تقييم أداء «أوباما» في الشرق الأوسط مع قرب نهاية ولايته الأولى
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٧ مارس ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
مع قرب انتهاء الولاية الأولى للرئيس الأمريكي «باراك أوباما» واستعداده لخوض غمار الانتخابات الرئاسية من أجل الحصول على ولاية ثانية في نوفمبر القادم، بدأت عمليات التقييم تظهر من جانب مراكز الاستطلاع ووسائل الإعلام لأداء إدارته على المستويين الداخلي والخارجي استنادًا إلى خبرة السنوات الثلاث الماضية، وهي فترة كافية بطبيعة الحال لإمكان إصدار تقييم موضوعي لمدى نجاحه أو فشله في قيادة الولايات المتحدة داخليا وخارجيا.
وفي واقع الأمر، فإن عملية التقييم هذه لأداء الرئيس الأمريكي هي أمر المعني به بالدرجة الأولى هو المواطن الأمريكي، وتزداد أهميته في سنة الانتخابات الرئاسية لإمكان تحديد اتجاه تصويته؛ إذ من منطلق هذا التقييم يقرر ما إذا كان سيعطي صوته للرئيس الحالي أو لمنافسه.
وإذا كانت خبرة الماضي تقول إن قضايا الشأن الداخلي كالضرائب والبطالة والرعاية الصحية والاجتماعية عادة ما تكون حاكمة في تحديد مستوى أداء الإدارة الأمريكية، فإن قضايا الشأن الخارجي لا تنال اهتمامًا من المواطن الأمريكي، إلا بقدر تأثيرها فيه داخليا من الناحيتين الأمنية والاقتصادية (كقضايا الإرهاب والحروب وما يستتبعها من كلفة اقتصادية وبشرية باهظة)، بل قد تكون قضية خارجية سببًا في سقوط رئيس ونجاح رئيس (فأزمة رهائن السفارة الأمريكية بطهران تسببت في سقوط الرئيس «كارتر» في انتخابات نوفمبر١٩٨٠ أمام منافسه «ريجان»، والحرب على الإرهاب كانت سببًا في فوز «جورج بوش» الابن بولاية ثانية في انتخابات نوفمبر ٢٠٠٤).
وفي إطار الاهتمام بتقييم أداء الرئيس الأمريكي «أوباما» خلال الفترة المنقضية من ولايته الأولى، فإن ما يعنينا في منطقة الشرق الأوسط، هو أداؤه الخارجي وتحديدًا سياسته ومواقف إدارته في التعامل مع قضايا المنطقة، لإمكان الحكم على مدى إيجابيتها أو سلبيتها لجهة تأثيرها في الأمن والاستقرار في المنطقة، ولجهة مدى خدمتها للقضايا العربية المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ولكن قبل البدء بتقييم أداء إدارة الرئيس «باراك أوباما» في منطقة الشرق الأوسط، لابد من الإشارة أولاً إلى أن سياسة هذا الرئيس ربما لم تختلف كثيرًا عن سياسة أسلافه من الرؤساء السابقين، على الرغم من محاولته في بداية حكمه إعطاء انطباع مغاير حين حاول التقرب إلى العالمين العربي والإسلامي، وبصورة جعلت الكثيرين يتفاءلون بحدوث تحول في السياسة الأمريكية من الممكن أن يفضي إلى إيجاد حلول لأزمات المنطقة.
فقد قامت سياسة هذه الإدارة بالأساس على عدة مرتكزات رئيسية تتمثل في الآتي:
١- السعي للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، فالمنطقة تحتل مكان الصدارة في أجندة أولويات إدارة «أوباما»، أولاً بحكم امتلاكها أكثر من ٦٠% من احتياطيات النفط في العالم، الذي لايزال عصب التقدم الاقتصادي (وسيظل كذلك في المستقبل المنظور)، فضلاً عن وجودها بموقع متوسط من العالم بالقرب من أوروبا الحليف التقليدي لأمريكا، أو لوجودها متماسة مع نقاط ومراكز الصراع الرئيسية في العالم أو قربها من الأقطاب الأخرى المنافسة كالصين وروسيا.
