المعارضة والدعوة إلى حوار مغشوش
 تاريخ النشر : السبت ٢٤ مارس ٢٠١٢
بقلم: د. نبيل العسومي
الجميع يتحدثون اليوم عن الحل السياسي للأزمة التي عاشتها البحرين خلال العام الماضي ومازالت تداعياتها متواصلة حتى اليوم وذلك لأن الناس ملت من هذه الحالة المستمرة فترة طويلة من دون علاج أو حل سياسي خاصة في ضوء ما أقدمت عليه الدولة من خطوات جريئة وشجاعة لإقفال ملف الأحداث وخاصة المتضررين من الأحداث المؤلمة.
وقد عبر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين أيده الله في كلمته السامية بمناسبة تسلم التقرير النهائي للجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق عن تطلع مملكة البحرين إلى مرحلة جديدة بعد طي صفحة الأحداث من تنفيذ الأغلبية الساحقة من التوصيات التي وردت في تقرير لجنة تقصي الحقائق، مؤكدا جلالته ٣ أمور أساسية:
الأول: هو قدرة حكومة البحرين وصدقيتها في تنفيذ تلك التوصيات بسرعة كبيرة وخاصة تلك المتعلقة بحقوق المتضررين واستعادتها بالسرعة المطلوبة.
الثاني: أن هنالك أمورا تحتاج إلى وقت ممتد لتحقيقها مثل تعديل القوانين الناظمة للحياة السياسية ولحرية التعبير والنشر والتظاهر وغيرها من الجوانب التي يتطلب مراجعتها وقتا إضافيا ومعقولا لتكون منسجمة في النهاية مع التوجهات العالمية لحقوق الإنسان من ناحية ولمتطلبات التحول إلى المجتمع الديمقراطي من ناحية ثانية، كذلك الأمر بالنسبة إلى التعديلات التطويرية المطلوبة في مجال تطوير المناهج الدراسية المرتبطة بتعزيز العيش المشترك وقيم التسامح والإنارة التي تحتاج إلى وقت كاف لتنفيذها وإلى زمن ممتد لتلمس آثارها بإذن الله في سلوك أبنائنا من أجيال الدارسين في المدارس والجامعات.
الثالث: يتعلق بضرورة استعادة الوحدة الوطنية ووحدة المجتمع البحريني بمختلف مكوناته الاجتماعية والسياسية هذه الوحدة ضرورية للتعايش وضرورية للتنمية ولحفظ أمن المجتمع ولحفظ سيادة الدولة واستعادة هذه الوحدة تستدعي تبادل التنازلات من المجتمع من أجل الوصول إلى وفاق وطني حول الخيار السياسي للخروج من حالة التأزيم.
ولا شك أن الحوار هو الطريق الوحيد للوصول إلى هذه النتيجة فإذا كان ملف تقصي الحقائق قد طوي في الاتجاه الإيجابي من أجل المساعدة على تهدئة النفوس فإن الحوار بين مكونات المجتمع السياسي من ناحية والسلطة من ناحية ثانية يجب أن يقوم على أساس من القيم المشتركة والتوافق على الثوابت الناظمة لهذا المجتمع وفي مقدمتها شرعية الحكم الخليفي وعروبة البحرين وانتماؤها الخليجي والديمقراطية نظاما للحياة السياسية والتوافق الوطني حول القضايا الجوهرية والإجماع حول سيادة البحرين واستقلالها ورفض أي تدخل أجنبي في شأنها واعتبار الاستعانة بالأجنبي للاستقواء على الداخل خيانة وطنية يجب أن تكون مجرمة، وإذا اتفقنا على هذه الثوابت فإننا لن نختلف في التفاصيل كثيرا مثل قضايا العدالة والشفافية والمساواة وتكافوء الفرص والنزاهة والرقابة ومحاربة الفساد هذه المسائل حولها إجماع بل ان السلطة نفسها تعتبرها من المبادئ التي تعمل من أجلها.
المصيبة الكبرى أن هذه «المعارضة» هي أول من رفض الحوار في جميع المناسبات السابقة وانها تطلب استثناء جميع مكونات الشعب الأخرى من هذا الحوار ليكون بينها فقط وبين السلطة وهذا منتهى الأنانية والإقصائية والسذاجة لأنه لا أحد يمكن أن يقبل مثل هذا النوع من الشروط في أي ظرف من الظروف حيث لا يمكن استبعاد نصف المجتمع على الأقل من حوار مصيري يهم مستقبل الأجيال القادمة.
والمصيبة الكبرى أن هذه «المعارضة» المخلوطة التي تختلط عندها الشئون والأمور والمبادئ لتصبح خلطة عجيبة من الدولة الدينية والدولة المدنية لا يمكن أن تستقيم مازالت تراهن على عامل إرهاق الدولة عن طريق التلاعب بالشارع حيث يدفع المواطنون ثمنها باهظا من حياتهم وأرزاقهم.
وإذا ما استمرت هذه «المعارضة» بهذه العقلية المختلة فلا معنى للحوار ولا قيمة له بل إنه لن يكون أبدا حوارا بل يكون مفاوضات من أجل منح هذه «المعارضة» كل ما تريد وهذا لن يتحقق أبدا لا اليوم ولا غدا لأن السلطة وشعب البحرين على حد سواء لن يرضوا بحوار مغشوش.
.