دراسات
العدوان على غزة.. من وجهة نظر غربية وإسرائيلية
تاريخ النشر : السبت ٢٤ مارس ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
إذا كان هناك من حقائق يعكسها العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة ؟ وآخرها المذبحة التي ارتكبها، وأوقعت 25 قتيلاً فلسطينيٌّا وخلفت إلى جانب الرعب والهلع بين المواطنين أكثر من 100 جريح وهدم العديد من المنازل والمنشآت على مدى 3 أيام متواصلة ؟ فإن الحقيقة الأولى هي أن إسرائيل لم ولن تغير من سلوكها الإجرامي والتآمري في التعامل مع الشعب الفلسطيني، أما الحقيقة الثانية فهي أن معظم وسائل الصحافة الغربية لن تحيد عن نهجها المتحيز في نصرة الجلاد والمعتدي الإسرائيلي على الضحية والمعتدى عليه الفلسطيني وتنكر عليه حقه المشروع في أن يقاوم المحتل في أرضه ولا تتورع عن وصم مقاومته بـ «الإرهاب».
فالمتابع لرد فعل الصحافة الغربية والإسرائيلية على العدوان - الذي بدأته إسرائيل حين اغتالت القيادي بلجان المقاومة الشعبية الفلسطينية «زهير القيسي» بحجة أنه كان ينوي إطلاق صواريخ تجاه الحدود الإسرائيلية أي أنها تقتل حسب النيات - يلاحظ تجاهلاً تامٌّا لجوهر النزاع الفلسطيني والإسرائيلي، وهو أن هناك شعبًا يعاني الاحتلال، ويسعى لممارسة حقه في تقرير مصيره، وفي أن تكون له دولته المستقلة.. في حين تختزل القضية في دولة تدافع عن نفسها في مواجهة فصائل تستهدف شعبها الآمن بصواريخها المثيرة للذعر.
واللافت للنظر أن أداء الصحف الغربية في تناولها هذا العدوان جاء ملكيٌّا أكثر من الملك، بمعنى أن بعض الصحف الإسرائيلية لم تفعل ما فعلته نظيرتها الغربية، ولكنها انتقدت العملية الأخيرة، كما انتقدت تراجع الاهتمام بـ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ودعت إلى إيجاد حل له.
وبإلقاء الضوء وبصورة مجملة على جوانب التناول المنحاز في تعامل بعض الصحف الغربية والإسرائيلية مع العدوان، تمهيدًا للرد عليها أيضًا بصورة مجملة في هذا التقرير.. لابد من الإشارة بداية وكملحوظة أساسية إلى أن هذه الصحف حاولت التمييز بين وسائل الحرب التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي وبين تلك التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية، وأنها في الوقت الذي لم تدن أعمال القتل التي استهدفت المدنيين الفلسطينيين، فإنها في المقابل أدانت التكتيكات التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية رغم أنها لم تسبب أي خسائر في الأرواح بين المدنيين الإسرائيليين.. وباستعراض جوانب التناول المنحاز الرئيسية في تناول هذه الصحف سنجد أنها ركزت في النقاط الآت
- وفقًا لمشروعية أعمال العنف والتفرقة بين التدخل الإنساني (الذي يتطلب أعمال قتل باسم الإنسانية) والإرهاب (الذي يتضمن أعمال قتل ضد الإنسانية) نظرت صحيفة واشنطن بوست في تحليل لها يوم 12/3/2012 إلى الأساليب المستخدمة من قبل الفصائل الفلسطينية على أنها أعمال عنف غير إنسانية، بينما نظرت في المقابل إلى الغارات الإسرائيلية على أنها عمل مقبول للدفاع عن النفس، أي أنها محاولة إنسانية للدفاع عن المواطنين المدنيين في جنوب إسرائيل بسبب محاولة الاعتداء عليهم من عناصر المقاومة (أو الجماعات الإرهابية) الفلسطينية؛ حيث يتعرضون - بحسب الصحيفة ؟ وبشكل غير عادل للخوف الشديد وبصورة جعلت حياة مئات الآلاف منهم شاقة وبائسة.