٢- الحفاظ على أمن إسرائيل، التي كانت ومازالت هي الحليف الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وهناك التزام أمريكي وصفه الرئيس «أوباما» بأنه «مقدس» تجاه المحافظة على أمن إسرائيل وتقديم الدعم لها سياسيا واقتصاديا وعسكريا حتى تبقى في وضع متميز ومتفوق على غيرها من دول المنطقة.. وهذا الالتزام الأمريكي تجاه إسرائيل ترتبت عليه - بحسب ما سنرى - أن أصبحت السياسة الأمريكية تجاه قضايا المنطقة التي تهم إسرائيل تحدد معالمها في تل أبيب، وهو الأمر الذي رسخ الصورة التي تكونت عنها بأنها متحيزة كغيرها من الإدارات السابقة لهذا الكيان، وهو ما ألقى بظلاله السلبية على المنطقة عمومًا.
٣- العمل على احتواء وإضعاف الأنظمة والحركات المناوئة، فثمة دول وحركات مقاومة في الشرق الأوسط تنظر إليها الولايات المتحدة على أنها معادية لها ولمصالحها في المنطقة، وكل ذلك إما بسبب رفضها لسياسات وأهداف أمريكا في المنطقة، وإما لأنها تعادي إسرائيل، وإما لأن لها تطلعات لا تخدم مصالح أمريكا وحلفائها حاليا وفي المستقبل، ومن أمثلة هذه الدول والحركات إيران وسوريا والسودان وحركة حماس وغيرها من منظمات المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني وحركة طالبان الأفغانية؛ حيث تعمل واشنطن على محاصرة هذه الدول والحركات من أجل إسقاطها أو إضعاف تأثيرها في مصالحها ومصالح حلفائها بالمنطقة.
٤- تقوية أواصر التعاون مع الأنظمة الحليفة، رغم أن هذه الركيزة تعتبر من الركائز الأساسية للسياسة الأمريكية في المنطقة باعتبار أن هذه الدول ترتبط مصالحها الاقتصادية والأمنية بمصالح الولايات المتحدة أو تتواءم سياستها مع السياسة الأمريكية، فإن هذه الركيزة تعرضت لاختبار حقيقي في ظل ثورات الربيع العربي حين اضطرت إدارة الرئيس «أوباما» إلى التخلي عن زعماء وقيادات ظلت حليفة للولايات المتحدة سنوات طويلة.
٥- استمرار الحرب على الإرهاب؛ حيث ورثت إدارة «أوباما» الحرب على تنظيم القاعدة عن إدارة «بوش» الابن، وكان ميدانها الرئيسي المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، فضلاً عن اليمن والعراق، حيث ينشط أخطر فرعين «للقاعدة» في المنطقة، وهما «القاعدة في شبة الجزيرة العربية»، و«تنظيم دولة العراق الإسلامية».
والواضح أن هذه السياسة قد واجهت تعثرًا شديدًا تعكسه وبدرجة كبيرة مواقف إدارته «المتحيزة» أحيانًا و«المرتبكة» أحيانًا كثيرة في التعامل مع أغلب قضاياها وهو الأمر الذي ستتم مناقشته على النحو التالي:
أولا-عملية السلام في الشرق الأوسط: أعلن الرئيس «أوباما» في بداية توليه المسؤولية أن حل الدولتين أمر أساسي لأمريكا وإسرائيل والأمن الإقليمي، وحتى ينفذ رؤيته قام بتعيين «جورج ميتشل» السيناتور السابق مبعوثا خاصا له في الشرق الأوسط، أملاً في تحقيق النجاح نفسه الذي حققه من قبل في ايرلندا الشمالية، بيد أن مهمة «ميتشل» تعقدت بعد عودة «بنيامين نتنياهو» لمنصب رئيس الوزراء، وهو المعروف بسياسته المتشددة التي تميل لفرض التسويات وليس التفاوض بشأنها، وزاد الموقف سوءًا بدخوله في ائتلاف حكومي أكثر تشددًا هدف لتوسيع المستعمرات وفرض الأمر الواقع.
