الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات

الأبعاد السياسية لعيد النيروز في الثقافتين الفارسية والكردية

خامنئي يعترض على الاحتفال بالعيد لكنه يوجه خطابا رسميا بالمناسبة

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠١٢



فيما أصبح تقليدا مرتبطا بعيد النيروز المتزامن مع بداية فصل الربيع، شارك الرئيس الاذربيجاني الهام علييف في مسابقة كسر البيض مع عدد من الشخصيات السياسية والشعبية.
ففي أذربيجان، وهي جزء سابق من الإمبراطورية الفارسية الغابرة، لعيد النيروز جذور عميقة، لذلك يحرص الرئيس الاذربيجاني منذ سنوات على الاحتفال بعيد رأس السنة الفارسية باعتباره مناسبة لتسليط الضوء على صورته العامة، وهو عادة ما يقوم بزيارة مدينة باكو القديمة حيث يقوم باشعال شعلة النيروز التقليدية.
يشمل الاحتفال بالعيد الكثير من المرح واللعب الطريفة، لكن في مناطق كثيرة من العالم حيث يتم الاحتفال بالنيروز، للسياسة دور مخفي لكنه جاد جدا، ولا تشذ اذربيجان عن هذه القاعدة، لكن في إيران تبرز السياسة بشكل حاد في هذه المناسبة.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
في بعض الحالات، كان بعض الأنظمة، سواء دينية أم غير دينية، تنظر إلى عيد النيروز باعتباره تهديدا لهيمنتها لذلك كانت تمنع الاحتفال بهذا العيد تماما. في اماكن اخرى، كانت تعتبر العيد رمزا للبقاء والوجود وتتمسك بالاحتفال به مهما كان. وهناك بعض الحالات الاخرى حيث كان تاريخ العيد يخضع لرغبة رجال الدولة الاقوياء وارادتهم.
لكن في إيران تبرز السياسة في عيد النيروز اكثر من أي مكان آخر.
جذور عميقة
كانت إيران قبيل الثورة الاسلامية مهداً للنيروز، حيث كان يوما احتفاليا مرتبطا بالديانة الزرادشتية القديمة وله جذور عميقة في التقاليد الإيرانية. وبالنظر إلى اهميته فإن الثورة الاسلامية عام 1979 حتى لم تستطع محو تأثيره القوي. مع ذلك، كان عيد النيروز يتعرض لهجوم مستمر من قبل بعض رجال الدين المسلمين، باعتبار انه عيد غير اسلامي لا يجوز الاحتفال به، لكنه يبقى عيدا رسميا في ايران، يستغرق الاحتفال به ستة ايام كاملة، بينما تأخذ المدارس عطلة مدة 14 يوما.
يبقى الموقف الرسمي الإيراني من عيد النيروز الاكثر غموضا، ففي حين أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أصدر الفتاوى المتكررة، التي تقول إن النيروز «ليس له أساس ديني، وسيتسبب بالكثير من الضرر والفساد الأخلاقي»، لكن المفارقة ان خامنئي هو اول من يتحدث في عيد النيروز بخطاب رسمي. وقد بقي النيروز عيدا رسميا يحتفى به على صعيد وطني عام في إيران.
وقد استغل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، رسالة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي المختلطة بين التهجم على المناسبة والخطاب بها. وعلى اعتبار ان الايرانيين العاديين لطالما نظروا إلى عيد النيروز كرمز قوي للوطنية يعود إلى آلاف السنين، استغل نجاد هذا العيد منذ ولايته الاولى لطرح نفسه كرئيس قومي لكسب التعاطف في صراعه على السلطة مع المرشد الأعلى للجمهورية.
ويحاول نجاد كسب تأييد الدول المجاورة عبر هذا العيد، على سبيل المثال فقد دعا في الماضي رئيس أرمينيا لزيارة طهران لحضور احتفالات النيروز. وانضم هذا العام إلى الرئيس الافغاني حميد كرزاي في طاجكستان للمشاركة في احتفالات النيروز.
رمز للنضال
بالنسبة لاكثر من 30 مليون كردي موزعين على دول عدة من بينها تركيا والعراق وايران وسوريا ولبنان، لطالما كان النيروز رمزا للنضال من أجل الحفاظ على الوحدة والهوية الوطنيتين.
في تركيا، فإن الاحزاب الكردية الكبيرة كحزب السلام والديمقراطية وحزب العمال الكردستاني توجها بالدعوة لانصارهما للقيام بمظاهرات واسعة في 21 مارس المناسب لعيد النيروز.
وقد تم تشريع الاحتفال بالنيروز في تركيا في عام 2000 فقط وذلك بضغط من الاتحاد الاوروبي. كما منحت حكومة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بعض الحقوق الثقافية للأكراد الذين يشكلون ما لا يقل عن 20 في المائة من عدد السكان في تركيا. لكن للأسف تحولت الاحتفالات الاخيرة بعيد النيروز في 20 مارس إلى اشتباكات بين المتظاهرين الاكراد وعناصر من الشرطة التركية التي حاولت منعهم من الاحتفال بالنيروز في بلدتين جنوب شرقي البلاد. وقد اصيب تسعة اشخاص على الاقل.
بالانتقال إلى العراق، فقد عانى الأكراد العراقيون عقودا من القمع في عهد صدام حسين، لكن النظام العراقي السابق لم يصل إلى حد منع الاحتفال بالنيروز الا انه قام بمحاولة لطمسه من خلال اعلان 21 مارس عيدا للشجرة.
احتفالات عدة
في سوريا، يتزامن الاحتفال بعيد النيروز، مع مرور نحو عام على بدء الانتفاضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الاسد، وقد تعهد الاخير بالسماح للأكراد بالاحتفال بالعيد بعد ان كان والده الراحل حافظ الاسد قد منع الاحتفالات بالنيروز منذ وصوله إلى السلطة عام 1963، باعتبار انه مرتبط بالنزعة الانفصالية الكردية. علما ان عائلة الأسد هي جزء من الطائفة العلوية التي تحتفل أيضا بالنيروز كما هو حال طائفة البهائيين. اما في أفغانستان، فقد تحول عيد النيروز إلى يوم عطلة رسمية بعد سقوط نظام طالبان في عام .2001 حتى خلال حكم طالبان، كانت روح عيد النيروز قوية جدا بين الأفغان الذين كانوا يحتفلون بالعيد سرا في منازلهم على الرغم من الحظر الرسمي، وقد أصدرت حركة طالبان تحذيرات دورية ضد الاحتفال بالنيروز، ولطالما كانت السلطات في حالة ترقب من أي هجمات بالقنابل خلال تجمعات النيروز الضخمة في كابول ومدينة مزار الشريف في شمال البلاد.
وفي جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة، لطالما كان عيد النيروز عطلة رسمية معترفا بها، ولكن في بعض المرات كان العيد يخضع لهوى السلطات، كما هو الحال في أوزبكستان، حيث اعلن الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف أنه وحده يمكن أن يقرر متى ينبغي أن تبدأ العطلة.
تجدر الاشارة إلى أن كلمة «نوروز» هي كلمة مركبة من «نو» بمعنى جديد، و«روز» بمعنى يوم، فيصبح المعنى مكتملا «يوم جديد» والمقصود منه، انه يوم حظ وسعادة، وإذ يتفق الاكراد والفرس على الشهر واليوم الذي يبدأ فيه النيروز، فإنهم يختلفون حول الأسطورة التي جعلت من النيروز عيدا، فلكل أسطورة خاصة به، فالأسطورة الفارسية تقول إن ملكا كان اسمه «جمشيد بن طهمورث» احد ملوك إيران القدماء، تنقل بمركبة في أطراف الأرض، ووضع الجن تحت إمرته، وطار إلى كل الممالك على سرير مرصع بالجواهر حمله الجن في أول يوم من السنة وقت حلول الشمس في برج الحمل، فسر سرورا عظيما، فعرف ذلك اليوم بـ «النيروز»، ليبقى عرفا مقدسا لدى الشعب الإيراني.
سرجون
أما الأسطورة الكردية فتقول إن ملكا كان اسمه «سرجون» الملقب بالضحاك، وكان ملكا ظالما، يذبح كل يوم عددا من خيرة الشباب من أجل أن يشفى من مرض الم به عملا بنصيحة مستشاريه من الأطباء والحكماء، فقام رجل كان يعمل حدادا اسمه «كاوا» بثورة على الملك مع مجموعة من الشباب الأقوياء، وأضرموا النار على جبال ووديان كردستان ليعلنوا نهاية حكم الملك الظالم، وبدء يوم جديد من الحرية والتخلص من الاستبداد والعبودية، وهذا كان قد تصادف مع دخول الشمس في برج الحمل وحدوث الاعتدال الربيعي.
من جهة ثانية، فإن عيد النيروز لم يظهر في الثقافة العربية إلا متأخرا، بعد قيام الدولة العباسية تحديدا ولكن هذا لا يمنع وجود شعراء تغنوا بالنيروز في العهد الأموي وإن كان قليلا، مثل الشاعر إسماعيل بن عمار، إلا أن العهد العباسي كان فيه نيروز عيدا رسميا للدولة، ومكان فرح للجميع، حيث هناك مادة ثرية في الأدب العباسي تدل على ذلك في بعض أشعار البحتري، والشريف الرضي، والمتنبي، وابن الرومي، وأبو تمام، وأبو نواس، وابن المعتز، وغيرهم من شعراء العصر العباسي، أما في الأدب العربي الحديث، فقد كتب بدر شاكر السياب قصيدة بعنوان «وحي النيروز» التي كرسها للموضوع الإنساني، والثورة، والوطن، والتلاحم بين الشعبين الكردي والعربي ضد الاستعمار.