- إلقاء اللوم على حركة «حماس» حيث تعتبر - وفقًا لتحليل واشنطن بوست يوم 12/3 ؟ القوة المحركة وراء عدم الاستقرار في غزة وجنوب إسرائيل، فعلى الرغم من أن حماسا لم تحاول الدخول في الصدامات تجنبًا لأي رد فعل إسرائيلي شديد، فإن ذلك لم يمنع الفصائل الفلسطينية الأقل حجمًا من حماس من شن هجماتها على إسرائيل؛ حيث تلقي الأخيرة دائما المسؤولية الكاملة على حركة «حماس» عند ارتكاب أي أعمال عنف من جانب غزة.
- وصف إسرائيل - في تحليل لصحيفة وول ستريت جورنال يوم 13/3/2012 - بأنها من الدول التي تعمل على وضع حدود شرعية فيما يتعلق بأشكال العنف المقبولة، والظروف التي يتعين معها قيام الحرب، مع ضرورة أن يتضمن الأداء أشكال التكنولوجيا العسكرية الأكثر براعة وإنسانية.
- تبرير سقوط ضحايا مدنيين على أنه أحد العناصر المقبولة للحرب المعاصرة، وحيث عادة ما يشار إلى تلك الوفيات باعتبارها حوادث أو أضرارا مصاحبة، وأنها بمثابة شيء طبيعي وإن كان مؤسفًا للحرب المعاصرة، رغم أنه عادة ما يكون غير مقصود أو متوقع، ولكنه يبقى في النهاية - وبحسب «جان إلشتين» الكاتبة بصحيفة ذا نيو ريبابليك الأمريكية - مخالفًا لعرف الحرب العادلة التي تؤكد أنه يتعين أن يتحمل المحاربون الجزء الأكبر من المخاطر مقارنة بالمدنيين.
- تضاؤل إن لم يكن تلاشي الاهتمام بالضحايا المدنيين من الفلسطينيين مقابل الضجة التي أثيرت حول النظام الدفاعي «القبة الحديدية»؛ حيث رأت جيروزاليم بوست في افتتاحيتها يوم 11/3 أن هذا النظام بمثابة تغيير لقواعد اللعبة، لأنه حسن القواعد الصاروخية الثلاث في جنوب إسرائيل مع تصديه عشرات الصواريخ الموجهة إلى قرى الجنوب.
كما أسهبت صحيفة تليجراف البريطانية في افتتاحيتها يوم 12/3 في ذكر مزايا القبة الحديدية وكيف أنها جنبت إسرائيل وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات، واستعرضت آراء خبراء الأمن كما لو كانت تروج للإسرائيليين ونظامهم الدفاعي الجديد، من دون أي ذكر للضحايا من الفلسطينيين كأنهم لا يعنون شيئًا بالنسبة إليها مقارنة بالإسرائيليين.
ذلك التناول غير المتوازن والمتحيز من جانب بعض الصحف الغربية والإسرائيلية في التعامل مع العدوان الإسرائيلي يمكن تفنيد ما تعرض له تفصيلاً وبصورة مجملة وفقًا للحجج الآتية:
أولاً- ما تقوم به فصائل المقاومة عمل مبرر ومشروع وتقره الأعراف والشرائع الدولية، فهو رد فعل طبيعي على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي واستخدامه أدوات القمع والقوة والتدمير.. وبحسب «براين جينكيز» الخبير الأمريكي في شؤون الإرهاب فإن «ما يراه البعض إرهابًا.. يراه الآخرون نضالاً من أجل الحرية».
ثانيًا- ليس صحيحًا أن إسرائيل لديها حد أدنى أو حدود شرعية فيما يتعلق بأشكال العنف المقبولة والظروف التي يتعين معها قيام الحرب، إذ لا توجد حدود شرعية عند إسرائيل وهي تستخدم سياسة القتل ضد كل من تستشعر منه خطرًا حتى لو لم يستهدفها، وتجربة العدوان السابق على غزة أو عملية «الرصاص المصبوب» شنتها إسرائيل لوقف صواريخ المقاومة على قرى الجنوب التي لم توقع ضحايا في صفوف الإسرائيليين.
ثالثًا- رغم أن حركة حماس هي القوة المسيطرة في قطاع غزة، فإنها قد لا تملك سلطة على بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، ولا يمكنها منعها من ممارسة حقها في الرد على الجرائم الإسرائيلية التي تستهدف قياداتها وكوادرها.. فرغم وجود هدنة بين الجانبين، فإنها لم تمنع إسرائيل من اغتيال الشيخ «زهير القيسي» القيادي بلجان المقاومة الشعبية، مما استدعى من الأخيرة ومعها سرايا القدس الرد على عملية الاغتيال باستهداف البلدات الإسرائيلية في الجنوب بالصواريخ.. أي ان الأمر لا يخرج عن نطاق الفعل ورد الفعل.
رابعًا- اعتبار سقوط مدنيين كضحايا من العناصر المقبولة في الحرب المعاصرة، هو أمر يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، فرغم أن سقوط مدنيين في المعارك قد يفسره البعض على أنه نتاج تصرف فردي من الجندي من دون أوامر من القيادة الأعلى أو بسبب خطأ غير مقصود في تنفيذ المهام، فإن ذلك لا يصدق على إسرائيل التي تتبع سياسة القتل الممنهج وبأوامر من القيادات العليا ضد رجال المقاومة والمدنيين على السواء، فاستهداف المدنيين والمنشآت المدنية هو جزء من الممارسات العدوانية اليومية ضد كل من هو فلسطيني، وتجربة ما يزيد على ستة عقود من الاحتلال تؤكد ذلك وتؤيده، ويكفي أن الغارات الأربع الأخيرة سقط خلالها طالب لا يتجاوز الــ 16 عامًا ورجل عمره 65 عامًا وابنته البالغة من العمر 30 عامًا.
وهذه الحالات تجاهلتها الصحف الغربية باعتبارها أضرارًا مصاحبة وتمثل عواقب غير مقصودة للحرب الخالية من المخاطر، وكان أولى بها أن تسأل إسرائيل عن الاستخدام المفرط للقوة، وهو ما يوحي بأنها ميالة للقبول بما يسمى واقع الحرب، حيث أشارت التايمز في تقرير لها يوم 11/3 ووول ستريت جورنال في تقرير لها هي الأخرى يوم 13/3 إلى عدد الوفيات من الفلسطينيين كرقم عابر من دون تعليق في سياق تناولهما الخبري لتجدد الاشتباكات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، فضلاً عن الإشارة بإيجاز إلى الدمار الذي تسببت فيه الغارات الجوية الإسرائيلية.
خامسًا - ليس مستغربًا عدم اكتراث الصحف الغربية والإسرائيلية بعدد الضحايا من الفلسطينيين المدنيين مقابل اهتمامها اللافت بالنظام الدفاعي الإسرائيلي الجديد، فبعد أن حولت إسرائيل قطاع غزة إلى حقل تجارب لاختبار أنظمتها العسكرية الدفاعية والهجومية، وفي ضوء تبني هذه الصحف وجهة النظر الإسرائيلية فيما يخص (الإرهاب) الفلسطيني يصبح تحسين قدرات إسرائيل الدفاعية أمرًا مبررًا ومحل اهتمام بالدرجة الأولى حتى لو ترتب على ذلك سقوط ضحايا أبرياء من المدنيين الفلسطينيين.