وبعد فشل سياسة الضغوط الأمريكية على مدار ١٥ شهراً في جعل «نتنياهو» في موقف أكثر قابلية للتفاوض، اتبع «أوباما» تكتيكًا مختلفًا اعتمد على لغة توحي بالثقة في «نتنياهو» فحصل منه على تنازل بتجميد بناء المستعمرات في الضفة الغربية مدة ١٠ أشهر، فضلا عن قبوله فكرة الدولة الفلسطينية بشروط خاصة كشرط الاعتراف بيهودية إسرائيل.
بيد أن حكومة «نتنياهو» رفضت الاستمرار في تجميد الاستيطان بعد انتهاء فترة العشرة الأشهر، وبدورها لم تقم إدارة أوباما بأي جهد ملحوظ لحمل هذه الحكومة على الاستجابة لطلب تجميد بناء المستعمرات، بل إنها غضت الطرف عن المشروعات الاستيطانية الجديدة في الضفة والقدس الشرقية، كما اتخذت موقفًا مناوئًا من تقرير «جولدستون» الذي أدان المجازر الإسرائيلية في غزة، علاوة على رفض إدارته انضمام فلسطين لمنظمة اليونسكو وسعيها بكل ما أوتيت من قوة للحؤول دون انضمامها للأمم المتحدة.
والمثير هنا أن «أوباما» اعترف بضعفه أمام إسرائيل حين صرح بأن الدولة العبرية لاتزال عقبة تحول دون وضع استراتيجية أمريكية جيدة للصراع العربي الإسرائيلي.
ثانيًا- البرنامج النووي الإيراني: أبدى «أوباما» أثناء حملته الانتخابية استعداده للحوار مع طهران بشأن برنامجها النووي، وبعد توليه منصبه وجه عدة رسائل للقيادة الإيرانية بهذا المعنى، ثم أقدم على خطوة أعطت شرعية للنظام الديني في إيران من خلال استخدام عبارة «الجمهورية الإسلامية».. بيد أن سياسات النقاش والحوار التي جرت مع طهران عبر مجموعة (٥+١) فشلت في إقناع طهران بالتخلي عن برنامجها النووي، بل إنها استمرت في سياستها لتخصيب اليورانيوم من خلال منشآت «ناتانز» و«قم»، ورفضت التخلي عما اعتبرته حقها المشروع في حيازة برنامج سلمي للطاقة النووية، كما رفضت أيضًا الأفكار التي طرحت من الغرب وروسيا لتبادل الوقود النووي، وقبلت بصيغة طرحتها تركيا والبرازيل (بيد أنها لم تنفذ).
وأمام إصرار طهران على موقفها لجأت إدارة «أوباما» إلى مجلس الأمن لفرض حزمة رابعة جديدة من العقوبات على إيران فأصدر المجلس القرار رقم ١٩٢٩ في ١٠ يونيه ٢٠١٠ ليضاف إلى القرارات (١٦٩٦ لسنة ٢٠٠٦ و١٧٣٧ لسنة ٢٠٠٦ و١٧٤٧ لسنة ٢٠٠٧ و١٨٠٣ لسنة ٢٠٠٨)، حيث منع إيران من الاستثمار بالخارج في أنشطة استخراج اليورانيوم والتخصيب أو الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية، وحظر عليها شراء ثماني فئات من الأسلحة الثقيلة، كما وسع مجال عمليات التفتيش في عرض البحر لتشمل الحمولات البحرية المشتبه بها والآتية أو المتوجهة من وإلى إيران، فضلا عن إضافة أسماء بعض المسؤولين الذين لهم علاقة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني إلى لائحة الأفراد الذين تم تجميد أرصدتهم في الخارج وإضافة ٤٠ مؤسسة للقائمة بينها ٢٢ مرتبطة بأنشطة نووية.
ورغم أن «أوباما» وأركان إدارته كثيرًا ما رددوا أن الخيارات كافة مطروحة للتعامل مع الأزمة بما فيها الخيار العسكري، فإنه ظل يفضل اللجوء إلى خيار العقوبات من أجل بناء ضغوط على إيران تجعلها تتجاوب مع المطالب الدولية.
