أخبار البحرين
الدكتور عبدالرحمن الفاضل ونفحات من سيرة عمر بن الخطاب
إنه ثاني خير الأمة من بعد نبيها.. ومزلزل الأكاسرة
تاريخ النشر : السبت ٣١ مارس ٢٠١٢
قال الدكتور عبدالرحمن الفاضل خطيب جامع نوف النصار بمدينة عيسى:
من الرجال العظماء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- علم من أعلام الإسلام العالية؛ ولا أشك أبداً أن أحدأ سمع به ثم لم يدرس سيرته، ولم يقرأ مناقبه، ليتعرف على حياته قبل إسلامه، وبعد هدايته، ويتتبع بشوق صحبته، ثم إدارته لخلافته ؛ ليرى عظمة الإسلام في صقل مواهبه الفذة، ولعلنا نشير إلى بعض من سيرته استئناساً بها لمحبيه، وإغاظة لأعدائه وشانئيه، فقد روى ابن الأثير عن عبدالله من مسعود قال: «كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمةً، ولقد رأيتنا ما نستطيع أن نصلي في البيت، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا».
نعم كان إسلام عمر- رضي الله عنه - عزاً ونصراً للإسلام والمسلمين ، وكان استجابة لدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال علي رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم أعز الإسلام بعمر» فكان إسلامه فارقا بين الحق والباطل، فعن أبي عمر ذكوان قال: قلت لعائشة - رضي الله عنها - من سمى عمر بالفاروق؟ قالت: النبي عليه الصلاة والسلام»، فإن عمر - رضي الله عنه - لما أسلم قال للرسول - صلى الله عليه وسلم -: ألسنا على الحق! إن متنا أو حيينا ؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده إنكم لعلى الحق إن متم أو حييتم، قال عمر: ففيم الإختفاء والذي بعثك بالحق لتَخرُجَنَّ. فأخرجنا في صفين حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر حتى دخلنا المسجد، فَنَظَرَتْ إلى قريشٌ وإلى حمزةَ فأصابتهم كآبة لم تصبهم مثلها». فعن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل».
هذا هو عمر - رضي الله عنه - الطود الشامخ، ثاني خير الأمة من بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - يكفيك أن تذكر اسمه، حتى تفر الشياطين من الطريق التي يسلكها، إنه عمر مزلزل الأكاسرة، ومرهب القياصرة، إنه عمر ومن لا يعرف عمر، ومن لم يسمع بعمر؟! فما إن يذكر عمر حتى يتمثل لنا العدل بكماله، والقوة بتمامها، والزهد بفضائله، والشجاعة في أسمى معانيها، والدين في أنصع مفاهيمه. ماذا نقول عن عمر؛ وصفحات أمجاده لا تغطيها محابر العالم!! إنه أمير المؤمنين الذي تعرفه الدنيا بأسرها، وتُقدر مكانته وفضله، كتب عنه الفضلاء، وتكلم عنه العلماء وتدارس سيرته الحكماء، وهل أتى على الإمارة والرئاسة والقيادة والخلافة مثلُ عمر - رضي الله عنه - في عدله ورعايته، في نظامه وإدارته، في أعماله ومواقفه، في أقواله ومناقبه؛ فإنها لا تعد ولا تحصى؟! لقد أتعب من خلفه من الخلفاء الصالحين!!، وفضح من بعده من الرؤساء والحكام المفسدين!!