الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


غموضُ خطابِ (الطبقةِ) الوسطى البحرينية (2-2)

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٨ مارس ٢٠١٢

عبدالله خليفة



الانقسامُ السياسي بين المسلمين في المنطقةِ العربية الإيرانية، والانقسامُ بين التيارين السني والشيعي السياسيين البحرينيين، متداخلان.
لقد رأينا الخلافَ بين الدولتين الكبيرتين السعودية وإيران ينعكسُ على تباينات الحركات المذهبية السياسية، لكن لهذا التباين سببيات بحرينية داخلية، وله علاقةٌ بنمو الرأسمالية وانقسامها بين الرأسمالية الحكومية والرأسمالية الخاصة.
لقد رأينا ضخامةَ أرقام العاملين الأجانب في القطاع الخاص، وهي أرقامٌ متصاعدة كذلك في السنوات الأخيرة. فالقطاع العام كان ينمو عبر احتكاره أغلبية الثروة وتوزيعها، وله خطط في الصناعة ومختلف جوانب الحياة، وعبر عقود القرن العشرين كانت الحرفُ والزراعة تنهار، وتوجه أغلبيةُ العاملين للأعمال الجديدة، عبر استيعابهم حكومياً إلى أن حدثَ التشبع وبدأت البطالة والفيض السكاني الريفي خاصة يبحثان عن علاجات وظيفية، حدتْ منها عمليةُ التشبع الحكومية، ونوعيتا المهن البسيطة والمعارف وكذلك التضخم العائلي.
لكن الرأسمالية الخاصة كانت بمحدودية علاقاتها بالموارد الرئيسية في البلد تتجه لجلب العمال الأجانب بشكلٍ واسع، وغدت التجارة بالقوى العاملة الأجنبية عمليات متعددة، وعبر التداخل بين الرأسماليتين العامة والخاصة، من دون شفافية كافية.
إن عدم ضبط تطور الرأسمالية بشكليها العام والخاص، وعدم تشكل طبقة قيادة ديمقراطية حرة بينهما، تقوم بتوزيع الموارد حسب خطط هيكلية اقتصادية اجتماعية، وعدم وجود برلمان يلعب دور القيادة لعمليات التطور الاقتصادية السياسية المتداخلة، أو مع وجوده ونقص دوره المحوري، فإن هذه العفوية التي تغدو تناقضاً وارتباكاً في العمليات الاجتماعية العامة وفي السوق خاصة، تجعل من الوعي السياسي بمظاهره المذهبية السياسية غيرَ واعٍ بمثلِ هذه التطورات والتأثير الايجابي العقلاني عليها.
إن الاتجاهات المذهبيةَ السياسية هي بذاتِها أشكالٌ من هذا الاضطراب بين الدول الإسلامية لعدم وجود معايير ديمقراطية نهضوية توحيدية بينها، مما يدفعها للصراعات المضرة بها جميعاً، ويظهر هذا في التطرف وعدم عقلانية الأهداف السياسية المطروحة أو عدم عمقها الكافي ومقاربة المعايير العالمية، ولغياب المقاربة والتعاون البناء وإزاحة الخلافات عبر العمل المشترك.
إن الشرائح الوسطى والعليا المتعددة المنقسمة، تضربُ بعضَها بعضا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالتوازن في استخدام العمالة الأجنبية، وتصعيد دور الرأسمالية الخاصة وإعطاؤها حريات وأعمالاً في البناء الاقتصادي الحكومي، وتشغيلها هي نفسها للمواطنين بأشكال واسعة، وتطور التعليم التقني العلمي، وتطور دور البرلمان كقائدٍ للعمليات السياسية الاقتصادية، هذه وغيرها من الأهداف لا تتناقض ويمكن حدوث مقاربة وتضافر بينها.
هذا ينعكس بالضرورة على الوعي السياسي، الذي يقود العمليات المُفترضة، ويتقدمها بدلاً من أن يكون ضحيةً لعدم فهمها أو أن يضعَ العصيّ في عجلاتها.
إن الجماعات المذهبية السياسية التي هي أغلبيةُ الوعي السياسي، حيث تملك القسمَ الأوسع من الجمهور وتتحكم في مساره، يشكلُ انقسامُها تعبيراً عن انقسام الناس وانقسام الفئات الوسطى المؤثرة في هؤلاء الناس بقوة وعدم قدرتهم على العمل المشترك لتغيير الواقع.
إن وضعَ الأفكار الدينية المُبسطة في قيادة الوعي السياسي هي بداية أسباب التفكك، لأن هذه المذهبية هي تعبير عن انقسام عتيق ومرتبط بهيكل اقتصادي تجاوزه الزمن كثيراً، كما تعود للماضي المحافظ حين عجز المسلمون عن التوجه للحداثة وتصارعوا قومياً من خلال المذاهب، لكن البدء من مقولات الحرية والديمقراطية والعقلانية والوطنية والتخطيط الاقتصادي ووحدة الشعب وتعاون الطبقة الوسطى والعمال وتصعيد طبقة وسطى وطنية متلاحمة، هذه الأفكار الأساسية وغيرها هي الأسسُ التي ينبغي أن تُوضع بدايةً في تشكيل الجماعات السياسية.
بطبيعة الحال إن هذا التحول المطلوب لا يخص فقط الشعب البحريني لكن يخص الشعوب المجاورة وقياداتها كذلك، لأن أعمالَها السياسية القائمة على المذهبيات وشعاراتها الفوقية المبسطة، وعدم الدخول الواسع العام في الليبرالية والديمقراطية يعوق هذا التحول الديمقراطي في الخليج وإيران.
لكن من الممكن القيام بأعمال ومهمات ضمن الممكن تمهد وتسهم في التحول الديمقراطي الواسع القادم، وخاصة فيما يتعلق بتطور العمال المواطنين وتطور ظروفهم العملية والمعيشية والقضاء على مزاحمة العمالة الأجنبية الدنيا وتدني أجورها، وتوسع استخدام النساء في مختلف أشكال العمل، مثلما أن الفئات الوسطى بحاجة إلى إشراكها في مشروعات البنية التحتية وتطور الاقتصاد والمجتمع عامة.
من أجل بناء دولة حديثة ديمقراطية لابد من القطع مع التوظيفات المذهبية في السياسة وبناء الأحزاب والدولة، والتحرر من العلاقات الأثنية والعشائرية والمذهبية، التي ستؤثر في بناء الفئات الوسطى والعمالية وخاصة تجاه الوطنية والحداثة، وهذا التبدل سوف يتيح لها تطوير البنائين الاقتصادي والسياسي. إن قوانين الديمقراطية والعلمنة لا بد أن تأخذ طريقها للتطبيق وهي ضمانة لتوحيد الفئات الوسطى وتغيير طابع المنطقة المتوجه عبر الطوائف وسياساتها وصراعاتها إلى كوارث كبرى.
وإذا كانت الفئات الوسطى لا تنتج هذه المعرفة وتحيلها للتطبيق فمن سيقوم بذلك؟