الجريدة اليومية الأولى في البحرين


المال و الاقتصاد

يمثل حجر الأساس في كل عملية استثمار سليمة
بيان السياسة الاستثمارية.. هل سيصمد؟ وما البدائل؟

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٧ مارس ٢٠١٢



على مدى نصف قرن، تعلّم مديرو المحافظ الاستثمارية أن وضع بيان السياسة الاستثمارية IPS يمثل حجر الأساس في كل عملية استثمار سليمة. إلا أن الأزمة المالية لعام 2008 وضعت هذا الرأي موضع تساؤل. وتعقيباً على مقال سابق نشرته صحيفة فاينانشال تايمز يناقش كيفن تيرهار، مدير تطوير الامتحانات في معهد CFA، والدكتور ستيفن هوران رئيس محتوى التعليم المهني في معهد CFA، مع السيدة لميس البحارنة نائب رئيس جمعية المحللين الماليين المعتمدين في البحرين، الدور الذي يضطلع به بيان السياسة الاستثمارية، وما إذا كان يمكن له أن يصمد وينجو.
ما هو بيان السياسة الاستثمارية، ولماذا يعد ذا أهمية عالية؟
بيان السياسة الاستثمارية هو وثيقة تصف مستوى استعداد المستثمر للمخاطرة، وتوقعاته وأهدافه من حيث العائدات، واحتياجاته للسيولة، وغيرها من القيود. يمكن صياغة هذا البيان بما يتصل بمجمل الموقف المالي للمستثمر، أو بما يتصل فقط بالمحفظة الاستثمارية قيد النظر.
تقليدياً، اكتسبت محفظة المعايرة المرجعية (Benchmark portfolio)، أو التوزيع الاستراتيجي للأصول (أي فئات الأصول التي يجب تضمينها، ونسب هذه الفئات في المحفظة)، بأهميتها كجزء من بيان السياسة الاستثمارية. وتعدّ هذه أفضل الممارسات في هذا الميدان، باعتبارها توفر للمستثمر أساساً ليحدد مدى التعرّض البعيد الأمد للمخاطر المنهجية، وتتيح به بالتالي اتخاذ قرارات بشأن تعيين مديري الاستثمار، والتغييرات التكتيكية (أي القصيرة الأمد) في توزيع الأصول، وغيرها من خيارات تنفيذ الاستثمار.
ما هو المتّبع في دول الخليج؟
يهيمن على منطقة دول مجلس التعاون الخليجي وجود أفراد ذوي ملاءة مالية عالية، وذلك نتيجةً للاقتصاد القائم على إنتاج النفط والغاز، والثروات الناتجة عنهما في العقود القليلة الماضية. إلا أن المستثمرين الأثرياء في المنطقة عملوا وفق منهجية ثنائية الأبعاد في إدارة ثرواتهم. فقد قسموا استثماراتهم إلى استثمارات محلية- إقليمية واستثمارات عالمية. ونظراً لقربهم من الأسواق المحلية- الإقليمية، ووضوح رؤيتهم لها، فضّل الأثرياء إدارة استثماراتهم شخصياً في المنطقة، فيما فضّلوا الاستعانة بمديري استثمار خارجيين لإدارة استثماراتهم على الصعيد الدولي. وفي حين استرشدت استثماراتهم الخارجية بشكل عام ببيانات السياسة الاستثمارية IPS، فإن استثماراتهم المحلية- الإقليمية مالت إلى أن تدار بأسلوب رد الفعل، ولكن لا توجد دراسات أكيدة لإثبات هذا. كما اختلف النهج المتّبع في توزيع الأصول باختلاف الجغرافيا. ونظراً للنطاق المحدود من فئات الأصول المتاحة في المنطقة أمام المستثمرين، فقد توزعت معظم الثروات على الأسهم «الشركات العامّة، والخاصّة، والعائلية» وعلى العقارات، في حين تنوعت المحافظ الدولية تنوعاً معقولاً عبر فئات أصول أخرى، وخصوصاً السّندات، وصناديق التحوّط، والسّلع، وغيرها.
لماذا تعرّض بيان السياسة الاستثمارية للهجوم في السنوات القليلة الماضية؟
بعد انفجار فقاعة التكنولوجيا في أوائل هذا العقد، لاحظ عدد من نقاد الاستثمار الشهيرين أن العديد من المستثمرين تأذّوا من التركيز المفرط على الأسهم في استثماراتهم. وأعربوا عن اعتقادهم بأن الحلّ يتمثل في التقليل من أهمية التوزيع الاستراتيجي للأصول.
ما البدائل؟
ذهب بعض المعلّقين إلى حد التوصية بأن ينأى المستثمرون كلياً عن فكرة المعايرة المرجعية. وأن أفضل أسلوب للعمل هو البحث عن مصادر للعوائد، أينما وجدت.
