الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير


لا مصالحة مع الإرهاب أو مع من يتبناه

تاريخ النشر : الاثنين ٢٦ مارس ٢٠١٢

فوزية رشيد



} نحن جميعا مع مصالحة وطنية تجمع أطياف النسيج الاجتماعي في قماشة واحدة، ورغم أننا لا نتفق مع كلمة (مصالحة) لأنها غير متناسبة مع وقائع الحدث البحريني، حيث لم تمر البحرين بحرب طائفية مثلا فإن الكلمة تؤخذ هنا على علاتها كما يطلقها الآخرون، بما يخص المدلول الاجتماعي لتوحيد الصف الوطني، وهنا في الواقع ينشأ الخلاف الحقيقي وتنشأ الاشكالية، لسبب بسيط أن هناك (فئة) تقود حراكا انقلابيا طائفيا لا تريد الاعتراف بحقوق وحريات وآراء المكونات الأخرى، وتختزل جزافا الوطن والشعب في نفسها في حالة تكاد تقترب من (الاوهام السيكولوجية) وتعقيداتها، أكثر مما تنتمي بأي شكل إلى رؤى سياسية تتقن لغة السياسة، التي هي لغة فن الممكن، استنادا إلى التكوين الديمغرافي والسكاني للبحرين وطبيعة الحكم فيها، واستنادا إلى اختلاف الاطياف والطوائف، واستنادا إلى اختلاف الرؤى السياسية الذي هو حق أصيل ومحفوظ قانونيا ودستوريا لكل الأطياف والطوائف والمكونات وليس لفئة بعينها أو طائفة وحدها، وحيث لا مجال لأي جهة أيضا أن تفرض رأيها قسرا على كامل الشعب أو نصفه أو غالبيته، بحجة أنها معارضة وخاصة أنها كمعارضة تنظر إليها بقية المكونات والأطياف نظرة شك وريبة، جراء اشكاليتها التكوينية الولائية كجمعيات، لعبتها الرفض الدائم لكل شيء بقيادة جمعية «الولي الفقيه»، التي تعمل ليس للإصلاح كما يفهمه الآخرون، وانما للانقلاب على الحكم وان بالتدريج فذلك هو دورها المرسوم لها، وليس بإمكانها أن تغير اتجاهها في داخله.
} إذاً الأقرب إلى الواقع هو أن يتم تبني (المكاشفة الوطنية) وليس المصالحة لأن المكاشفة وحدها تضع كل الجهات أمام مسؤوليتها الوطنية والاجتماعية والقومية، في ضوء ما تكشف خلال عام بأكمله منذ فبراير قبل الماضي من أداء كارثي في حق الوطن، وحيث الوطن نفسه ومصالحه العليا هما الميزان الذي به يتم وزن الأخطاء ودرجتها ونوعها ومتى ما تحملت الجمعيات التي تسمي نفسها المعارضة مسؤوليتها كما تحملت الدولة أخطاءها وراجعت نفسها وصححت من مسارها فان الوطن حينها سيعيد بناء نفسه بشكل صحيح، والمصالحة بعدها تحتاج إلى وقت أطول جراء الجروح التي تركتها تلك الجمعيات السياسية في نفوس غالبية هذا الشعب.
} من جهة أخرى فان الوطن اليوم بقدر حاجته إلى المكاشفة وتحمل المسؤوليات من جهات الخطأ الوطني والسياسي والاجتماعي فان جمعية «الولي الفقيه» وأتباعها مطالبون بشدة بالفصل بين الأوراق التي خلطها عمدا، وبين أهم تلك الأوراق المختلطة التي لايزال يتم التلاعب بها كل يوم هي ورقة الإرهاب والعنف والتخريب في الشارع، والاعتماد عليها لابتزاز الدولة سياسيا، رغم أن الإرهاب ليس أداء سياسيا على الإطلاق، وانما هو (فعل تدميري مضاد) لأي حراك سياسي، ولأي إصلاح أو ديمقراطية، بل هو فعل تدميري مضاد لمصالح الوطن والمصالح الشعبية كافة ، ليس من الممكن المصالحة مع التدمير والإرهاب، مثلما لا تجوز المصالحة مع أي جمعية أو جهة أو أفراد يتبنون السلوك الإرهابي في الشارع عمليا بدليل عدم الإدانة وعدم اتخاذ موقف صريح وواضح منه، وانما يبرئون انفسهم نظريا وكلاميا بعض الشيء وبعض الوقت مما يراه الآخرون