وفي ظل عدم اكتراث إيران بالعقوبات تعرضت إدارة الرئيس «أوباما» لضغوط قوية من إسرائيل من أجل اللجوء إلى الخيار العسكري سواء تولته الولايات المتحدة أو تولته إسرائيل بنفسها، بيد أن واشنطن وحلفاءها - ولاسيما بعد تشغيل منشأة التخصيب في «فودرو» - فضلوا إصدار حزمة إضافية من العقوبات بفرض حظر على تعاملات البنك المركزي الإيراني وعلى صناعة النفط الإيرانية، وهو الأمر الذي استفز طهران ودعاها للتهديد بإغلاق مضيق «هرمز» من أجل التأثير بالسلب في الاقتصاد العالمي بوقف صادرات النفط الخليجية.
وحيال استمرار الضغوط من جانب إسرائيل للقيام بضربة عسكرية أعلن «أوباما» مؤخرًا أمام مؤتمر «إيباك» التزام إدارته بمنع إيران من حيازة السلاح النووي، وأن الخيار العسكري سيكون مطروحًا كخيار أخير في حال فشل العقوبات الاقتصادية، وأعطى إيران مهلة حتى يونيه القادم لتقديم تطمينات للمجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي.
ثالثا: الملف العراقي: تعهد «أوباما» أثناء حملته الانتخابية بالعمل على سحب القوات الأمريكية من العراق في غضون ١٦ شهرًا، وقد أثار هذا التعهد جدلاً في دوائر الكونجرس وبين السياسيين الأمريكيين؛ نظرًا لأن عملية الانسحاب قرار يحدده القادة العسكريون في الميدان.. بيد أن الاتفاق الذي وقعته الولايات المتحدة مع العراق في نوفمبر ٢٠٠٨ (أواخر عهد الرئيس بوش الابن) والذي تم بمقتضاه تحديد وضع القوات الأمريكية في العراق لجهة أماكن تمركزها وجدول انسحابها، كان هو الخريطة التي تمت على أساسها عملية الانسحاب؛ حيث بدأت القوات الانسحاب من المدن إلى قواعد عسكرية خارجها، ثم كانت المرحلة الثانية بنهاية ٢٠١٠ بسحب الجنود الأمريكيين كافة وبقاء ٤٥ ألف جندي فقط و٩٢ قاعدة عسكرية، ثم تمت المرحلة الأخيرة من الانسحاب وتفكيك القواعد بنهاية عام ٢٠١١، مع الإبقاء على مدربين أمريكيين لتدريب الجيش العراقي.
رابعا: الانسحاب من أفغانستان: تعهد «أوباما» بسحب القوات الأمريكية من العراق مقابل زيادة هذه القوات في أفغانستان، من أجل التعامل مع التمرد الذي تقوده حركة طالبان، بيد أن الصعوبات التي واجهتها القوات الأمريكية هناك والتي استدعت أن يقوم بتغيير قيادة هذه القوات أكثر من مرة في مدة قصيرة بسبب عدم قدرتها على التعامل بكفاءة مع مقتضيات الحرب، كل ذلك اضطره للبحث عن استراتيجية جديدة للتعامل مع المأزق تقوم على زيادة عدد القوات الأمريكية بمقدار ٣٠ ألف جندي، ثم عمد إلى فتح حوار مع العناصر المعتدلة في حركة طالبان.
ومع زيادة خسائر القوات الأمريكية وارتفاع كلفة الحرب وجدت إدارة «أوباما» نفسها واقعة تحت ضغط من الرأي العام الأمريكي لسحب القوات، فأعلن خطته لسحب هذه القوات بحيث يكتمل الانسحاب بنهاية عام ٢٠١٤، فضلاً عن الحوار مع حركة طالبان من خلال مندوب للملا «عمر» الذي بدأ بمباحثات أولية في ميونيخ والدوحة بهدف التوصل لاتفاق يتيتح الدخول في مفاوضات بمشاركة حكومة كابول بما يتيح تسوية الأزمة من أجل تسهيل عملية الانسحاب، بيد أن الأمور تعقدت بعد واقعة حرق نسخ من القرآن الكريم بقاعدة «باجرام» الجوية الأمريكية، التي تسببت في تصعيد طالبان لهجومها ضد قوات حلف الناتو.
