هوامش
العرب في حضن العراق غدا
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٨ مارس ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
بعد ثلاثة أشهر من انتهاء آخر قمة عربية استضافها العراق وكانت تلك في شهر مايو عام 1990، خرج العراق من الدائرة العربية وتكالبت عليه المصائب والمؤامرات، إما انتقاما من قيام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بغزو واحتلال دولة الكويت بعد انتهاء مؤتمر القمة العربي المذكور بثلاثة أشهر، وإما تنفيذا لفرصة سانحة تستهدف إخراج العراق من دائرته العربية وإنهاكه بما يخدم المشروع الإمبريالي في المنطقة العربية بحيث يؤول مصير الدول العربية المؤثرة في أيدي قيادات لا تملك القدرة على إدارة وقيادة الدولة وبالتالي تبقى هذه الدولة أسيرة تخبط سياسي ونزاعات ذات ألوان وأشكال مختلفة كلها تؤدي إلى وقف صعود بنيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما يحدث للعراق.
لا أحد ينكر أن سياسة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الخاطئة اسهمت مساهمة كبيرة في إفراز هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها العراق في الوقت الراهن، وخاصة حين اتخذ قرارا بغزو دولة الكويت واحتلالها وشطبها من على الخريطة السياسية، مع أن دولة الكويت كانت تمثل شريان الدعم العسكري وغيره الذي كان يغذي آلة الحرب العراقية خلال سنوات الحرب مع إيران، وما كانت الدولة الشقيقة الصغيرة تستحق من النظام العراقي مثل هذا الجزاء، ولكن إعادة اجترار الخطأ ليس مطلوبا الآن، فلا النظام الذي قرر غزو الكويت موجود ولا عراق ما قبل الغزو موجود أيضا.
بعد مرور أكثر من 21 عاما على غياب الأنظمة العربية عن حضور والمشاركة في أي فعاليات تنظم داخل العراق، وخاصة أن بلاد الرافدين كانت تحت المقاطعة السياسية العربية إلى جانب خضوعها تحت وطأة جريمة حصار اقتصادي لم يشهد العصر الحديث مثيلا له حيث أتى على أخضر الشعب العراقي ويابسه بحيث لم تسلم منه لا المستشفيات ولا المؤسسات التعليمية ولا حياة الأطفال في مختلف مراحلهم السنية، بعد أكثر من عقدين من الزمن تلتئم القيادات العربية الرسمية غدا في بغداد تحت مظلة أول قمة عربية يحتضنها العراق بعد قمة مايو .1990
فإذا كان النظام العراقي السابق يتحمل النتائج التي تمخضت عن جريمة غزو الكويت واحتلالها، فإن ما حدث للعراق بعد جريمة الغزو لم يأت تحت بند معاقبة النظام على فعلته السياسية في الكويت، وإنما مثل بداية تحويل العراق من دولة عربية لها وزنها السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة العربية، إلى دولة تتقاذفها الصراعات المذهبية والعرقية ومرتع لشتى طوائف الجماعات الإرهابية وسوق تتبادل فيها القوى الإقليمية أوراق صراعاتها السياسية، من دون أن يقدر العراق على التحلل من الطوق الذي وضعته في عنقه القوى الاستعمارية التي نفذت جريمة الغزو في شهر مارس من عام 2003 والتي تسببت في إيذاء العراق وتعطيل دوره.
وحين نقول ان نظام صدام حسين مسئول عن خطئه السياسي المتمثل في غزو دولة الكويت، فإن الكثير من الدول العربية وخاصة دول الجوار، تتحمل جزءا كبيرا من الأفعال التي ارتكبت بحق الشعب العراقي بدءا من جريمة الحصار التي استمرت أكثر من ثلاثة عشر عاما متواصلة تحت حجج وذرائع، تعرف الدول العربية أنها باطلة ومن صنع القوى الاستعمارية التي كانت لها أجندتها السياسية والاقتصادية الخاصة، وصولا إلى جريمة الغزو التي تمت بمساعدة ومشاركة عربيتين معلنتين.
فالعراق الذي يستضيف أشقاءه العرب غدا في مدينة الرشيد دفع أثمانا باهظة لأخطاء أبنائه وأخطاء أشقائه أيضا، لكنه قادر على التسامي على آلامه مستندا إلى أكتاف أبناء الرافدين الذين قدموا تضحيات من أجل بلدهم وشعبهم، بالقدر الذي قدموه من أجل أشقائهم في الخليج العربي وفي فلسطين ومن أجل جميع الشعوب العربية، فهذه القمة يجب أن تكون بداية العودة العراقية الحقيقية إلى الحضن العربي ومغادرة سياسة المقاطعة وحساسية الماضي، والإقرار بأن العراق «الجديد» بات واقعا لا يمكن تجاهله أو رفض التعامل معه.
من مصلحة الدول العربية والشعوب العربية أيضا، وخاصة في منطقة الخليج العربي، أن يعود العراق رقما مؤثرا وقويا في المنطقة ليلعب الدور الإيجابي في خدمة القضايا العربية القومية، فهو مؤهل ويمتلك كل مقومات إحداث التوازن السياسي الذي تحتاج إليه منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية بشكل عام، والحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها العراق بعد سنوات الإنهاك الناجم عن جريمتي الحصار والغزو، لا يمكن أن تستمر مع بلد وشعب يمتلكان من مقومات القوة والإرادة ما يمتلكه شعب العراق الشقيق.