مجرد أكذوبة كبرى أو مجرد ممارسة للتقية المعروفة بها جمعية «الولي الفقيه» التي تجر اتباعها سواء جمعيات أخرى أو أفرادا إلى هاوية ومأزق تناقضاتها واشكالياتها الفكرية والسياسية والعقدية، مثلما اشكاليتها الوطنية حين هي تدعم وتسير وتقود جماعات العنف والإرهاب بما هو في غير صالح الوطن وبهدف التأزيم والتصعيد والابتزاز تحت ادعاءات المطالب الإصلاحية، بل ان جهات متطرفة أخرى تتبنى مباشرة اسقاط النظام واسقاط حقوق غالبية الشعب رغم ان هناك من الطائفة الشيعية نفسها من لا يتوافق مع هذا الطرح الانقلابي أو مع الإرهاب في الشارع، أو مع ممارسات «الوفاق» في جوانب الإرهاب الفكري والإرهاب السياسي والإرهاب النفسي الممارس ضد الجميع بمن فيها جماعات في الطائفة التي تنتمي إليها وتخالفها في الرؤية.
} هذه جماعة تتغطى باسم المعارضة السياسية وقد تحولت إلى كارثة على الوطن ومنذ أن تشكلت سرا ثم علنا بعد ذلك في عهد جلالة الملك، لم يتغير سلوكها أو طرائقها أو أساليبها أو توجهاتها الانقلابية، هذا يعني باختصار انها تسير وفق خط مرسوم لها مرجعيا وولائيا، وفي إطار طائفي خليجي تتبناه وتدعمه السلطة الايرانية بقيادة الولي الفقيه «خامنئي»، وتتبادل على إثره الادوار أو توزعها بينها وبين جماعات التطرف الأخرى غير المشروعة، وبالتالي فليس بإمكانها ان تحيد عن هذا الدور المرسوم لأنه دور رسمته المرجعية الخارجية ووكيلها في البحرين، والخط المرسوم قائم على اضفاء «الوفاق» الشرعية على كل ممارسات العنف والتصعيد والتأزيم والإرهاب في البحرين، وخلق الازمات وتغليفها بالغطاء السياسي، وهي كما قلنا لم تحد عن أداء هذا الدور حتى حين وصلت إلى أقصى المشاركة السياسية في البرلمان الذي خرجت منه طوعا اعتقادا منها بغلبة المسار الآخر الذي هو سواء عنف الشارع المغلف بالشعارات والمطالب الإصلاحية أو التسقيطية أو فاعليات (الذراع العسكرية) المتمثل بوضوح بعد ذلك في (الميليشيات) التابعة لها.
} اليوم هو (أوان الفصل بين الإرهاب وبين السياسة) ونقول الإرهاب لان المظاهر العنفية المتزايدة يوما بعد يوم، والجميع يعرف دقائقها وتفاصيلها لا يمكن أن توصم الا بالإرهاب، فهي حتما ليست سياسة أو ممارسات سياسية، كما تدعي (الوفاق وأتباعها)، وما لم يتم الفصل وبشكل سريع ومحاصرة الإرهاب من كل الاطراف، ومن كل الجمعيات السياسية التي تضع نفسها في خانة المعارضة السياسية، فانه لا جدوى من أي حوار أو أي مصالحة مع تلك الجمعيات، وبشكل ادق لا مجال لمصالحة مع الإرهاب، أو مع من يدعم أو يقود الممارسات الإرهابية في الشارع. هذا قول فصل بعيدا عن أي حيثيات أخرى تم خلط الأوراق فيها أيضا والخلاصة إذا لم تقم (الوفاق واتباعها) بادانة الإرهاب في الشارع وفصل نفسها تماما عنه قولا وعملا، ولا تتوكأ على استخدامه كورقة ضغط فانها معا كجمعيات بحاجة إلى وقفة مجتمعية جديدة تضع كل مسؤول عن تخريب الوطن أمام مسؤوليته، وان يتحمل وفق تلك المسؤولية (العقاب القانوني) الذي لا نراه الا بتجميد أو حل تلك الجمعيات ليعاد تشكيلها بعد ذلك وفق الدستور ووفق المصالح الوطنية الحقيقية، غير هذا هو كلام عبثي لن يؤدي إلى نتيجة مهما تم التلاعب بألفاظه أو المجاملة فيه، ومهما تم الادعاء بحسن النوايا والمصالحة وغيرهما، فهل من مصالحة في أي بقعة من العالم مع الإرهاب أو مع من يدعمه؟