خامسا: ثورات الربيع العربي: اتسمت السياسة الخارجية لـ «أوباما» إزاء هذه الثورات بالتذبذب والارتباك، فهي لم تتخذ موقفًا محددًا منها تطبقه على الدول العربية، ولكنها اتخذت مواقف متباينة ومتأخرة، مما دفع الكثيرين لانتقادها.
سادسًا: الملف السوداني: استمرت إدارة «أوباما» على نهج إدارة «بوش» الابن نفسه تجاه هذا البلد؛ حيث أبقت عليه ضمن لائحة الدول الراعية للإرهاب واستمرت في حصار نظام «عمر البشير» وملاحقته جنائيا من خلال المحكمة الجنائية الدولية بسبب انتهاكات دارفور، كذلك استمرت على استراتيجية الإدارات السابقة نفسها التي تكرس تفكيك السودان، ويكفي أنه في عهد «أوباما» تم تقسيم السودان إلى دولتين شمالية وجنوبية، ويجيء استمرارها في تقديم الدعم للجبهة الشعبية لتحرير السودان من منطلق رؤيتها للحركة كآلية ضرورية لتفكيك ما بقي من السودان إلى دويلات صغيرة، ويعتبر اقتراحها في نوفمبر ٢٠١١ تقسيم ولاية جنوب كردفان المتاخمة للجنوب تكريسًا لهذا التوجه.
سابعًا: الحرب على الإرهاب: ربما كان الإنجاز الوحيد لإدارة «أوباما» هو النجاح في تصفية زعيم تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن»، وبعيدًا عن هذا الإنجاز تأثرت العلاقات الأمريكية - الباكستانية كثيرًا بسبب عمليات القصف الشديد التي تقوم بها الولايات المتحدة في داخل باكستان وفي المنطقة الحدودية مع أفغانستان، كما أن سياستها في محاربة الإرهاب تواجه تعثرًا في العراق واليمن وفي منطقة شمال افريقيا.
من الاستعراض السابق لأداء إدارة «أوباما» في التعامل مع قضايا وملفات منطقة الشرق الأوسط يمكن الخروج ببعض الحقائق فيما يخص سياسة ومواقف هذه الإدارة وهي:
- ان سياسة ومواقف هذه الإدارة تابعة لسياسات ومواقف إسرائيل حيال القضايا المعنية بها، ففيما يخص عملية السلام، مازالت واشنطن منحازة لتل أبيب وعاجزة عن حمل حكومة «نتنياهو» المتطرفة على التجاوب مع ما تفرضه عملية التفاوض من استحقاقات عليها، فهي ضعيفة أمام إسرائيل فيما يخص هذا الملف، الذي أصبح هامشيا بالنسبة إليها.
ويتضح ضعف هذه الإدارة أكثر أمام إسرائيل في موقفها من الملف النووي الإيراني؛ حيث نجحت حكومة نتنياهو في جعل هذا الملف يتصدر أجندة أولويات هذه الإدارة في الوقت الحالي على حساب ملف التسوية السلمية، ولولا خشية «أوباما» من جر أمريكا لحرب جديدة في المنطقة لانصاع إلى رغبة تل أبيب المحمومة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، بيد أنه فضل الانتظار للوقوف على تأثير العقوبات مع وعد بمنع إيران من حيازة السلاح النووي واللجوء للخيار العسكري إذا اقتضت الضرورة.
- رغم نجاح إدارة «أوباما» في إتمام انسحابها من العراق، فإنها خلفت وراءها بلدًا مقسما يعاني العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، فسياسيا مازالت الخلافات مستمرة بين مختلف القوى السياسية العراقية، وفشلت إدارته في التعامل مع ملف المصالحة الذي كان يتولاه نائب الرئيس «جو بايدن»، واقتصاديا مازالت هناك مشاكل الديون والتعويضات وإعادة الإعمار، أما أمنيا، فمازالت التفجيرات تدوي يوميا في بغداد ومناطق أخرى من العراق، وأيضًا مازالت أعداد القتلى عند المستوى المرتفع نفسه (٤٠٩٥ مدنيا عام ٢٠١١)، وفضلاً عن هذا وذاك زاد النفوذ الإيراني في العراق حتى أصبحت إيران تسيطر على مفاصل الدولة، وهو الأمر الذي يزيد مخاوف لدى دول الجوار، وخاصة دول الخليج العربية.
