الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢٣ - الأربعاء ٢٨ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٥ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


هل حماية البيئة ترفٌ يمكن تأجيله؟





جورج أوزبورن (enrobsO egroeG)، وزير المالية البريطاني الذي يعتبر مَنصبه من أعرق وأهم المناصب الحكومية بعد رئيس الوزراء، يُصرح تصريحاً غريباً لا يتناسب مع القرن الحادي والعشرين ولا يليق بدولة كبريطانيا العظمى، وأَعتَبرهُ من التصريحات البالية التي قد يُدلي بها مسئول حكومي في العقد الرابع من القرن العشرين وليس في القرن الحادي والعشرين.

فقد قال مؤخراً في كلمة ألقاها أمام مجلس العموم: «إن السياسات البيئية ترف يمكن تحملها فقط عندما تكون الظروف جيدة»، كما أضاف قائلاً: «إنني قلق من التأثيرات المُركبة للسياسات البيئية على بريطانيا والاتحاد الأوروبي... وهذه السياسات تؤدي إلى تدهور الاقتصاد وفقدان الوظائف وستصبح بريطانيا أكثر فَقْراً»، ثم زاد وزير المالية البريطاني من انتقاده للأنظمة والسياسات البيئية واعتبرها «عبئاً» على الاقتصاد والشركات والمصانع البريطانية، وقال إنها «كُلفة سخيفة» تتحملها هذه الشركات.

ولا شك أن هذه التصريحات الخطرة من رجل يَرسم السياسات المالية والاقتصادية لدولة عظمى مثل بريطانيا لا تنعكس فقط على السياسات البيئية البريطانية، بل تتعدى المستوى الوطني إلى المستوى الإقليمي الممثل في الاتحاد الأوروبي والمستوى الدولي من خلال المعاهدات البيئية الدولية التي تأتي تحت مظلة الأمم المتحدة.

أما على المستوى المحلي، فإن هذه التصريحات أعطت الضوء الأخضر لمائة نائب بريطاني من حزب المحافظين لتوقيع عريضة في ٣٠ يناير ٢٠١٢ رُفعت إلى رئيس الوزراء، يدعون فيها إلى رفع الدعم عن برامج طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مما يشير إلى تغير سياسة بريطانيا نحو برامج الطاقة النظيفة ومصادر الطاقة المتجددة التي لا تلوث البيئة.

كما أن هذه التصريحات والعريضة البرلمانية انعكست أيضاً على المستثمرين في مجال الطاقة النظيفة المتجددة في بريطانيا وخارج بريطانيا، فهم الآن في ترددٍ وتخوف من وضع أموالهم للاستثمار في هذا المجال، مما قد ينجم عنه مع الزمن عزوف رؤوس الأموال عن الاستثمار في مصادر الطاقة الخضراء، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي لا تنبعث عنها الملوثات.

وأما على المستوى الأوروبي فقد نقلت صحيفة الجارديان في ١٩ مارس ٢٠١٢ خبراً عن قيام ألمانيا بخفض الدعم الحكومي عن مشاريع وبرامج الطاقة الشمسية بنحو ٣٠%، وتبعتهم الآن في هذه السياسة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

كذلك فإن هذا التوجه في خفض الدعم عن مصادر الطاقة النظيفة وفي وصف السياسات البيئية بأنها عبء على اقتصاد الدولة وتقيد حركة الشركات وتشل من نموها وتطورها وتؤدي إلى خسارة في الوظائف، نسمعها أيضاً في الولايات المتحدة الأمريكية. فالتصريحات التي جاءت عبر المحيط من أمريكا، وبخاصة من القادة الجمهوريين تسير على المنهج نفسه من اعتبار الأنظمة البيئية مُقيدة لرجال الأعمال وتفرض عليهم أعباء إضافية لا يستطيعون تحملها. فقد وصف الكثير من رجال السياسة التشريعات البيئية بأنها ؟قاتلة للوظائف؟ وتؤدي إلى تدهور الاقتصاد في جميع ولايات أمريكا، بل إنهم وصفوا وكالة حماية البيئة بأنها «منظمة أمريكية تقتل الوظائف».

وهذه التوجهات على المستوى الدولي تشير إلى أن الإنسان بدأ يتقهقر في دفاعه عن القضايا البيئية الرئيسة، وأخذ يرجع إلى الوراء أكثر من قرن في رؤيته وسياساته تجاه البيئة وقضاياها المصيرية، وهذه الحالة التي أشاهدها أمامي تؤكد لي أن رجل السياسة لا يهتم بالجانب البيئي وحماية مواردها الحية وغير الحية بقدر اهتمامه بالجانب الاقتصادي، فالاقتصاد هو المحرك الأول الذي يحدد سياساته العامة، والاقتصاد هو الحافز لكل برنامج يضعه عندما يكون في منصبٍ سياسي في أي دولة من الدول، غربية كانت أم شرقية، متقدمة كانت أم نامية.

فكما كان للبعد الاقتصادي الأولوية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فستكون الأولوية أيضاً للجانب الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين والقرون القادمة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة