الجريدة اليومية الأولى في البحرين



اكذب واكذب حتى تنهار الحقيقة..

تاريخ النشر : السبت ٢٤ مارس ٢٠١٢

سميرة رجب



مما لا شك فيه أن سوء إدارة الحكم في النظام العربي الرسمي، خلال نصف قرن تقريباً، يعدّ سبباً رئيسياً في حالة الضعف التي تعاني منها الأمة، فكان فشل المشاريع التنموية في بلداننا سبباً في انهيار المستوى المعيشي من جهة، وتراجع الوعي الشعبي من جهة أخرى، وهما عاملان مؤثران مباشرة في بناء العقل ومنظومة القيم العقلانية لمواجهة الاختراقات الفكرية التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في أي مجتمع..
وصارت العملية تسير في حلقة دائرية مغلقة، إذ بات افتقار مجتمعاتنا إلى منظومة القيم والمعايير العقلانية، اللازمة لنجاح أي مشروع تنموي، من أهم أسباب فشل مشاريعنا التنموية، وهذا الفشل يؤدي الى المزيد من التراجع في المنظومة القيمية للمجتمع. وأهم هذه القيم والمعايير هو ما يتعلق بتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص لضمان الاستفادة من كل الكفاءات العلمية من جهة، ولدعم تطوير السياسات التعليمية بما يتناسب مع متطلبات الحداثة والعصر من جهة أخرى.. وبذلك نصل الى العلاقة الجدلية الخطيرة بين التنمية والوعي المجتمعي، وعلاقتهما معاً بأمن واستقرار المجتمعات.
وهذا الوعي المجتمعي هو ما يتم استغلاله يومياً في مجتمعاتنا عبر الإعلام السلبي للترويج ضد بلداننا بأساليب لا يتلمسها المتلقي، وهذا ما يُدعى «الغزو الثقافي»، الذي بات سائداً في ظل غياب الثقافة الوطنية ومنظومة القيم الحامية لوعي المجتمع.
لذلك بات الكذب سهلاً، والتلفيق رائجاً في الإعلام (شاملاً كل وسائل التواصل الاجتماعي).. وبارتفاع منسوب الكذب والتلفيق مُسحت الخطوط الفاصلة بينها وبين الحق والحقيقة، واختفت الخيارات أمام المتلقي، بما يعطي الخيار الأول والأخير لتزييف الوعي وتراكم الكذب المتواصل من دون انقطاع، على أمل أن تخرج الحقيقة من صناديقها عندما يسمح أصحابها بنشرها، بعد عشرات السنين، أي بعد أن تفقد دلالاتها وأهميتها.. ولربما كذبة سلاح الدمار الشامل في العراق، بكل ما شملته من تشويه كامل للعراق ونظامه، تعد الأشهر والأخطر في عالمنا المعاصر، ولئن تم كشف الحقيقة العراقية بسرعة نسبياً، بعد الاحتلال مباشرة، فذلك لأن تلك الحقيقة كانت قوية وواضحة لمدى لا يسمح بإخفائها أكثر.. ولكن الكذبة الكبرى كانت قد حققت أهدافها في تدمير العراق ومسحه من الخريطة العربية.. وفي كل هذا كان فقر الوعي العربي الرسمي والشعبي سبباً رئيسياً في نجاح تلك الأكاذيب لتكون السلاح الأول في المعركة.
وهكذا لم تتوقف سلسلة الأكاذيب منذ ذلك اليوم، فتلك الكذبة التي أتت بحزب الدعوة الى سدة الحكم في العراق، صارت قدوة هذا الحزب في أدائه، وحيثما وجد، فمازال الدعويون في كل مكان يمارسون تلك اللعبة القبيحة في تزييف الوعي واختراقه ببراجماتية ولاأخلاقية، تحت راية الدين والمذهب، وصولاً إلى أهداف شعوبية وطائفية..
ولربما سلسلة الأكاذيب التي يمارسها حزب الدعوة في البحرين، الممثل في جمعية الوفاق الإسلامية، لاختراق الوعي البحريني، تعد الأقوى بعد كذبة سلاح الدمار الشامل العراقي، فهذا الحزب بكل فئاته، السياسية ومعتقداته الدموية، يعمل بمبدأ «اكذب واكذب حتى تنهار الحقيقة»، فلا يتوقف عن تأليف الأكاذيب حتى لو استدعى الأمر القتل لتلفيق التهم ضد الدولة البحرينية، فصار أبناء الطائفة الصغار هدفاً مباشراً للعنف والقتل في سبيل أن تتهم الحكومة البحرينية بهذا العنف وارتكاب الجرائم.. وصار كل من يتوفاه الله من أبناء الطائفة (من العوائل البسيطة)، يُسجل شهيداً في سجل إنجازات جمعية الوفاق الإسلامية (حزب الدعوة البحريني) لإدانة السلطات البحرينية، حتى بات هذا السلوك المشين منفّراً وجالباً للمزيد من الكراهية ضد الحزب وقياداته والمزيد من الأحقاد الطائفية.
ولربما كانت الواقعة العراقية بكل حيثياتها التدميرية والطائفية البغيضة، سبباً رئيسياً في خلق وعي جديد تجسد في الخوف الذي أخرج الجماهير البحرينية ضد حزب الدعوة البحريني وعناصره التي كانت تجول في شوارعنا خلال أزمة فبراير ؟؟؟؟ في عملية مماثلة لنشر الإرهاب الطائفي الذي مازلنا نشاهد فصوله في العراق على مدار سنوات الاحتلال.
هذا الإرهاب الطائفي الذي يسجله التاريخ كل يوم في صفحات حزب الدعوة هو الذي استحث الوعي البحريني في مواجهة كل التزييف الإعلامي السياسي الذي يمارسه هذا الحزب الدموي لتحقيق أجندة إسقاط البحرين في قبضة الحكم الطائفي وتكرار النموذج العراقي الذي يتم بناؤه من خلال سلاسل التفجيرات وشلاّلات الدماء والدمار الشامل.
والمطلوب اليوم، تطوير الوعي الجماعي البحريني لمواجهة حرب الإشاعات التي بدأها هذا الحزب لشق الصف الوطني وإضعاف قوة المجتمع، بعد أن كانت هذه القوة سبباً في فشل المشروع الطائفي البغيض في فبراير ؟؟؟؟.. كما نحن بحاجة الى توجيه هذا الوعي نحو مباشرة مشاريعنا التنموية وتحقيق الأمن والسلام.. فالوعي السليم يعد أهمّ عناصر الأمن في كل زمان ومكان.



sameera@binrajab.com