الرأي الثالث
«بورصة البشر».. في هذا الوطن
تاريخ النشر : الجمعة ٣٠ مارس ٢٠١٢
محميد المحميد
أرصدة وأسهم الشركات وأسعارها في سوق البورصة تحددها وتسعرها مشاريعها وانتاجيتها وأرباحها وسمعتها وقدرتها على الاستمرارية.. هذا في الشأن المالي.. ولكن في الشأن الإنساني فإن أرصدة وأسهم المواطن في سوق «بورصة البشر» في هذه الأيام والظروف التي يمر بها الوطن يتم تحديدها وتسعيرها وفق معايير أخرى متعددة ومختلفة بناء على المكان والزمان.. والمصلحة كذلك.
في «بورصة البشر» لا توجد مبادئ ثابتة ولا مواقف ثابتة، ولكن توجد مصلحة خاصة ثابتة، وانتهازية صارخة راسخة، يستغلها الانتهازيون الذين تصدروا الموقف اليوم، مهما كانت انتماءاتهم وأفكارهم ومواقعهم في الدولة أو المعارضة، سواء كان دينيا أو قوميا أو ليبراليا أو حتى «طرطنقي».. فالمصلحة الشخصية التي توافقت في هذه اللحظة مع مصلحة وسياسة و«تكتيك» السلطة، سواء كانت السلطة هنا عند الدولة أم المعارضة، فهي الحاكم وهي المعيار.
الدولة والمعارضة تستفيدان من مواقف تلك النوعية من البشر، وهؤلاء يستفيدون بالمغانم من خزانة الدولة وإعلامها، أو من خلال وجودهم في الصفوف الأمامية للمعارضة في الساحة التي يستفيدون منها سياسيا وإعلاميا في الداخل والخارج.. الغريب أن الدولة والمعارضة معا يتهافتون لاسترضاء هؤلاء وإغداق المغانم عليهم والتواصل مهم وإبرازهم والحفاوة بهم.. وخاصة متى ما بدر منهم أي تصريح أو موقف يتنقد الجهة الأخرى.
لو قمنا بعمل مسح سريع حول ارتفاع أسهم بعض الشخصيات والأسماء في «بورصة البشر» في هذا الوطن خلال هذه الفترة فسنجد أن بروز واحتلال شخصيات معينة وتبوءها المكانة السياسية والاقتصادية وحتى الحقوقية والإعلامية كذلك، ما كانت لتظهر ويقترب منها هكذا سريعا سوى لأنها تأتي وفق مصلحة مشتركة ولأهداف محددة، ليس للمصلحة العامة منها إلا الشيء اليسير.
يقول د. مصطفى الفقي وهو مفكر سياسي مصري حول «بورصة البشر»: إن المقاعد والمواقع والمناصب هي تكليف قبل أن تكون تشريف،، وأنها تعبر عن إرادة صاحب القرار،، ولكنها لا تعكس بالضرورة تميزا لمن يتولى، أو قدرة خارقة ليس لها نظير.. دعونا نعترف بأن ظروفا متشابكة ومصادفات مختلفة تتدخل في تحديد أسعار «بورصة البشر».. فترفع من تريد.. وتهبط بمن تشاء.. خلال مساحة زمنية قصيرة، بل إنه عندما يحال المرء إلى التقاعد قد تهبط أسهمه فجأة في «بورصة البشر..!».
لا أريد أن أذكر أسماء داخل الدولة أو المعارضة ارتفعت أسهمها وأسماؤها في بورصة البشر في هذا الوطن وفقا لتلك المعايير السيئة، وهي التي أسهمت في تعميق المشكلة وعدم علاجها بشكل جذري، لأن أمثال هؤلاء يجدون المغانم والمكاسب وفقا للوضع الحاصل ومعايير بورصة البشر الحالية، ولو تمت معالجة الأمور في الوطن لأعلن هؤلاء إفلاسهم وبقوا في ذيل قائمة بورصة البشر، ولخرجوا منها، لأنهم ببساطة شركات ومؤسسات بشرية فاشلة ومفلسة.
وحده المواطن البسيط والمخلص وصاحب الكفاءة والأمانة، ومن قلبه على الوطن ومستقبله واقف في الطابور وجالس على مقاعد المشاهدين في الدرجة الثالثة يتابع المسرحية السياسية الهزلية بعنوان: «بورصة البشر».. و«اللي على راسه بطحة يتحسسها».. سواء كان داخل الدولة أو داخل المعارضة.