وبدلاً من الاستثمار وفقاً لخطة ثابتة، فإن السرعة والحنكة هما الأهم اليوم. كان يُطلق على هذا النهج أحياناً، على سبيل الخطأ، تسمية «نموذج صناديق الهبات الوقفية» عند عرضه على المستثمرين، ولاسيما إذا ركّز على الأصول البديلة حيث كانت صناديق الهبات الوقفية أكثر استثمارا في الأصول البديلة.
ما هي مخاطر التخلّي عن بيان السياسة الاستثمارية؟
يستهدف المستثمرون تعظيم العائد المتوقع للمحفظة (ضمن مستوى معين من المخاطر)، ولكنهم غالباً ما يجدون أن سلوكهم أودى بهم إلى الفشل في تحقيق هذه الغاية المثلى. وقد تعلّمنا في التمويل السلوكي أن ثمة انحيازاً يشوب عملية اتخاذ القرارات من قبل المستثمرين.
ففي سعيهم إلى كسب العوائد، يتعرّض المستثمرون كثيراً لإغراء غريزة القطيع في اتخاذ قراراتهم، فتراهم يميلون إلى وضع ثقل أكبر على الخبرات التي حصلوا عليها حديثا.
كيف أثمرت هذه المحاولة؟
إن الجمع بين «بديل بيان السياسة الاستثمارية» في البحث عن عوائد عالية، وبين استقراء المجريات الأخيرة في السوق، أثبت أنه المشورة الخاطئة في الزمن الخاطئ. إذ أن عدداً من مديري وصناديق الاستثمار الرفيعي المستوى زادوا نسبة استثماراتهم في الأسهم مباشرة قبل تراجع أسواق الأسهم. وفي حالة المستثمرين بدول مجلس التعاون الخليجي، فإن التعرّض لمخاطر الاستثمار العقاري فاقم من مقدار هذه المخاطر.
وبالمثل، مع تدهور العائدات وهيمنة التشاؤم الذي ساد أواخر 2008 وأوائل 2009، كبح العديدون جماح مخاطرهم عن طريق الحد من الأسهم والسندات ذات العائد المرتفع، وغيرها من الأصول المرتفعة المخاطر. في حين لو تم الإلتزام بسياسة استثمارية حسنة البناء، لأدت على الأرجح، إلى نتائج أفضل. لذلك لا يبدو واضحا أن أمناء الصناديق والمديرين يمتلكون الآليات والقدرات اللازمة للاستفادة من الفرص المتاحة وتجنّب المخاطر غير المدروسة.
ما الذي يمكن فعله لتصحيح هذا الوضع؟
بدلاً من نبذ بيان السياسة الاستثمارية، يمكن خدمة المستثمرين ولجان الاستثمار على نحو أفضل من خلال تكثيف الاعتماد على بيان السياسة الاستثمارية لتوجيه قراراتهم الاستثمارية بعيدة الأمد.
على الرغم من مزاعمهم، يمتلك العديد من المستثمرين أفقاً استثمارية قصيرة الأمد، ولاسيما في البيئات الاستثمارية المضطربة التي كان فيها رد فعل الكثيرين على الخسائر متمثلاً في بيع الأصول الخطرة واستبدالها بالنقد وذلك قرب أدني مستوي لأسعار الأصول. للتصدي لهذا السلوك، يمكن لبيان السياسة الاستثمارية أن ينطوي على «فلسفة» استثمارية، وإرشادات تقنّن كيفية إدارة المحافظ الاستثمارية، ولاسيما في الأسواق الصعبة. يستحسن لأثرياء الخليج الإصرار على أن يضع مديرو ثرواتهم المحليّون بيان سياسة استثمارية وأن ينفذوه، تماماً كما يفعل مديرو ثرواتهم عالمياً.
كيف يمكن لفلسفة الاستثمار أن توفّر التوجيه والإرشاد؟
تعدّ القواعد البسيطة المتبعة لإعادة توازن المحافظ مفيدة جداً في هذا الصدد. كما أن بمقدور بيان السياسة الاستثمارية أن يحدد نطاقات أو حدود أوزان الأصول التي تطلق عمليات الشراء أو البيع، بغية إعادة المحفظة مرة أخرى إلى مسارها الاستراتيجي.
إن بيان السياسة الاستثمارية الذي يحدد محفظة «اعتيادية» ومنهجية صارمة لإدارة الاستثمار قد يؤدي إلى اتّباع أسلوب استثمار مناقض نوعاً ما، يشتري عبره المستثمر أصولاً انخفضت أسعارها بسبب ذعر المستثمرين الآخرين، ويبيع أصولاً في ظروف مزدهرة.
لماذا يكتسي هذا النوع من التوجيه والإرشاد بأهميته؟
بدون إطار لاتخاذ قرارات توزيع الأصول، يجد المستثمرون أنفسهم سائرين على غير هدى، وأكثر عرضة لاتّباع غريزة القطيع. ويرجّح في النتيجة أن يضعف الأداء الاستثماري. أما الالتزام بسياسة استثمارية مدروسة ومبنية جيداً فيتيح للمستثمرين فرصةً أفضل في تحقيق أهدافهم الاستثمارية بعيدة الأمد.