الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير


الطائفية حين تتجلى في أبشع صورها

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠١٢

فوزية رشيد



} ما نراه اليوم من طائفية بغيضة في (العراق) من منظور التشيع الصفوي الحادث الذي يمثله حكم «المالكي» في بلاد النهرين، هو تماما ما يسعى اليه «الحراك الانقلابي الطائفي» في البحرين، بدليل ابداء اعجابهم به وسواء كان ذلك السعي سياسيا بهدف السيطرة على الحكم، أو كان ذلك السعي تنفيسا عن مخزون طائفي متراكم منذ ما يزيد على اربعة عشر قرنا، ويتجلى في شحنة الضغائن والكراهية التاريخية، جاءت (ايران الولي الفقيه) لتغذي عقول أتباعها بها، ليتحولوا إلى شحنات ناسفة ضد أوطانهم وضد شعوبهم، بل ضد أسس وتعاليم دينهم الحنيف، الذي تم اختراقه بالتشيع الفارسي ثم الصفوي عبر القرون الماضية، فتركوا الاصل وأخذوا بالمدسوس.
} رغم ذلك فإننا نعتقد جازمين أن الأمر لم يتوقف قط عند السياسة وأطماعها وأحلامها المنبثقة من حلم (الولي الفقيه) بإعادة الامبراطورية الصفوية، وانما تم حمل تلك المطامع على محامل عنصرية تاريخية وعلى محامل الكراهية للعرب، والكراهية للإسلام الذي جاء به نبي عربي، والكراهية لصحابة الرسول الاعظم وزوجاته، لتتحول بعد ذلك كل محاميل تلك الكراهيات إلى مدسوسات في الاحاديث النبوية، وإلى اختراع مرويات وقصص عن أهل البيت، ولكي يتم معه اختزال أهل البيت فيمن تحابيهم الثقافة الصفوية وحدها، وليتأسس حب «أهل البيت» كأنه أمر خاص بها وبأتباعها والموالين لمدسوساتها وحدهم، وكأن الامة الاسلامية لا صلة لهم بأهل البيت، لمجرد أن صلتهم بهم هي خارج التصنيفات والتقسيمات ومحاميل الكراهية والحب التي اخترعتها الثقافة الصفوية أو ثقافة التشيع الصفوي، ولأن حبهم لأهل البيت قائم أيضا على السنة النبوية وعلى القرآن وحدهما.
} باختصار والعراق اليوم تحت حكم هذه الثقافة الصفوية بامتياز وبشكل مباشر، من خلال الاحتلالين السياسي والعقدي لمضامين الحكم في العراق، فماذا أفرزت هذه الثقافة؟ وكيف تجلت في بلاد الرافدين؟ لندرك تماما ما يراد في البحرين وفي بلاد عربية أخرى تسعى (ايران الولي الفقيه) إلى وضع يدها عليها عن طريق عملائها، ولن نقول فقط عن طريق اتباعها ومواليها.
الذي حدث في العراق ويحدث في البحرين ومناطق خليجية أخرى، هو ازدياد الشحن الطائفي، وازدياد الفتنة الطائفية، وزيادة جرعات الاحتقان والكراهية والبغضاء بين الشعوب التي كانت حتى وقت قريب، وقبل الثورة الخمينية تعيش في سلم أهلي، لم تعكر قط صفوه الأمراض الطائفية او التقسيمات الطائفية إلا من خلال حوادث نادرة وعابرة عبر التاريخ.
} في العراق وصل الأمر اليوم إلى القتل على الهوية، وإلى تبديل الديموغرافيا، وإلى الترحيل الطائفي، وإلى الابادة الجماعية على أسس طائفية، وإلى القتل العشوائي، وإلى الاغتصاب والتنكيل، وإلى التشيع الاجباري أو تحت ضغوط مختلفة، وإلى انتشار الحس الطائفي الصفوي الكاره للانتماء إلى الوطن وإلى القومية العربية، وحيث المحج هو ايران، وإلى انتشار ثقافة شيعية صفوية مريضة تضع بلاد الحرمين في بؤرة الكراهية لدى اتباع تلك الثقافة، ووصل الأمر إلى الاستفراد بالحكم بعد ان كانت «المحاصصة السياسية» هي المنطلق في عهد الاحتلال الأمريكي المباشر، وإلى ظلم أهل السنة في العراق حتى باتت لديهم مظلومية حقيقية وقائمة على أسس الواقع العراقي المعاش لهؤلاء وعنوانه الاضطهاد الكبير.
