الجريدة اليومية الأولى في البحرين


زاوية غائمة


يعوضنا صاحب العوض

تاريخ النشر : الجمعة ٣٠ مارس ٢٠١٢

جعفر عباس



كتبت عشرات المرات عن افتقارنا لثقافة التعويض، وكيف ان علينا ان نتقبل ظلم الدوائر الرسمية مهما كان حجم الضرر الذي نتعرض له، تسقط في حفرة تسببت فيها البلدية وتكسر ظهرك وتصاب بشلل يبدأ من أسفل العنق إلى بقية الجسم، وليس من حقك ان تحلم بأن تأتيك البلدية ولو بتفاحة واحدة أثناء مكوثك في المستشفى لستة أو تسعة أشهر، وأحكي لكم للمرة العاشرة ربما، حكاية تسجيل عيالي في مدارس بريطانيا عندما ذهبت إلى ذلك البلد خبيرا أجنبيا في منتصف التسعينيات، وكنت قد اتخذت كافة الإجراءات الكفيلة بتسجيلهم من دون تسويف، فقمت بتوثيق شهادات ميلادهم وشهاداتهم المدرسية وعقد زواجي، ولم أترك طابعا أو خاتما إلا ووضعته على تلك الأوراق، ولك ان تتخيل مدى إحساسي بالحزن عندما لم يسألني أحد عن تلك الشهادات، لأن تسجيلهم تم بالهاتف، ولأنهم كانوا منتقلين من مدارس عربية حيث يشترط على كل طفل ان يكون عمره ست سنوات واسبوع وخمس ساعات وعشرين ثانية عند الالتحاق بالصف الأول من المرحلة الابتدائية، فقد فوجئت بهم في بريطانيا ينقلون كل واحد من عيالي صفا أو سنة كاملة إلى الأمام، وعندما قلت لهم: سعيكم مشكور ولكن هؤلاء العيال بجم في اللغة الإنجليزية، قالوا لي: هذا شغلنا، وبالفعل فقد صار عيالي بلابل في اللغة الإنجليزية مثل انتصار الشراح خلال ستة أشهر، وبين القصاصات الأثرية التي احتفظ بها ورقة من صحيفة الوطن السعودية على تجربة تلميذتين في الصف الأول الابتدائي، واحدة اسمها نورة، والثانية ميرال اللتان قالت لهما مديرة مدرسة ابتدائية في عسير عند نهاية العام الدراسي: سوري..لازم تعيدوا السنة من أول وجديد!! قالوا لها: خير يا أبله، ما يصير، فنحن اجتزنا الامتحانات بتفوق، وقلتم لنا قبل قليل مبروك ستنقلون إلى الصف الثاني!! قالت لهما الأبله: سوري بس الوزارة قالت انكم ناقصين عن سن القبول الأصلي ثلاثة أيام وساعتين إلا ربع!! وسمعنا بحكايتي نورة وميرال لأن والديهما قررا توصيل غضبهما وحزنهما إلى الصحف، بينما لم يتمكن من ذلك آباء وأمهات 48 تلميذة أخريات، قالت لهن إدارات مدارسهن مع نهاية العام الدراسي أن وجودهن في المدارس طوال عام كامل كان خطأ، وبالتالي فإنهن مفصولات!! وحدث هذا سيداتي سادتي بعد ان تحول اسم الوزارة المعنية بشؤون التعليم في السعودية من المعارف إلى «التربية».. ونِعم (بكسر النون) التربية التي تضع اللوائح فوق الاعتبارات التربوية والإنسانية! لو كانت لدينا «ثقافة تعويض» لجرجر أولياء أمور هؤلاء الأطفال الوزارة في المحاكم، لان المسألة تتعلق بالإخلال بشروط عقد بين الوزارة وبينهم، فمجرد تسجيل أولئك البنات في مدارس وإعطائهن مستندات بذلك، وحثهن على المذاكرة ثم تزويدهن بنتائج امتحانات الفصل الاول وغيره يصبح كل ذلك عقدا ملزما، والبنت التي طلبوا منها إعادة عام دراسي أكملته سلفا ستفقد «سنة» في كل المراحل، وستتأخر ترقيتها سنة كاملة وربما أكثر بعد دخولها الحياة العملية، بل ان زواجها سيتأخر سنة فإذا طلب أحدهم يدها وهي في الصف الثالث الجامعي مثلا سيقول له أهلها: انتظر سنة حتى تكمل سنتها الرابعة وتنال الشهادة! ثم ان الفتيات الخمسين لم يدخلن المدارس بقوة السلاح بل تم قبولهن لوجود شواغر أي اماكن لاستيعابهن، فأي منطق تربوي هذا الذي يحرمهن من جهد سنة كاملة؟ ولماذا نضفي قدسية زائفة على اللوائح، وننبطح عليها حتى لو ترتب عليها ظلم بيّن؟ وإذا كان لابد من «الفصل» لماذا لا يفصل من قاموا بتسجيلهن وهن دون «السن القانونية»؟ أتذكر ما قاله لي مدير المدرسة الإنجليزية التي سجلت فيها اثنين من عيالي عندما قدمت له الشهادات الموثقة مع صور جوازي سفرهما: يا سيدي احتفظ بأوراقك لأن من حق أي طفل ان يلتحق بمدرسة حتى لو كان والداه مهاجرين غير قانونيين.



jafabbas19@gmail.com