هوامش
تحذيرات خلفان ليست مهاترات
تاريخ النشر : الاثنين ٢٦ مارس ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
لم تأت من فراغ تلك الاتهامات والتحذيرات التي يطلقها قائد عام شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان بين الفينة والأخرى بشأن الخطورة التي تمثلها حركة الإخوان المسلمين على أنظمة الحكم العربية، وآخر تلك التحذيرات كانت بشأن ما قاله «تآمرهم لقلب أنظمة الحكم في دول الخليج العربي لتكون رهينة المرشد»، فبحكم الموقع الرسمي الذي يحتله الفريق خلفان في إمارة دبي، فإن هذه التحذيرات تكون مبنية على حقائق وأدلة يملكها المسئول الإماراتي، وبالتالي فمن المهم أخذها على محمل الجد كي لا تقع دولنا فريسة قوى الإسلام السياسي التي يمثل «الإخوان المسلمون» أكثرها خطرا بحكم التنظيم السري الحزبي الدقيق والخبرة السياسية التي اكتسبوها على مدى عقود من الزمن، وخاصة فرعهم المصري الذي يمثل المرجعية السياسية والدينية لباقي فروعهم.
فتحذيرات الفريق ضاحي خلفان وإن كانت موجهة مباشرة ضد خطر تنظيم «الإخوان المسلمين» باعتبارهم التنظيم الديني الأكثر تغلغلا في المؤسسات الحكومية في مختلف الدول العربية، ومنها بطبيعة الحال الدول الخليجية، إلا أن ما ينطبق على تنظيم الإسلام السياسي المذكور، ينطبق أيضا على جميع قوى الإسلام السياسي، فهذه القوى هي الأخرى تحمل تهديدا للأنظمة المدنية في مختلف الدول ومنها دول الخليج، فهي تحمل أجندات دينية مغلفة بالشعارات والمطالب السياسية، بما في ذلك تعاملها مع اللعبة الديمقراطية في هذه الدول، فقوى الإسلام السياسي جميعها، سوف تنقلب على الدولة المدنية ما ان تتمكن من الإمساك بمفاصل النظام السياسي من خلال المؤسسات التي تقع تحت سيطرتها، كالبرلمان على سبيل المثال.
فملامح الخطر الذي تمثله قوى الإسلام السياسي على الأنظمة المدنية بدأت تظهر في الدول التي سيطرت هذه القوى على مفاصل الأجهزة الحكومية مثل مصر وتونس وليبيا، حيث بدأت قوى الإسلام السياسي في تلك الدول تتحدث عن «أسلمة» القوانين، ففي مصر تطرح حاليا فرض الجزية على الأٌقباط وحرمانهم من الترشح إلى رئاسة الجمهورية وهو ما دفع بقياديين أقباط إلى التلويح بالحكم الذاتي أو حتى الانفصال، فيما يتحدث مسلمو تونس السياسيون عن مراجعة القوانين المدنية، مثل قانون الأحوال الشخصية الذي يفرض قيودا صارمة على تعدد الزوجات، تصل إلى حد المنع تماما، وهو ما لا تشتهيه قوى الإسلام السياسي كلها.
فهذه القوى التي حذر الفريق خلفان من أحد أخطرها تهديدا على أنظمة الحكم في الخليج، لا تؤمن بالدولة المدنية التي يتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، فحين تتحدث هذه القوى عن «أسلمة» القوانين فهذا يعني فرض تعاليم الشريعة الإٍسلامية على جميع المواطنين بمن في ذلك غير المسلمين، ثم أن دخولها اللعبة السياسية والمشاركة في الانتخابات البرلمانية ليسا سوى احدى وسائل الوصول إلى مراكز صنع القرار في تلك الدول، لأن التداول السلمي للسلطة ليس له وجود في قاموس قوى الإسلام السياسي لكنها لا تستطيع أن تجاهر به في الوقت الذي هي ترغب في فسح المجال أمامها للانخراط في العملية الديمقراطية في مختلف الدول التي تحتفظ فيها لنفسها بتنظيم سياسي.
فدول الخليج، وبالتحديد تلك التي لديها شكل من أشكال الممارسة الديمقراطية ومجالس نيابية، هذه الدول مطالبة الآن وقبل فوات الأوان، بأن تقرأ جيدا تحذيرات قائد عام شرطة دبي، فهذا الرجل لا يتحدث من فراغ ولم يقصد الدخول في مهاترات مع حركة «الإخوان المسلمين»، كما ادعى الناطق الرسمي باسم «إخوان» مصر محمود غزلان في تعليقه على تحذيرات ضاحي خلفان، فالدول الخليجية ستندم كثيرا ما لم تفتح أعينها جيدا وترفع من درجة الاستشعار لديها، ذلك أن قوى الإسلام السياسي لن تقبل نظاما تعدديا حقيقيا حين تتحكم أو تمسك بزمام صناعة القرارات السياسية في أي دولة.
هذه الدول مطالبة بتطوير أنظمتها السياسية بما يتماشى ومتطلبات العصر والحقوق الإنسانية التي أصبحت حقوقا عالمية ليست محصورة في شعب من دون غيره، وبأن يصب هذا التطوير في مصب خدمة المشاريع التنموية العصرية في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية، كحقوق المساواة الكاملة بين الجنسين، كما حددتها الاتفاقيات الدولية التي وقعها بعض من هذه الدول، هذه المطالب لا يمكن تحقيقها إلا في ظل دولة مدنية عصرية، أما الدولة الدينية التي تسعى قوى الإسلام السياسي إلى بلوغها، فإنها لن تستطيع تحقيق ذلك على الإطلاق لأن قادتها مشدودون إلى الماضي ويرفضون النظر إلى المستقبل.
ما لم تباشر هذه الدول وبخطى واثقة وصادقة ومدروسة، في تطوير النظام السياسي لديها فإنها ستجد نفسها في خلف الركب العالمي بمسافات طويلة جدا، وستبقى بالتالي سهلة البلع من قبل قوى الإسلام السياسي، التي من المؤكد أنا تخطط وبجدية نحو إقامة الدولة الدينية وفق تصورها واجتهاداتها الدينية فقط، فتطوير أنظمة الحكم السياسية في دول الخليج من شأنه أن يوفر شكلا من أشكال الحصانة في وجه الإسلام السياسي الذي حذر قائد عام شرطة دبي من خطورته.