} في العراق حدث ما هو أكثر من ذلك بكثير مما يعرفه كل المتابعين للشأن العراقي الراهن، فما الذي يحدث في البحرين؟ هو السعي ذاته لتكرار النموذج العراقي الذي هو محط اعجاب الفئة التي تسمي نفسها المعارضة، تريد الاستيلاء على الحكم وترحيل العائلة الحاكمة والمكونات المناقضة لها تحت لافتة (ارحلوا) التي تم رفعها في «الدوار» سابقا، وتريد جماعة اخرى من ذات المعارضة الطائفية ذات الحراك الانقلابي، وهي جماعة (الوفاق) واتباعها، الوصول إلى ذلك عبر التدرج في مطالبها السياسية لتصل بخلفية استمرار الإرهاب في الشارع إلى ذات النقطة وذات الهدف.
} ولأن القضية مشبعة بثقافة التشيع الصفوي ومستخرجاتها الحاقدة والعنصرية والكارهة للآخرين، فإن تجليات تلك الثقافة تتضح اليوم في البحرين، (حتى قبل وصول أو سيطرة اتباعها على الحكم) حسبما تتوهم وتحلم ولن يتحقق قط بإذن الله.
التجليات تتضح واتضحت منذ بداية الازمة في استهداف عنصري للجالية الآسيوية ولأهل السنة ولرجال الشرطة، وفي أدبيات زرعت خطابها في عقول أتباعها، فهي ثقافة دخيلة على عقول الشيعة في البحرين، من أجل اختراق النسيج الاجتماعي البحريني، وليس فقط تقسيمه إلى «يزيديين» و«حسينيين» وانما إلى مرتزقة وبلطجية ومجنسين، وإلى وصم النظام الشرعي بالاحتلال وتسمية أنفسهم بالمقاومة، وإلى إدخال أدبيات الخطاب الايراني وممثله في لبنان مثل «الدفاع المقدس» و«حق تقرير المصير»، وإلى دعم العنف والإرهاب تحت تلك الشعارات الباطلة، وإلى نشر الكراهية والأحقاد لمجرد الاختلاف المعتقدي بين الأمة والطائفة الشيعية وإلى اسطوانة المظلومية التي لا تنتهي.
} وماذا أيضا؟
وصلنا إلى الاستهداف بالقتل في حوادث طائفية تم اعتبارها فردية، لجر المكونات الأخرى إلى الاقتتال الطائفي. وصلنا إلى قصص الكراهية الطائفية والانتقام الطائفي وآخرها قصة (الطفل عمر) مع مدرسته، وصلنا إلى الشحن عبر المنابر بالسحق، وصلنا إلى كل أشكال العنف في الشارع مما يعرفه شعبنا. وصلنا المرة الأولى إلى ان تحكم ضغائن التاريخ وبناء على المنظور الصفوي نفسيات وسيكولوجية اتباع الطائفية الصفوية، وصلنا إلى ان النفوس في البحرين باتت تعيش الفعل الطائفي وردود الفعل ضده. وصلنا إلى ان الأمن والاستقرار باتا مهددين من كثرة الشحن الطائفي تحت لافتة السياسة والإصلاح المطلوب بالنسبة إليهم، وبتوزيع الأدوار، والهجوم الطائفي المستتر والمعلن لتطل علينا مفردات الكراهية من كل صوب.
} كل هذا يحدث والحكم ليس بيدهم كما في العراق، فأي تجليات كارثية ومروعة ستتجلى وفي أبشع صورها لو تخيلنا فقط، مجرد تخيل، ان يصعد إلى الحكم او أدنى سلم منه، هؤلاء المحتقنون بالنموذج العراقي، المعجبون به، وهؤلاء الذين يختزنون للأسف في نفوسهم كل اغلال وثقافة الحقد المستورد من ثقافة التشيع الصفوي.
ولكي لا نصل إلى ما هو أبشع، جميعنا دولة وشعبا، مطالبون بوضع الحلول العملية والجذرية للتجليات الطائفية الراهنة، وهي ذات محاميل ثقافية وتاريخية واجتماعية كما قلنا مرات عديدة، بل نفسية وشعائرية ومصدرها التحريضي المنابر والحسينيات، وحيث المنابر تحولت إلى خطابات السحق والشحن بالمظلومية، والحسينيات إلى مصدر للكراهية الطائفية، وكلاهما لم يكونا كذلك قبل ان تحرك إيران اتباعها، لتحقيق حلمها الصفوي في البحرين، بل كان كل الناس في البحرين يشاركون في شعائرهم، ويحضرون دروسهم العلمائية بنية صافية.
أين كنا وأين أصبحنا وإلى متى ستبقى (إيران الولي الفقيه) تسيّر الدفة؟ وإلى متى سيبقى عملاؤها يعبثون في البحرين؟