ذلك إذا فاض الكيل بالخادم أو الخادمة أو غيرهما ممن يقع عليهم هذا الظلم أو يتعرضون لتلك المعاملة غير الإنسانية فارتكبوا الجرائم في حق أرباب أو ربات الأسر أو أحد أبنائها.
الراحمون يرحمهم الرحمن، ومن لا يرحم غيره لن ينال رحمة الله، والخدم ومن في حكمهم أمانة استودعنا الله إياها وسيحاسبنا على طريقة وأسلوب تعاملنا معهم، وكما تدين تدان، فارحموهم يرحمكم الله، وإلا فتوقعوا ما لا يعجبكم منهم في الدنيا وما لا يرضيكم حين تقفون للحساب بين يدي الرحمن.



salah_fouad@hotmail.com