أخبار البحرين
خطيب جامع الخير يحذر من استخدام المنابر لإثارة الفتن بين الناس
تاريخ النشر : السبت ٣١ مارس ٢٠١٢
قال الشيخ صلاح الجودر خطيب جامع الخير بقلالي في خطبة الجمعة أمس: إن من أشراط الساعة كما أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) ظهور الفتن العظيمة، فقد جاء عن علي (رضي الله عنه) قال سمعت رسول (صلى الله عليه وسلم) يقول:(ستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) رواه مسلم وأخرجه الترمذي، فيختلط الحق بالباطل، وتزلزل الأرض، وكلما ظهرت فتنة قال المسلم: هذه مهلكتي، هذه هذه، ولا تزال الفتن تظهر في الناس إلى أن تقوم الساعة.
اليوم نرى الفتن وهي تموج بالأمة، فتن تتراءى ومصائب تتوالى، تحمل في طياتها تقلبات في العقائد، وتغيرات في الأفكار والمناهج، فتن محرقة، وشبهات مضلة، يرتفع سعيرها في القوم، وتتلاطم أمواجها بين الناس، فالمنطقة التي نعيش فيها اليوم تسفها ريح التغيير يمنة ويسرة، لذا أنذر المولى الأمة الإسلامية إن هي خالفت أمره، وبعدت عن شريعته أن يفتنها، قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تُصيبهم فتنة أو يُصيبهم عذاب أليم) ]النور:63[. المتابع لتسلسل الأحداث في المنطقة العربية يرى من خلف الركام حوادث غريبة لم يعهدها الناس من قبل، حوادث كانت مخبأة في كتب التاريخ المأزوم، حوادث مفتعلة لإشعال الصدام بين الناس، فاليوم تنطلق من على المنابر الدينية وفي مراكز التواصل الاجتماعي وعبر القنوات الفضائية، ومن أبشعها وأخطرها هي التطاول والاستهزاء والاحتقار، فالبحرين والكويت تتعرضان إلى أبشع السموم والأدواء، فهناك من يتطاول على مقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وينال من زوجاته وأبرزهم وأحبهم إليه عائشة (رضي الله عنها)، وهناك من يسخر ويسب ويلعن الصحابة وآل بيت النبي وفي مقدمتهم الشيخان أبوبكر وعمر(رضي الله عنهما)، وهي أعمال ليست بخافية عليكم جميعاً.
لسنا بصدد الحديث عن أولئك الطاعنين وأفكارهم ومناهجهم وأخلاقهم، فقد كشفها أهل العلم والفضل، وتركوا فيهم أسفاراً كثيرة تفضحهم وتبين فساد معتقدهم، ولكن ما يدفعنا إلى الخوض في هذا الحديث هو خطورة ما تتعرض له المنطقة العربية وبالتحديد منطقة الخليج العربي.
إن التطاول على مقام رسول الله وصحابته وآل بيته وأزواجه هي محاولات بائسة لجر أبناء المنطقة للصدام المذهبي، والاحتراب الأهلي، فبعد أن انكشف مخططهم لتغيير هوية المنطقة الذي طرح في دوار مجلس التعاون، المخطط الذي أفشله أبناء الخليج العربي والأمة العربية، هم اليوم في محاولة أخرى لافتعال الصدام بين أبناء الوطن الواحد تحت غطاء المذهب والطائفة، لذا يجب التحذير من الانسياق خلف تلك المعارك، خطورتها تتمثل في تدخل إيران في الشئون الداخلية للدول الخليجية تحت ذريعة الدفاع عن الأقليات. مازال الحديث يدور حول الطفل عمر وما تعرض له من إساءات، لسنا هنا بصدد اصدار الأحكام، فهذه مسئولية وزارة التربية والتعليم، ولكن دعونا نقف عند الرجل الأول الذي يحمل اسم عمر، دعونا نقف اليوم مع عمر بن الخطاب(رضي الله عنه)، عمر الفاروق، عمر الخليفة، عمر الشهيد، عمر وحقوق المرأة، عمر وحقوق الإنسان، عمر وحقوق الحيوان، عمر وحرية الأديان، عمر الدولة، من أين نبدأ سيرته العطرة ؟ لا يمكن اختصارها في خطبة أو مقال، من منكم لا يعرف عمر؟ من منكم لم يسمع بعمر؟ ثلاث رؤى لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) جميعها عن عمر: الأولى قال (صلى الله عليه وسلم): (بينما أنا نائم، رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعُرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره)، قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: (الدين). الثانية: قال (صلى الله عليه وسلم): (بينما أنا نائم، أتيت بقدح لبن، فشربت، حتى أني لأرى الريّ يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب). قالوا: فما أوّلته يا رسول الله - قال: (العلم). الثالثة: قال(صلى الله عليه وسلم): (بينا أنا نائمٌ، رأيتني في الجنة، فإذا امرأةٌ تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته، فوليت مدبراً) فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ أسلم عمر لما سمع: (طه{ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } إلا تذكرة لمن يخشى) ]طه:1-3[.
كان عمر (رضي الله عنه) يأخذ الدنيا في يوم، ويسلمها للفقراء في يوم، تأتيه الموائد من الذهب والفضة وتدخل المدينة، وهو يصلي وفي بردته أربع عشرة رقعة، يقضي على إمبراطورية هرقل، ولا يجد خبزا ليأكله مع فقراء المسلمين، يشبع الناس ولا يشبع عمر، يرتاح الناس ولا يرتاح عمر، ينام الناس في خلافته ولا ينام عمر، يجوب سكك المدينة، عله يجد مجرماً يؤدبه، أو فقيراً يعطيه، أو ضعيفاً يساعده، يجد امرأة ضعيفة مع أبنائها الجوعى ولا تملك لهم شيئاً، فيبكي لحالها الخليفة عمر، ثم يأتي لها بالدقيق والسمن والتمر والثياب والدراهم. يجلس الخليفة عمر في عام الرمادة (سنة ثماني عشرة للهجرة) في خيمة بين الناس ليشهد عملية الإغاثة لهم، ويباشر عملية توزيع الطعام بنفسه، ثم يصعد المنبر يوم الجمعة، وهو الذي ملك الدنيا وبطنه يقرقر من الجوع والألم، فيقول لبطنه: قرقر، أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين.
يأتيه الهرمزان - مستشار كسرى - لابساً الحرير، فإذا بعمر نائم تحت ظل شجرة، يتوسد ذراعه، وبجنبه درته، وعليه ثوبه المرقع، دون حرس ولا حجاب ولا وزراء، فيقول الهرمزان: أهذا عمر؟ أهذا الذي فتح الدنيا؟ أهذا الذي صيته ملأ العالم؟ أهذا الذي قال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ وقف الهرمزان حائراً مع هذه الشخصية الفريدة في التاريخ والتي اختصرها بكلمات: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.
قدم عمر للإسلام والمسلمين الكثير، بل قدم عمر للإنسان والبشرية، لقد فتح العراق وفارس والشام ومصر، ونشر الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية، وأنشأ بيت المال، وديوان الجند، وأهتم بالقضاء، وكتب التاريخ الهجري، وأعطى المرأة حقوقها، وأسس لاحترام الأديان والثقافات، وقد وصفه ابن مسعود (رضي الله عنه) فقال: كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمامته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا).
صلى عمر الفجر، وفي أثناء الصلاة أتاه أبو لؤلؤة المجوسي الذي ما سجد لله سجدة، فلما انتهى من قراءة الفاتحة، وبدأ يقرأ في سورة يوسف، ووصل إلى قوله تعالى: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) ]يوسف: 84[. بكى، وبكى الناس جميعاً، حتى سمع النشيج في آخر الصفوف، ثم كبر راكعاً، فتقدم الشقي إليه بخنجر مسموم، فطعنه بست طعنات، فوقع وهو يقول: حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم. فزع الناس إلى عمر، فإذا به في سكرات الموت، يسأل وهو في سكرات الموت: من قتلني؟ قالوا: قتلك أبو لؤلؤة المجوسي، قال: الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجل ما سجد لله سجدة.
دخل عليه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ليلقي كلمات الوداع، وهو متكئ على ابن عباس (رضي الله عنه) والدموع تفيض من عينيه، وأخذ يقول: يا أبا حفص، والله لطالما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (جئت أنا وأبوبكر وعمر، وذهبت أنا وأبوبكر وعمر، وخرجت أنا وأبوبكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك). يقول علي، وعمر يكفّن، قبل أن يصلّي عليه: والله ما أريد أن ألقى الله بعمل رجلٍ إلا بعمل رجلٍ مثلك. قال أحد الصحابة: ظننا أن القيامة قد قامت يوم قتل عمر. ألا يعلم من يثير الفتن والمحن بين الناس أنه يرتكب اثماً عظيماً، فهو يشيع الفوضى والخراب بين المسلمين، ويشعل نار الصراع المذهبي والطائفي بين أبناء الوطن الواحد، وإلا لماذا الآن بالذات يتم التطاول على النبي وأصحابه وأل بيته وأزواجه؟ لماذا الآن بالذات يتم النيل من أبي بكر وعمر وعائشة؟ لماذا الآن بالذات البحرين والكويت؟ إنها المؤامرة الكبرى لتغيير هوية المنطقة، فاتقوا الله في أوطانكم، واحذروا الطابور الخامس والعملاء الذين يثيرون الفتن بينكم، خذوا العبرة مما حصل في معركة صفين سنة 37 للهجرة، فلايزال المسلمون يعانون من آثارها. (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم).