الرئيس اليمني الجديد في مواجهة عوائق الحكم
تاريخ النشر : الاثنين ٢٦ مارس ٢٠١٢
تبوأ الرئيس اليمني الجديد عبدربه منصور هادي سدة الحكم في مرحلة حرجة وحساسة جدا من تاريخ اليمن، فمع التمرد الحوثي في الشمال، والحركات الانفصالية في الجنوب، وتهديد «القاعدة» المتنامي في البلاد، واستمرار المتظاهرين في «ميدان التغيير» بالتعبير عن عدم رضاهم عما آلت إليه الأمور، يبدو انه هناك تحديات جمة قد تعوق مسيرته السياسية.
حتى الآن لاتزال الحالة الأمنية في البلاد شديدة السوء ولم تشهد أي تحسن رغم مرور ثلاثة أشهر على سريان مفعول المبادرة الخليجية الموقعة في العاصمة السعودية الرياض في 23 نوفمبر من العام الماضي، التي أسفرت عن انهاء حكم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وقد تجسد ذلك من خلال التفجير الانتحاري في الجنوب بعد ساعات قليلة من أداء هادي القسم الرئاسي.
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
أمام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تحديات كثيرة تتمثل في طبيعة الظروف التي ساهمت في صعوده إلى سدة الحكم في اليمن، الذي جاء بعد عام من الاحتجاجات على نظام حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فضلا عن النواحي التي أخفق فيها بشكل كبير النظام السابق والمتمثلة في عجزه عن تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي للبلاد وانتشار الاضطرابات الأمنية وتضييق هامش الحريات والديمقراطية.
معركة شرسة
لا شك ان المعركة الشرسة بين تنظيم القاعدة وقوات الأمن اليمنية في جنوبي اليمن في الآونة الأخيرة تذكر بأن ظلال التمرد تحوم حول الجهود المبذولة لبناء نظام سياسي جديد، فأداء الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي اليمين الدستورية، كان مصحوبا بحملة عنيفة شنها متمردون إسلاميون أسفرت عن مقتل 150 جنديا على الأقل. مع ذلك تعهد الرئيس هادي بمحاربة «القاعدة» في الجنوب، والحفاظ على الوحدة الوطنية اليمنية. غير أن المخاطر التي تواجه اليمن حاليا لا تقتصر على هذين التحديين، بل تشمل تقريباً جميع مناحي الحياة فيه. فكيف سيتمكن هادي من معالجتها؟
تقع على عاتق هادي الآن مسؤولية قيادة يمن موحد خلال فترة انتقالية محفوفة بالمخاطر، تتطلب وضع دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات تعددية في غضون عامين. لكن إلى جانب المهام والتحديات الآنفة، فإن ظلال الرئيس السابق علي عبدالله صالح لاتزال ثقيلة على النظام السياسي في اليمن، ويتذكر اليمنيون أنه في الأشهر الماضية، حين كان الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي قائماً بأعمال الرئيس، أقام أحمد نجل صالح، وهو قائد الحرس الجمهوري، في القصر الرئاسي، مما اضطر هاديا لممارسة أعماله من مكتبه بوزارة الدفاع اليمنية.
تحديات أمنية
على المستوى الأمني سيواجه اليمن خلال فترة رئاسة هادي مشكلة مواجهة مخاطر التوسع الجغرافي لتنظيم القاعدة الذي استطاع استغلال الأزمة السياسية وأن يبسط نفوذه في العديد من المناطق كمحافظة أبين ومدينة رداع في البيضاء وستكون مواجهة خطر هذا التنظيم هي إحدى أولويات الرئيس الجديد لليمن خلال فترة رئاسته للعامين القادمين كما أكد هو في كلمته أمام مجلس النواب عقب أدائه اليمين الدستورية.
ويمكن القول إن نجاح الرئيس الجديد في إخراج اليمن من أزمته مرهون بتعاون الأطراف السياسية المنضوية في إطار حكومة الوفاق ثم تلبية بقية الأطراف الأخرى وفي مقدمتها الحوثيون والحراك الجنوبي للانخراط في الحوار الوطني الذي سيدعو إليه، فضلا عن العناصر الموجودة خارج اليمن.. ولعل مؤتمر الحوار الوطني اليمني سيكون أمامه الكثير من القضايا الملحة وفي مقدمتها قضية صياغة دستور جديد للبلاد يقوم على تحديد صلاحيات السلطات وتحديد النظام السياسي الذي ستنتهجه اليمن خلال الفترة المقبلة بما سيشمله ذلك من تحديد أيضا للنظام الانتخابي الذي سيتفق عليه المتحاورون.
أما موضوع إعادة هيكلة الجيش فسيمثل نقطة غاية في الأهمية خلال فترة رئاسة الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي للمرحلة الانتقالية. ذلك أن إعادة هيكلة الجيش تعني القدرة على تجاوز كل الأسباب التي قد تؤدي إلى اندلاع صراعات مسلحة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية كتلك التي حدثت خلال الأزمة السياسية عام 2011 إثر انقسام الجيش. ويشير مراقبون إلى أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح عمل طوال فترة حكمه الذي امتد 34 عاماً، على تشكيل قوات الجيش على هيئة إقطاعيات خاصة لا يجمع بينها سوى الولاء لشخصه، حيث جعل قادة الجيش من أقربائه أو من أبناء منطقته لضمان عدم حدوث انقلاب عسكري عليه كما حصل مع سابقيه لكن هذه التركة التي تواجه الرئيس الجديد باتت خطراً يهدد بفشل التسوية السياسية التي رعتها دول مجلس التعاون الخليجي.
عديد الجيش اليمني
وفي ظل غياب إقرار رسمي بالعدد الحقيقي لعديد قوات الجيش اليمني، يؤكد مسؤولون في وزارتي الخدمة المدنية والمالية أنهم اعتمدوا خلال العام الماضي تسويات لنحو نصف مليون جندي في مختلف رتبهم بعد أن رفضت وزارة الدفاع وقادة الوحدات العسكرية السماح للوزارة بالتأكد من الأعداد الحقيقية للمنتسبين لقوات الجيش النظامية، أو التأكد من عدم وجود ازدواج وظيفي بين الوحدات العسكرية والأمنية أو جهاز الخدمة المدنية. ويرجع مختصون في الشؤون العسكرية أسباب تضارب المعلومات بشأن أعداد القوات إلى أن النظام السابق كان يقوم بمنح زعماء القبائل والشخصيات الاجتماعية في المناطق القبلية فقط اعتمادات مالية لاتباعهم باعتبارهم «جنوداً في وحدات عسكرية» من دون الحاجة لالتزامهم بالوجود في الوحدات التي يتم صرف مستحقاتهم المالية باسمها كما كان بعض الزعامات القبلية تحصل على اعتمادات مالية باسم لواء في الجيش من دون أن يكون هناك وجود حقيقي لذلك اللواء.
احتجاجات الشباب اليمني
إلى ذلك، يبدو ان الرئيس اليمني الجديد عبدربه منصور هادي، سيضطر إلى بذل جهود جبارة من أجل تحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار في اليمن، وذلك في ظل استمرار احتجاج عشرات الآلاف من المتظاهرين الشبان المحتشدين في المدن اليمنية الرئيسية، ذلك ان المحتجين يعتقدون أن مهمتهم لم تنته بعد ومنهم من يقول: «لقد حققنا الهدف الأول لثورتنا السلمية عندما تم انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي ليحل محل صالح، ولكن لاتزال لدينا أهداف أخرى نسعى إلى تحقيقها، بما في ذلك عزل أقارب الرئيس السابق من الجيش والمؤسسات الأمنية، وإعادة هيكلة هذه المؤسسات وبناء دولة مدنية...لن نعود إلى منازلنا ما لم يتم تحقيق أهداف ثورتنا كافة، ونحن مستعدون للبقاء هنا مدة سنة أخرى أو أكثر».
فإذا تمكن الرئيس عبدربه منصور هادي من كسب ثقة الشبان ودفعهم إلى مغادرة الخيام المنصوبة في «ميدان التغيير» من دون أي خسائر أو حملة أمنية قمعية عندها ستكون تلك أولى خطواته لاثبات ان عهده مختلف عن عهد سلفه.
مشاكل اقتصادية
وبالانتقال إلى المشكلة الاقتصادية، وفي مقدمتها إعادة الخدمات الأساسية للمواطنين كالكهرباء والمياه فستكون أحد التحديات الملحة أمام الرئيس هادي وحكومة الوفاق خلال الأشهر الأولى من الفترة الانتقالية ولاسيما في ظل استمرار معاناة اليمنيين ذلك أن الأزمة السياسية أنهكت الاقتصاد اليمني وضربت معيشة المواطن وفقد الكثيرون مصادر دخلهم ناهيك عن البطالة المتفشية.. ولابد من تعاون إقليمي ودولي للإسهام في مساعدة اليمن على الخروج من وضعه الاقتصادي الذي يعيشه جراء الأزمة السياسية وهو الأمر الذي يعول عليه اليمنيون كثيرا من خلال مؤتمر أصدقاء اليمن المزمع عقده في العاصمة السعودية الرياض خلال الفترة القادمة.
تجدر الاشارة إلى ان الرئيس هادي سجل سوابق تاريخية، حيث يعتبر أول رئيس للجمهورية اليمنية يأتي من جنوب البلاد، وهو أول رئيس يتولى السلطة عبر الانتقال الدستوري، وهو الرئيس الثاني في جمهورية ما بعد الوحدة اليمنية في تلك الجمهورية، فهل يحقق سابقة جديدة بالتوصل إلى صيغة مناسبة للنهوض باليمن واعادته سعيدا من جديد؟