خاطرة
زينة الله
تاريخ النشر : الجمعة ٣٠ مارس ٢٠١٢
عبدالرحمن فلاح
كل زينة يتزين بها الإنسان ماعدا زينة الله هي زينة مصنوعة، ومؤقتة لا دائمة، ووهم لا حقيقة، وسراب }... يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده...{ النور/ .39
لقد نسب الحق تبارك وتعالى الزينة إلى ذاته العلية سبحانه ليميزها عن أية زينة أخرى، ويميز بها أهل الإسلام الذين لا تشغلهم ظواهر الأمور عن جواهرها، والقشور من متع الدنيا عن لبها.
وحين ينسب الشيء إلى الحق الدائم والباقي الذي كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه، فإنه بهذا يعظم الشيء المنسوب إليه، ويرفع من مكانته، يقول تعالى: }قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون{ الأعراف/.32
زينة الله تعالى هي الحلال الطيب من الرزق، وزينة الشيطان هي الحرام الخبيث من الرزق يزين لأتباعه الولوغ فيها، والإدمان عليها.
كل حلال طيب يدخل في وصف (زينة الله) من المتع الحلال من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث إذا كسبها العبد من حلال، وأخرج منها ما أوجبه الله تعالى عليه من حقوق الفقراء والمساكين، ومن ذكرتهم سورة التوبة في آية الصدقات، ثم بعد ذلك لا يطغى بهذه النعم، ولا يتجبر، ولا يفسد بها في الأرض فإذا فعل ذلك والتزم بمعالم الحلال والحرام، فهو أولى الناس بالتمرغ في زينة الله تعالى التي أباحها لعباده، والآية الجليلة تطرح تساؤلاً عجيباً: }قل من حرم زينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق{ الآية.
كيف يبيح الله تعالى لعباده الزينة الحلال ثم يجرؤ عبد من عباده فيحرمها على الناس؟
وقبل أن يطوح هذا السؤال أو التساؤل بالناس بعيداً عن منهاج الله تعالى وشريعته العصماء يأتي الجواب من الحق سبحانه وتعالى جامعاً، مانعاً، شافياً: }قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) الآية.
المؤمنون الصالحون يشتركون مع غيرهم في التمتع بهذه الزينة في الدنيا، وينفردون بهذه النعم يوم القيامة من دون سواهم، فهم يجمعون بين خيري الدنيا والآخرة.
هذا التساؤل العجيب الذي طرحته الآية، ثم أتبعته بالجواب الشافي الكافي نزلا على قلوب المؤمنين برداً وسلاماً، وطمأناهم على أنهم لن يحرموا من متع الدنيا الحلال، بل يزيدون عليها بأن تكون متع الجنة لهم وحدهم من دون سواهم، ومن دون أن يشاركهم أحد ممن تمرد على شريعة الله تعالى، واتبع سبيل غير المؤمنين.
وحين تنسب الزينة إلى الله تعالى، فهذا يعني ضمان جودتها، وخلوصها من كل شائبة تشوبها، وكل خبيث يعكر صفوها، ويلوث نقاءها.
إنها زينة الله تعالى، وليست زينة أحد من خلقه، وقد تكفل الله تعالى بالمحافظة عليها نقية طاهرة، دائمة الصلاح وليس لها تاريخ صلاحية تنتهي عنده صلاحيتها.
هذه الآية المباركة تشرع للمباح من الزينة، والحلال من المتع، وتشدد النكير على الذين يبغضون الله تعالى إلى عباده حين يروعونهم بآيات العذاب والحرمان من دون أن يلحقوها بآيات الجزاء والعطاء كما هو منهاج القرآن العظيم الذي تأتي آيات التبشير مع آيات الإنذار حتى لا ييأس العصاة ولا يطمع الطائعون.
ومنهاج القران دائماً يجعل آيات الرجاء مصاحبة لآيات الخوف.
لقد حذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الدعاة من التشدد في الدين، فقال عليه الصلاة والسلام: }هلك المتنطعون{ قالها ثلاثاً. رواه مسلم، وأخرجه برقم.2670
والمتنطعون هم: المتشددون في غير موضع التشديد.
وكان صلوات ربي وسلامه عليه يختار من الأمور أيسرها ما لم يكن إثماً، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس منه، تقول السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) } ما خير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً، كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله( صلى الله عليه وسلم) لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالى{ متفق عليه، أخرجه البخاري برقم 3560، وأخرجه مسلم برقم .2327
ذلكم هو إسلامنا العظيم الرحيم، لا يحرم على أتباعه المتع الحلال، بل يستنكر على من يفعل ذلك من دون موجب شرعي، أو دليل من الكتاب والسنة، وهو لا يكلفهم ما لا يطيقون، وهو يشترط عليهم تحري الحلال في المأكل والمشرب والملبس فقط، فإذا فعلوا ذلك أباح لهم كل متعة حلال.