- ان إدارة أوباما تبدو عاجزة في أفغانستان من النواحي كافة، فسياسيا لم تنجح الولايات المتحدة في إقامة حكومة قوية يمكنها أن تقيم دولة مؤسسات ديمقراطية وتدير الملف الأمني بكفاءة، ولكنها ارتضت بحكومة ضعيفة ينخر فيها الفساد ولا يتعدى نفوذها العاصمة كابول.. وعلى الصعيد العملياتي تواجه هذه الإدارة مأزقًا كبيرًا مع اشتداد حدة المواجهة مع حركة التمرد الطالباني، الذي زادت خطورته في الفترة الأخيرة ومعه تخطى عدد القتلى الأمريكيين ١٠٠٠ قتيل منذ بدء العمليات قبل سنوات.. ويعمق من هذا المأزق عدم قدرة إدارته على التوصل لتسوية تتيح له سهولة خروج الأمريكيين بنهاية عام ٢٠١٤، في الوقت الذي يواجه ضغوطًا قوية من الرأي العام الأمريكي الذي يطالب بالانسحاب الفوري للقوات الأمريكية من هذا البلد.
- بدا من الواضح أن تعامل إدارة أوباما مع ثورات الربيع العربي اختلف بحسب طبيعة علاقات هذه الإدارة مع الأنظمة المستهدفة بالثورات ومصالحها معها، ففي تونس كان الموقف متجاوبا منذ البداية مع الثورة، وفي مصر كان مترددًا في البداية، بينما في ليبيا كان حاسمًا لجهة استخدام القوة لحماية المدنيين، في حين أيد في سوريا فرض العزلة على النظام من دون استخدام القوة العسكرية ضده، فيما اقتصر في اليمن على الوساطة.. وتلك المواقف المتذبذبة تعكس وجود حالة عدم يقين أمريكية بشأن التحولات في الشرق الأوسط، وما إذا كانت في مصلحة الولايات المتحدة أو في غير مصلحتها.
- ما حدث في السودان من تفكيك يعطي انطباعًا بجدية ما يثار بشأن وجود مخططات أمريكية صهيونية لتفكيك الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط استنادًا لتقسيمات عرقية ودينية وطائفية، حتى يسهل على إسرائيل فرض هيمنتها على المنطقة، فالسودان قُسم بالفعل إلى شمال وجنوب، والعراق مُقسم عمليا إلى إقليم كردي في الشمال وسني في الوسط وشيعي في الجنوب، وهناك حديث عن تقسيم مصر إلى دويلات في سيناء والدلتا والصعيد والنوبة، والحال نفسه بالنسبة للمملكة العربية السعودية وسوريا.
في المجمل كان الأداء الخارجي لإدارة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط على مدى السنوات الثلاث السابقة أقل بكثير مما كان متوقعًا منه في بداية توليه المسؤولية حيث بدا الرجل عاجزًا عن تحقيق ما سبق أن تعهد به، وبات أبعد ما يكون عن تحقيق ما كان يأمله منه العرب، فالواقع أثبت أنه كغيره من الرؤساء الأمريكيين ممن ارتموا في أحضان إسرائيل، بل إنها نجحت في فرض أجندتها الخاصة عليه، ومواقف إدارته وسياساتها في مختلف القضايا متحيزة ومرتبكة وفي غير صالح العرب لأنها تخدم أعداءهم والمتربصين بهم، وبالتالي لا يمكن النظر للولايات المتحدة سواء في عهد أوباما أو غيره كشريك يمكن أن يساهم بإيجابية في حل قضاياهم، بل إنها كانت طرفا أساسيا في تمييع هذه القضايا وفي إضاعة الكثير من الحقوق العربية التاريخية الثابتة، ودعم المشاركة في الجرائم التي ترتكب ضد العرب في فلسطين والعراق والسودان واليمن وليبيا ناهيك عن الجرائم ضد المسلمين في باكستان وأفغانستان.
.