كلينت إيستوود
في فيلم جديد على عتبة الثانية والثمانين
 تاريخ النشر : السبت ٢٤ مارس ٢٠١٢
أتحفنا ممثل أفلام الكاوبوي السابق والمخرج الهوليودي المتألق والشاب على الدوام كلينت إيستوود بآخر أعماله السينمائية وقد قد اختار لفيلمه الجديد «جاي.إدغار» يوم ٣١ مايو المقبل سيطوي كلينت إيستوود ٨٢ من عمره وهو لا يكف عن العطاء المتجدد والتنقل ما بين المهرجانات السينمائية في العالم.
تدور أحداث الفيلم حول حياة وأعمال جاي هوفر الذي أسس الشرطة الفيدرالية الأمريكية وتولى إدارتها على مدى نثف قرن كامل من أجل حماية الأمن القومي الأمريكية.
لعل فيلم «غاي إدقار» قد خيب آمال وانتظارات البعض من عشاق الفن السابع والذين كانوا يتطلعون لمشاهدة عمل ملحمي مثير يغوص في ثنايا حياة المدير الشرير الذي تولى إدارة المخابرات الأمريكية علة مدى خمسين سنة والذي لا يخلو سجله الطويله من صفحات سوداء قاتمة غير أن المخرج إيستوود فضل مقاربة هذه الشخصية المثيرة للجدل من جوانب أخرى.
في الحقيقة يعطينا هذه الفيلم للوهلة الأولى الانطباع بأنه يروي قصة حياة غاي هوفر وتتبع مختلف المراحل التي عاشها وهو يبني هذه المؤسسة الشرطية والاستخباراتية الكبيرة التي تعتبر اليوم من أكبر دعائم منظومة الأمن القومي الأمريكي. لقد رسم المخرج كلينت إيستوود جوانب خاصة من شخصية غاي هوفر غير أنه لم يهتم بهذه النواحي بالدرجة الأولى حيث أن تركيزه الدرامي قد انصب بالدرجة الأولى على تصوير رجل في خريف العمر وهو يكتب وصيته أي رجل يصارع نفسه وهو يحاول أن ينقل إلى أبنائه وأحفاده صورة معينة عن نفسه وعما قام به طيلة حياته المهنية الطويلة والحافلة بالأفعال التي لا تعتبر في أغلبها ناصعة.
لقد قامت أغلب الأفلام التي مثل فيها كلينت إيشتوود أو أخرجها على مدى مسيرته الفنية الطويلة على ثنائية الخير والشر المتأصلة في الإنسان. في فيلم «غاي إدقار» يتمقص النجم الهوليودي دي كابري دور هوفر وقد ساهم بحساسيته الفنية في تعرية إنسانية غاي إدقار هوفر وأظهره في صورة ذلك الرجل الممزق ما بين حياة شخصية لا نعرف عنها الكثير وحياة أخرى عامة تربطع بعالم السياسة. لقد جعلنا كلينت إيستوود إلى حد ما نتعاطف مع هوفر الانسان لا أن نتعاطف مع أفعاله حيث أنه صور لنا هذا «العملاق» الذي جعل من نفسه نجما حقيقيا خلال القرن العشرين واستطاع بلغة الحيلة والقوة والرصاص أن يبني قلعة استخباراتية حقيقية تكاد تعرف كل شاردة وواردة داخل الولايات المتحدة وهيمن على إدارتها طيلة نصف قرن من الزمن إنها الشرطة الفيدرالية الأمريكية المعروفة أكثر باسم الإف بي آي.
يظهر هوفر في الفيلم أشبه بالشبح هو يكتب وصيته. فالرجل الذي يصل في حياته إلى المرحلة التي كتب فيها وصيته إنما هو إنسان معلق ما بين الحياة والموت. فالأمر يتعلق بشخص غير عادي وهو غاي إدقار هوفر الذي كان يتبجح ويقول أنه «صانع الملوك» في الولايات المتحدة الأمريكية. بقدر ما يظهر هوفر بمظهر الجلاد فهو يظهر أيا بمظهر الرجل الذهب ضحية الصلف وتضخم الأنا والاعتبارات السياسية والنوازع النفسية المدمرة فقد شارك على سبيل المثال في الحملة المسعورة التي استهدفت الشيوعيين والتي كان قد أججها السيناتور اليميني المتطرف ما كارثي.لم يأت اختيار كلينت إيستوود للنجم ليوناردو دي كابريو من فراغ ذلك أنه يرى فيه الممثل الأكثر قدرة في هوليود على تقمص أدوار تلك الشخصيات التي تبدو قوية من الخارج غير أنها تعاني من الداخل من هشاشة انكسار.
اعتمد المخرج إيستوود في فيلمه على سيناريوم متقن وذكي في بنيته الدرامية أعده داستن لانس بلاك وقد انطلق فيه من رؤية درامية ودينامية للتاريخ وقد ظل يتنقل ما بين الأعوام الأولى في حياة غاي هوفر والسنوات الأخيرة من عمره مع المرواوحة ما بين حياته الخاصة والعامة، أي عندما كان غاي هوفر مديرا لمكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية. يبدأ الفيلم من سياق زمني محدد أي بداية الستينيات وقد ركز المخرج فمنذ البداية كاميراته على مبني وزارة العدل الأمريكية والذي كان يمثل المقر الأصل لمكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية. في الأثناء يطلع علينا غاي هوفر لأول مرة ليقول بصوته الأجش: «إن الشيوعية لا تمثل حزبا قائم الذات. الشيوعية مرض حقيقي». تنتقل بنا الكاميرا لتسلط انظارنا على صورة جون ديلينجر الذي كان في وقت ما يعتبر الأول للولايات المتحدة الأمريكية.
اعتمد المخرج كلينت إيستوود على تقنية الفلاش باك التي أعادتنا إلي سنة ١٩١٩ التي شهدت تفجير منزل المدعي العام آنذاك آي ميتشيل بالمر. كان الحداث بالغ الخطورة في ذلك الوقت حيث دبت حالة من الهلع التي اختلطت بالصراخ فيما يظهر هوفر شبه مصدوم وهو يهرع إلى مكان الحداث حيث كانت ألسنة النيران تلتهم المبنى.
لقد اختزل كلينت إيستوود الخمسين سنة التي أمضاها غاي هوفر على رأس مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمرية في ساعتين و١٧ دقيقة هي المدة التي يستغرقها فيلم J.Edgard.
.