وبعيدًا عن جوانب الانحياز والمغالطة في تناول الصحف الغربية والإسرائيلية للعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة والرد عليها.. كان لافتًا أن تتخذ صحف إسرائيلية موقفًا أقل انحيازًا إلى هذا العدوان.. فمثلاً الكاتب والمحلل «جدعون ليفي» - المعروف برفضه وهجومه الدائم على السياسة الإسرائيلية اللاأخلاقية ؟ كتب في صحيفة هاآرتس الإسرائيلية اليسارية يوم 11/3 منتقدًا عملية اغتيال الشيخ «زهير القيسي» وذلك بالنظر إلى النتائج السلبية التي يمكن أن تحدث بسببها على أمن واستقرار إسرائيل على المدى البعيد؛ إذ سيترتب عليها ؟ وفقًا له - مزيد من مشاعر الخوف بالنسبة إلى القاطنين في جنوب إسرائيل.. وأيضًا انتقد الاستخدام غير الضروري للقوة، إذ كيف يواجه الجيش الإسرائيلي الذي يوصف بأنه أفضل جيش مجهز في العالم شرذمة من قاذفي الصواريخ؟
ويؤكد «ليفي» الظلم الواقع على المواطن الفلسطيني جراء عدم الاهتمام المتوازن والمتكافئ بحياته مقارنة بحياة المواطن الإسرائيلي؛ حيث قال: «تخيل في المستقبل ما الذي يمكن أن يحدث لو قُتل 15 إسرائيليا ووقعت عملية «رصاص مصبوب» ثانية وحرب إقليمية في ظل وجود دولة مصرية مختلفة سياسيا تمامًا؟ ولكن الآن لم يدع مقتل 25 فلسطينيا سوى إلى التثاؤب».
لقد اعترفت هاآرتس في افتتاحيتها في اليوم نفسه 11/3 بحاجة إسرائيل والمجتمع الدولي ككل إلى إعادة ترتيب أولويات الصراع الفلسطيني ؟ الإسرائيلي؛ حيث أشارت إلى أن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بحاجة إلى مزيد من الجهد في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى.. إلا أنها لم تحدد الخطوات الواجب اتخاذها للبحث عن حل للنزاع، وهل هو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة؟ كما أشارت إلى أن إسرائيل يجب أن تعيد النظر في أولوياتها بمنطقة الشرق الأوسط من أجل استقرارها على المدى البعيد، لافتة إلى تصريح «جيمس ماتيس» قائد القيادة المركزية الأمريكية الذي ذكر فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو» جعل إدارة «باراك أوباما» تهتم بمخاطر امتلاك إيران للسلاح النووي على حساب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فيما أكد أهمية إنهاء النزاع، لأن عدم وجود حل له يعد - بحسبه - عبارة عن موقد لهب قادر على إبقاء الشرق الأوسط في فورة الغليان، ولاسيما أن الصحوة العربية الأخيرة جعلت الحكومات العربية أكثر استجابة لمشاعر شعوبها التي هي أعداء لإسرائيل.
وتذهب افتتاحية هاآرتس إلى أن تأجيل تسوية النزاع مع الفلسطينيين ليس في صالح إسرائيل، فقد ثبت أن الاعتقاد أن قادة العالم والمنطقة يمكنهم أن يتخلوا عن هذه التسوية هو محض وهم، وأصبح ثمن الاستيقاظ من هذا الوهم يتنامى أكثر فأكثر. ذلك التناول الأخير البعيد عن الانحياز من صحيفة إسرائيلية، يثير علامات تعجب كثيرة حول إصرار معظم الصحافة الغربية على الاستمرار في نهجها المغلوط في التعامل مع النزاع الفلسطيني ؟ الإسرائيلي! فالمشكلة ليست مشكلة صواريخ فلسطينية - ثبت أنها ضعيفة التأثير في مستوى ما يمكن أن تسببه من أضرار وتستغلها كحجة لاستهداف الفلسطينيين وتصفية المقاومة ؟ ولكن المشكلة أن هناك قضية شعب مازال يعاني ويلات الاحتلال منذ عام 1967 أي 45 عامًا، ويُحرم من أبسط حقوقه المشروعة، فالصواريخ ليست إلا تعبيرا رمزيا عن مقاومة هذا الشعب للظلم والعدوان ورفض الاحتلال، كأنه يقول للعالم الذي يتجاهل قضيته العادلة ويساوي بين الجلاد والضحية من خلالها انه مازال حيا ومازال يقاوم مهما تكن الوسيلة ضعيفة.