قضايا و آراء
حين تأتي ساعة الحساب
تاريخ النشر : الأحد ٢٥ مارس ٢٠١٢
في سورة يس قال الله تعالى محذراً الأمة عن الانزلاق إلى مهاوي الشيطان، والركون إليه لأنه عدو واضح العداوة للإنسان، فقال تعالى في بيان واضح: «ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين» الآية .60
وذكر عبادة الناس أو بعضهم للشيطان يعبر عن إمكانية ذلك حتى لو كان ذلك عند البعض مستحيلاً أو بعيداً عن التصور، وخاصة في عصرنا الحاضر حيث لم يجد العلم الصادق بداً من أن يكون مصدقاً لقضايا الإيمان، ومؤيداً للوحدانية الإلهية التي تدل جميع الشواهد على صدقها، وقد تطرق القرآن الكريم إلى بعض أدلتها من مثل قوله تعالى: «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون» الأنبياء .22
ومن مثل قوله سبحانه: «قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا» الإسراء .42
إذاً، فقد جاءت حقائق العلم مؤيدة لما جاء في القرآن الكريم حول التوحيد، وما عاد هناك مجال لطرح هذه القضية للمناقشة من جديد، بعد أن فرغت من مناقشتها العقول الإيمانية والعقول العلمية.
إذاً، فكان من المستبعد ولا نقول من المستحيل أن يأتي قوم فيعبدون الشيطان من دون الله تعالى كما حصل من عبادة الشيطان التي جاءتنا من الحضارة الغربية.
ونحن اليوم بصدد الحديث عن قضية شديدة الشبه بهذه القضية، وهي إنشاء حزب للشيطان معظم أعضائه من الظلمة المستبدين الذين نسوا الله تعالى، فنسيهم، بل أنساهم أنفسهم، ولو كانوا يحبون أنفسهم كما يزعمون لاختاروا طريق الهداية، ولتنكبوا طريق الغواية الذي يتزعمه الشيطان وأعوانه من الإنس.
حزب الشيطان، حزب سياسي يجتمع فيه كل من عصى الله تعالى، وأعرض عن ذكره، وسار في طرق الغواية وما أكثرها!
حزب الشيطان حزب سياسي يستهين بكل القيم التي جاءت الشرائع السماوية لتدعو إليها، وتعظم من شأنها وتعزز من وجودها في حياة الإنسان.
حزب الشيطان، حزب سياسي ضرب بعرض الحائط مصالح الشعوب، واستهان بحقها في الحياة، وفي الحرية وفي أن يكون لها نصيب من ثروات أوطانهم، وأشاع روح الأنانية، وأطلق الأيدي الملوثة في أموال الأمة.
حزب الشيطان، حزب سياسي استحل دماء الشعوب، واستباح هتك أعراضهم.
حزب الشيطان، حزب سياسي من ثوابته التي يؤمن بها أعضاؤه، ويروجون لها: أن ذوات هؤلاء المستبدين لا يجوز المساس بها، قد يتهاون هؤلاء حين تمس الذات الإلهية، أو يساء إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما فعلت الدانمارك فلم يتحرك هؤلاء للدفاع عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم يغضبوا له بقدر ما يغضبون لأنفسهم، وقد يعتبرون ذلك ضمن حرية التعبير التي ينادي بها البعض على حساب القيم الإسلامية، وثوابت الإسلام التي بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليرسي أسسها، ويرسم للناس معالمها.
حزب الشيطان هذا، حزب سياسي لا يقبل في عضويته إلا كل من استهان بحقوق شعبه، ووضع يده في أيدي أعداء أمته، وصار حريصاً على طاعة أوامرهم، وتحقيق مصالحهم حتى لو كان كل ذلك ضد مصلحة شعوبهم، وضد رغبات وإرادة هذه الشعوب.
شروط العضوية في حزب الشيطان تقوم على أساس معصية الله تعالى وعدم إطاعة أمره ونهيه، وأن يكونوا دائماً حيث نهاهم الله تعالى، وأن يغيبوا حيث أمرهم، وألا يتخذوا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة، وألا يسيروا على نهجه، ويتبعوا سنته، وغاب عنهم أن هناك حياة أخرى يجازى فيها المحسن على إحسانه، ويعاقب العاصي على عصيانه.
