قضايا و آراء
أبعاد الموقف الروسي من الأزمة السورية
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠١٢
عبر العديد من العرب عن غضبهم من الموقف الروسي من المسألة السورية المتفاقمة وخصوصا عندما استخدم الروس الفيتو في مجلس الأمن بالأمم المتحدة لإحباط المشروع الأوروبي العربي الذي كان يدعو إلى وقف إطلاق الناس وتنحي الرئيس السوري بشار الأسد وتفويض صلاحياته إلى نائبه لحل الأزمة التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عام.
والحقيقة إننا لنفهم الموقف الروسي يجب أن نوضح 3 جوانب أساسية:
الأول: إن الأزمة السورية ليست في الحقيقة مجرد أزمة سياسية داخلية بين النظام والمعارضة كما يعتقد العديد من العرب وإنما هي أزمة ذات بعد إقليمي تتدخل فيها عوامل إقليمية واضحة وصريحة مثل الدور الإيراني والعراقي واللبناني الشيعي، بالإضافة إلى الموقف الإسرائيلي وهي اعتبارات جعلت من الحالة السورية منطقة تقاطع لصراع إقليمي على النفوذ وعلى حساب الشعب السوري الشقيق ومنطقة صراع دولي استوعبته القيادة الروسية وفهمته منذ البداية، وخصوصا بعد اللعبة السياسية التي أنجزها الناتو بتواطؤ أمريكي في ليبيا التي خرجت منها روسيا والصين بلا حمص كما يقال حين تم التحايل باستخدام تفويض مجلس الأمن لإسقاط النظام الليبي وجعل ليبيا فضاء للسيطرة الأوروبية بوكالة أمريكية على حساب كل من روسيا والصين وخاصة على صعيد الجيوسياسي فخسرت روسيا الفضاء الليبي على جميع المستويات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وفهمت روسيا بالتأكيد إن العملية في سوريا يراد لها أن تتكرر بالرغم من كل الشعارات وبالرغم من ضخامة المأساة التي يتعرض لها الشعب السوري من آلة القمع الرسمية التي مارست أبشع أشكال العنف ضد أبناء الشعب السوري الشقيق والذي كان ولايزال يطالب بالحرية ويعتبر هذا النظام الذي ظل في السلطة أكثر من خمسين عاما نظاما استبداديا.
الثاني: إن الموقف الروسي منذ البداية لم يكن داعما مباشرا لنظام الأسد وإنما كان يعبر عن خوف مما قد يترتب على تسليح المعارضة وإدخال السلاح على الخط وما له من تأثير خطِر ونتائج وخيمة قد تؤدي إلى حرب أهلية شاملة تأتي على الأخضر واليابس، وتؤدي في النهاية إلى فشل مهمة مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية السيد كوفي عنان التي يعلق الجميع بما فيهم روسيا آمالا كبيرة عليها لحل الأزمة السورية بالطرائق السلمية وإنقاذ هذا البلد العربي الشقيق من شبح الحرب الأهلية ومن التقسيم.
المهم فإن الموقف الروسي من هذه الزاوية موقف من الناحيتين السياسية والاستراتيجية فالإصلاح مطلوب وكانت روسيا أول المطالبين به ودعت الرئيس السوري إلى اتخاذ خطوات جادة للإصلاح في أكثر من مناسبة، بل إنها شجعت في مرات عديدة على الحوار بين النظام والمعارضة بما يؤدي إلى تحقيق إصلاحات جوهرية وحيوية في المجال الديمقراطي وممارسة الحقوق السياسية وتوسيع نطاق الحريات وتكريس مدنية الدولة والمساواة بين الطوائف السورية المختلفة والقضاء على الفساد واستعادة الأمن والاستقرار، واستقبلت موسكو العديد من الوفود للبحث عن مخرج سلمي للأزمة السورية لتجنيب البلاد كارثة الحرب الأهلية، فضلا عن إن الموقف الروسي يؤكد دائما وقف العنف بأشكاله كافة ومن كل الأطراف. وأن روسيا ضد العنف سواء من الجانب الرسمي أو من حملة السلاح من المعارضة وهو عنف يلحق الضرر بالشعب السوري الذي يستحق أن يعيش بسلام.
الثالث: انتباه الموقف الروسي للاستراتيجية الأمريكية الزاحفة نحو الهيمنة على المنطقة بشكل كامل، وخصوصا بعد احتلالها العراق وأفغانستان، لا شك أن وقوع سوريا تحت الهيمنة الأمريكية الغربية مباشرة سوف يوسع نطاق التدخل ويجعل من المنطقة تحت خريطة الهيمنة الأمريكية من شرق المتوسط إلى حدود الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان يضاف إلى ذلك عدم الود في السياسة الأمريكية تجاه روسيا الناهضة العائدة في عهد بوتين التي تريد أن تعيد قوتها وشخصيتها وصدقيتها وهيبتها التقليدية لتلعب الدور المناسب لمكانتها وقوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، خصوصا بعد أن تبين أن الغرب ليسوا صادقين بكل تأكيد في تعاملهم مع ما يسمى الربيع العربي وهم ينشدون من وراء تكتيكاتهم السيطرة على مخرجات هذا الربيع من خلال تفاهمات وتكتيكات مكشوفة تسعى إلى السيطرة على هذه البلدان واستبعاد أي تأثير لروسيا أو الصين تمهيدا لعزلهما اقتصاديا وعسكريا وسياسيا لتكون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم العربي كله قطعة واحدة من الهيمنة الأمريكية الغربية التي لم يعد يهمها إن حكم الإسلاميون المتطرفون أو المعتدلون لأن جل همهم اليوم هو تقسيم العالم العربي إلى مزيد من الدول على الطريقة السودانية وإضعاف ما بقي من كيان هذه الأمة لتكون إسرائيل وحدها القوة القائمة في المنطقة.
إن التحليل الموضوعي للموقف الروسي يبين بالرغم من الظواهر السطحية من الناحيتين الاستراتيجية والسياسية إنه لا يمكن قبول الألاعيب الأمريكية والغربية على حساب الدول العربية وهذه اللعبة آن لها أن تتوقف ونعتقد أن الموقف الروسي الصيني لا يأتي من فراغ بل جاء ضمن قراءة واعية للمخططات التي تستهدف هذه المنطقة وتستهدف الدور الروسي تحديدا.