، فهل يقدر أحد على مثال أعماله، ويصدق في أقواله وأفعاله، فينزل نزوله في ليله ونهاره، فيتفقد أحوال الرعية بذاته، لا يركن أبدا إلى أعوانه ومساعديه، وليس هذا إلا لعمر- رضي الله عنه - ومن يماثل عمر في سيرته؟! فهل للحكام أن يحملوا الطعام على ظهورهم كما فعل عمر حين قال لمولاه: يا أسلم إحمل عَلَيَّ، قال: يا أمير المؤمنين أنا أحمل عنك، فقال: لا أُمّ لك يا أسْلمُ، أنا أحمله، أنا المسؤول عنهم في الآخرة، فحمله حتى أتى به منزل المرأة وأطفالها، فأخذ القدر فجعل فيه الطعام، وأخذ يحركه بيده وينفخ تحت القدر، قال أسلم: فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته حتى طبخ لهم، ثم جعل يفرق بيده، ويطعمهم حتى شبعوا». هذا هو أمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه، هل يمكن المقارنة بينه وبين حكام المسلمين في السابق والحاضر؟! صورة مثالية عظيمة من صور الإسلام الرائعة ومثله الواقعية، تتحقق عندما يتربى الأمير والحاكم على مثل ما تربى عليه عمر، عندما يتتلمذ في ذات المدرسة المحمدية ويتربى على سنته وهدايته!! أين أنت يا عمر الفاروق لترى الفارق بين حكمك العدل، وحياتك التي صغتها على ذلك العدل؛ التي كنت فيها لا تختلف ولا تتمايز أنت ولا أهلك ولا قرابتك عن سائر المسلمين في شيء؛ بل تقدم صالح المسلمين وتؤثرهم على نفسك وأهلك وقرابتك، لا محاباة، ولا محسوبية، ولا مداهنة عندك لأحد مهما كانت صلته بك؟! فالعدل همك، والمساواة هدفك، وخشية الله ورضاه وحده غايتك!!. إنك ثاني أنجب الرجال بعد الصديق - رضي الله عنه - في هذه الأمة!؟ تتلمذت على يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فزهدت في كل ما في هذه الدنيا، لم يُغْرِكَ مالٌ، ولم يُجَبِّنْك عيال عن إقامة العدل، وتكريس المساواة. تأتيك غنائم الذهب والفضة وغيرها على الجمال محملة من كافة أراضي الفتح الإسلامي، فلا تنظر إليها طمعاً، فضلا أن تمد إليها يداً!! رغم أنك تحيا الكفاف، وشظف المعاش في بردتك أربع عشرة رقعة وفي ثوبك مثل ذلك، فلم يحط هذا من عظمتك، ولم ينقص من منزلتك وقدرك، فأين اللاحقون بركابك والمقتدون بأخلاقك وخلالك ؟! فما عسانا أن نقول عن عمر الحرية، أليس هو القائل: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» أليس هو من شهد له العدو وأقر له بالعدالة؛ فعندما أتى الهرمزان - مستشار كسرى- إلى المدينة، وسأل أين قصر الخليفة؟ قالوا: ليس له قصر، قال: أين بيته؟ فذهبوا فأروه بيتا من طين، وقالوا له: هذا بيت الخليفة! قال: أين حرسه؟ قالوا: ليس له حرس! فطرق الهرمزان الباب فخرج ابنه فقال له: أين الخليفة؟ فقال: إلتمسوه في المسجد، فلم يجدوه فبحثوا عنه، فوجدوه نائما تحت شجرة، وقد وضع درته بجانبه، وعليه ثوبه المرقع، وقد توسد ذراعه وذهب في نوم هادئٍ عميقٍ كأحسن ما يكون النائم؟! أهذا هو عمر، أهذا هو الخليفة الذي تطلب الدول الكبرى آنذاك وده ورضاه؟! نعم إنه عمر الآمن المطمئن بسبب عدله في رعيته!! فقال الهرمزان: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر!؟. ألا يقرأ الحكام سيرته ليحذوا حذوه ويسيروا على طريقته ومنهجه!! لقد ودع عمر الدنيا وليس عنده شيء يُورَثُه، لا أموال، ولا قصور، ولا شيء من ذلك البتة؛ غير سيرةً صالحة مبنية على عقيدة خالدة، ومبادئ قويمة. وليعلي المولى عز وجل من شأنه أكثر فأكثر؛ أكرمه بالشهادة، فكانت يد الغدر والفجور والخيانة لهذا العظيم بالمرصاد، ففي صلاة الفجر، وفي أثناء الصلاة، أتاه الخاسر الفاجر أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن انتهى عمر من قراءة الفاتحة وشرع في قراءة سورة يوسف، تقدم الشقي إليه بخنجر مسموم، فطعنه بست طعنات. فوقع وهو يقول «حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم» وأخذ يسأل وهو في سكرات الموت من قتلني؟ قالوا قتلك أبو لؤلؤة المجوسي، قال: الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجل ما سجد لله سجدة، وكان يسأل: هل صليت؟ هل أكملت الصلاة؟ قالوا: لا، قال: الله المستعان، كل أمنياته أن يكمل الصلاة؛ ليلقى الله تعالى وقد صلى صلاة الفجر، لم يسأل عن ولاية ولا ولد ولا عن بلد ولا عن زوجة ولا عن ميراث؛ وإنما سأل عن الصلاة، ولم يهدأ له بال حتى أتمها. وكان أن وضعوه في البيت، وأحضروا له وسادة، فنزعها وقال: يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه».. دخل عليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ليلقي عليه كلمات الوداع والدموع تفيض من عينه، فأخذ يقول لعمر: يا أبا حفص، والله لطالما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: جئت أنا وأبوبكر وعمر، وذهبت أنا وأبوبكر وعمر فأسال الله أن يحشرك مع صاحبيك» ويقول علي رضى الله عنه وعمر يكفن قبل أن يُصلى عليه: والله ما أريد أن ألقى الله بعملِ رجلٍ إلا بعملِ رجلٍ مثلك» هذا قول أمير المؤمنين علي رضى الله عنه في عمر الفاروق رضي الله عنه.لكي نكون منصفين في أقوالنا لمّا إلتبست كثير من المسميات واستعملت بعض المصطلحات في غير مكان استعمالها الصحيح، كمسمى الشيعة ومسمى الرافضة فلم يستطع بعض الناس أن يميز بين من يوالي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه وآله وأصحابه والمؤمنين وهم أتباع سنته وهم شيعته الحقيقيون، والذين هم يوالون ويوادون أزواجه وقرابته وأصحابه وكافة المؤمنين. فمن كان كذلك فهو من أتباع وشيعة محمد صلى الله عليه وسلم - ومن ناصب محمداً صلى الله عليه وسلم العداء وآذاه في أزواجه وطعن في عرضه وكذب وافترى على قرابته وطعن في صحابته وأظهر العداوة للمؤمنين من أتباعه، فهو رافضي مجوسي وجب وقفه عند حده، ومحاربته واستئصال شأفته، وهنا يكمن الفرق الذي نعنيه؛ لأن من سب المصطفى وطعن في عرض أزواجه وصحابته فلا مكان له بين ظهراني المؤمنين، ولا عيش له في بلاد المسلمين: «قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر..». إلى متى يتعدى هؤلاء على الدين ويتطاولون على المسلمين؟ أليس ما فعلته تلك المجرمة بذلك الطفل البريء جريمة بشعة؛ لا يمكن أن يقدم عليها إلا من فقد إنسانيته ودينه وخلقه، فحركه حقده الدفين إلى تلك الفعلة النكراء التي لا يمكن أن تغتفر لها، ولا لمن يقف خلفها، أو يسكت عن إنكارها، أو يحاول التستر عليها، أو إخفاءها كما حاولت وزارة التربية والتعليم في بداية القضية التعتيم والتعمية على هذه الجريمة ككثير من القضايا التربوية والمخالفات المسلكية الخطيرة التي عُميت على الوطن والمواطنين. وهذه ليست قضية تربوية تختص بالطفل وأهله، إنها جزءٌ من حرب ضروس تشتعل في قلوب المجوس يريدون بها القضاء على الإسلام والمسلمين، إنها قضية تعني أمة الإسلام كلها؛ ولذلك تفاعل معها المسلمون داخل البحرين وخارجها. فالمجوس منذ أمد يتحركون على كافة المستويات والإتجاهات يعاونهم أعداء الأمة من كل ملة، وحكام المسلمين بعامة، وحكام الخليج بخاصة يجب أن يكونوا على أعلى درجات الإستعداد لمواجهة الدولة الصفوية وأتباعها، عليهم أن يتحملوا المسئولية كاملة أمام الله تعالى فهم ولاة الأمر، فليقتدوا بعمر الفاروق رضي الله عنه - للعمل على إدالة وإزالة الدولة الصفوية المجوسية «ولينصرن الله من ينصره».