أعضاء هذا الحزب الشيطاني شعارهم: نموت ونحيا وما يفنينا إلا الدهر.
هذا الشعار هو السبب وراء كل هذين الاستبداد والظلم اللذين تذوقهما الشعوب على أيدي بعض المنضوين تحت قيادة هذا الحزب الشيطاني الذي يمسك بزمام أموره الشيطان.
يوم القيامة عند هؤلاء لا يوجد كمفردة في قواميسهم السياسية، ولا أثر في قواميسهم لجنة ولا لنار، فهم يعتقدون أن جنتهم ما يحققونه من متع في حياتهم الدنيا، وأن هذا نصيبهم فيها، ولا نصيب لهم في الآخرة التي هي مشكوك في وجودها عندهم، إذ كيف يعقل أن تكون الآخرة وما أعد الله تعالى فيها من جزاء وعقاب حاضرة في وعيهم ثم يرتكبون كل هذه الجرائم في حق شعوبهم، وكأنهم أمنوا العقوبة، ولديهم صك بالبراءة من مولاهم سبحانه وتعالى؟
لقد انضوى بعض هؤلاء في عضوية هذا الحزب دون أن يصرحوا بذلك، وعاشت شعوبهم في غفلة أو جهل بذلك حتى واجهت هذه الشعوب حكامها، وتمردت عليهم، وعلى سلطانهم، فانكشفت لهذه الشعوب الحقائق، وتبين لها أن أمورها تسوسها أنظمة عميلة للشيطان الأكبر وهو الولايات المتحدة الأمريكية، وللشياطين من أعوانها مثل الكيان الصهيوني في فلسطين، وإيران التي تلبس مسوح الإسلام وهي أشد على المسلمين من أعدائه من غير المسلمين، ويعينهم على الكيد للإسلام والمسلمين من الدول من يسير على سياستهم نفسها، ويتبع نهجهم.
كانت غضبة الشعوب قوية ومدمرة لأركان حكم هذه الأنظمة لأنهم كانوا يظنون أن أنظمتهم التي كانت تحكمهم وتدبر شؤونهم منهم يشعرون بشعورهم، ويتكلمون بلسانهم، ويعملون من أجل حماية مصالحهم، فاكتشفوا أن كل ذلك لم يكن صحيحاً، وما كان لهم أن يكتشفوا ذلك إلا بعد أن اخترقت هذه الشعوب حاجز الخوف وواجهوا حكامهم في جرأة لم يتوقعها الحكام منهم، وبذلك سقطت الأقنعة عن الجميع، عن الحكام فبانت حقيقتهم، وعن الشعوب حين تداعى جدار الخوف الذي كان يقيد أيديهم وألسنتهم، فانطلقت الألسنة بالنقد الصريح لسياسة هؤلاء، وتسابقت الأيدي في عزم لا يلين في إزالة كل مظاهر الاستبداد والظلم .
لقد اكتشفت الشعوب في حكامهم حجماً من الوحشية ما كانوا يتصورونه، فإذا هم في مواجهة وحوش ضارية تسفك الدماء، وتهتك الأعراض من دون جناية جنتها هذه الشعوب، بل صار بعضهم يتسابقون ليحوز كل واحد منهم قصب السبق في هذا السباق المحموم الملطخ بالدماء الطاهرة البريئة.
ونقر لبعض هؤلاء بالتفوق في إجرامهم، ونوصي بتسجيل أسمائهم في لوحة العار التي كانت هي غايتهم، والتي سوف يحاسبون على أساسها إن لم يسارعوا إلى التوبة كما سارعوا إلى ارتكاب هذه المجازر، ونريد منهم أن يتفوقوا في التوبة كما تفوقوا في الانحراف عن منهج الله تعالى.
إنه حزب شيطاني يسعى ليفسد في الأرض، ويهلك الحرث والنسل، ويتطاول أعضاؤه المنتسبون إليه على مقام الألوهية.
هؤلاء الأعضاء الشريرون حان وقت حسابهم، وبدأت الشعوب تعد المحاكم، وتجهز ملفات الفساد المليئة بالاستبداد، والظلم والقهر.
هذا حسابهم في الدنيا أما حسابهم في الآخرة، فأمرهم إلى الله تعالى إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، ونقول كما قال أنبياء الله ورسله (عليهم الصلاة والسلام):«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم» المائدة/.118